23 – مفهوم 11: صفاء التوحيد ودقته ونقاؤه
التوحيد أصفى شيء وأدقه وأنقاه، فأدنى شيء يخدشه ويؤثر فيه ويذهب بهاءه، ولكن من الناس من يكون توحيده كبيرًا عظيمًا ينغمر فيه كثير مما يشوشه من: لفظة، أو لحظة، أو شهوة خفية؛ كالماء الكثير الذي لا يحمل الخَبَث، فيغتر بذلك من كان توحيده أدنى من صاحب التوحيد العظيم، فيخدش توحيده بمثل هذه الخوادش والمشوشات، فيؤثر ذلك فيه تأثيرًا بليغًا.
كما أن صاحب التوحيد الصافي ينتبه مبكرًا إلى ما يدنس توحيده -ولو كان ضئيلًا- فيعالج ذلك سريعًا، ويرجع عما وقع فيه؛ وذلك كان حال الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح من بعدهم، وقد قيل عنهم: «إن القوم قلَّت ذنوبهم فعرفوا من أين أُتُوا»، وأظهر مثال على ذلك: عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين عارض صلح الحديبية وراجع النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم لم يلبث أن ندم أشد الندم على ذلك، ولم يزل يتصدق ويصوم ويصلي ويعتق مخافة هذه المعارضة وكفارة عنها. بينما لا يدرك ضعيف الإيمان والتوحيد مثل هذا الإدراك، فلا يرجع عمَّا يفعله مما يخدش توحيده.
كما أن صاحب التوحيد القوي والمحاسن الكثيرة يُسامَح بما لا يُسامَح به من ليس له مثل هذا التوحيد وهذه الحسنات.
فلينتبه المرء إلى توحيده، وليحافظ عليه من كل ما يخدشه حتى يفوز بثمرة التوحيد الكبرى: النجاة من النيران والفوز بالجنان.
المصدر:كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم