إنّ معيّة الله لمن يعبدونه حقّ العبادة ويحملون منهجه ونظامه، ويحملون دعوته، ويجاهدون في سبيله، ويسعون لتحقيق مرضاته….

معية الله عز وجل كما قررها القرآن

جاء الحديث عن سُنَّة معيّة الله سبحانه وتعالى لعباده المرسلين وأوليائه المؤمنين الصادقين ثماني وثلاثين مرّة في القرآن، من ذلك قوله تعالى: (وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين) [الأنفال:19]، وقوله: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، ودلّت الآيات القرآنيّة على ورودها على قسمين اثنين، هما:

المعيّة العامّة: والمراد بها أنّ الله مع جميع الخلق بعلمه، ومحيط بهم، ومطّلع عليهم، وعالم بهم، وشهيد على أعمالهم، فهي معيّة تشمل جميع الخلق، مثل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].

المعيّة الخاصّة: وهي بمعنى النُّصرة والتأييد والتوفيق لأنبيائه وأوليائه المؤمنين، وهذا النوع هو المراد في الموضعين من سورة الأنفال، أي: إنَّ الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده1بتصرف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن، 3/1491..

من آثار معية الله للمؤمنين

  • تحقيق السكينة والطمأنينة

وهذه المعيّة تبعث على الطمأنينة إلى أنّ الله مع المؤمن في كلّ لحظة لا ينساه ولا يقلاه، معه في ساعة العسرة، وساعة المحنة، وفي ميدان الحرب، يشعر على قدر إيمانه وتأصّل هذا الإيمان بأنّ الله معه، فيحسّ بالطمأنينة تسري في قلبه، وأنّه في أمان الله متحصّن بقوّة الله، ولو كادت له كلّ قوى الأرض، وأنّه لن يهزم ولن يهون، فالله أكبر من القوى والحصون والبشر والأموال والسلاح2ابن هشام، عبد الملك- السيرة النبوية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1955، 1/ 621..

  • تحقيق النصر والتمكين

والمعركة عندما تكون معيّة الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد، والكفّار لا مولى لهم ولا نصير، وليس معهم إلّا ناس من البشر من أمثالهم لن تكون متكافئة أبدًا؛ لأنّ المؤمنين- ومعهم الله- سيكونون في صفّ قويّ ومنيع لا يهزم، وستكون المعركة محسومة النتيجة مقرّرة المصير، وقد كان مشركو العرب يعرفون هذه الحقيقة3بتصرّف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن،2/857.، فورد “أنّ خُفاف بن أيماء ابن رخصة الغفاري، أو أبوه أيماء بن رخصة الغفاري، بعث إلى قريش حين مرّوا به ابنًا له بجزائر (أي: ذبائح)، أهداها لهم، وقال: إن أحببتم أن نمدّكم بسلاح ورجال؛ فعلنا، قال: فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك رحم، قد قضيت الذي عليك؛ فلعمري لئن كنّا إنّما نقاتل الناس؛ فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنّا إنّما نقاتل الله – كما يزعم محمّد -؛ فما لأحد بالله من طاقة”4رضا، محمّد رشيد، تفسير المنار، 2/30، المراغي- تفسير المراغي، 2/23..

  • تحقيق الهداية والكفاية

ومن كان الله معه فلن يضلّ طريقه، فإنّ معيّة الله سبحانه تهديه وتكفيه، مصداقًا لقوله: (وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ) [العنكبوت:69] ولكنّ معيّة الله لم يجعلها الله سبحانه جزافًا ولا محاباة، ولا كرامة شخصيّة، منقطعة عن أسبابها وشروطها، إنّ معيّة الله لمن يعبدونه حقّ العبادة ويحملون منهجه ونظامه، ويحملون دعوته، ويجاهدون في سبيله، ويسعون لتحقيق مرضاته5قطب، سيد، في ظلال القرآن، 5/2752..

طوفان الأقصى ومعية الله عز وجل للمجاهدين

  • تحقيق هجوم مباغت للعدوّ، وانتصار عسكريّ وأمنيّ أذهل العدوّ والصديق

وقد تجلّت معيّة الله للمجاهدين ولأهل غزّة في معركة طوفان الأقصى أن مكّنَّهم من تحقيق هجوم مباغت للعدوّ، وتحقيق انتصار عسكريّ وأمنيّ أذهل العدوّ والصديق، وزلزلت الكيان الصهيوني، وأرغمت أنفه في الوحل والطين، وجعلته يتخبّط في ظلمات الهزيمة النكراء، وحطّمت معنويّات جيشه وشعبه، وسحقت صورة الجيش الذي لا يقهر، وأثبتت للعالم أنّ قوّته أوهن من بيت العنكبوت.

  • توفيقهم وهدايتهم لإعداد العدة

كما وتجلّت معيّة الله تعالى للمجاهدين في توفيقهم وهدايتهم لصناعة أسلحة نوعيّة، قليلة التكلفة المادّيّة تفتك بترسانة العدوّ الضخمة والمتطوّرة من الدبّابات وناقلات الجند، وثبّتهم في ميدان المواجهة فلم يفرّوا، ولم يتقهقروا، والتحموا مع العدوّ في كلّ محاور الجهاد دون خوف أو وجل، ولا زالت المواجهة مفتوحة، والمعركة مستمرّة، وجند الله في إقدام، وعدوّنا في هزيمة وإحجام.

  • تثبيت أهل غزة

وظهرت معيّة الله في معركة الطوفان بالثّبات المنقطع النظير لأهل غزّة وجندها الميامين، وصبرهم على أهوال الحرب وشدائدها، وتحمّلهم لتغوّل الصهاينة عليهم بالقتل والتدمير، ومحاولة التهجير، فلم تنكسر لهم إرادة، ولم تلن لهم قناة، ولم يسخطوا أو يتبرّموا من دفع ضريبة الكرامة، ولم يجزعوا من كثرة الشهداء والتضحيات، وضربوا أروع الأمثلة في الصبر والمصابرة، “وقد جرت سنّة الله أنّ الأعمال العظيمة لا تنجح إلّا بالثبات والدأب عليها، ومدار ذلك كلّه الصبر، فمن صبر فهو على سنّة الله والله معه، فيسهّل له العسير من أمره، ويجعل له فرجًا من ضيقه، ومن لم يصبر فليس الله معه؛ لأنّه تنكّب عن سنّته، فلن يبلغ قصده وغايته”6ابن عطية- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 4/512، رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 9/505، قطب، سيّد- في ظلال القرآن، 3/1483-1484، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 9/276..

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

إنّ الله تعالى مع الذين جاهدوا في سبيله وتحمّلوا عناء الطريق، فلم ينكثوا ولم ييأسوا، وصبروا على قلّة المساندين، وكثرة المتخاذلين، وحملوا أعباء التحرير، ودفعوا ضريبة النصر من دمائهم، وأرواحهم، وفلذات أكبادهم، وقدّموا الغالي والرخيص في سبيل تحرير الأرض وتطهير المقدّسات، “أولئك لن يتركهم اللّه وحدهم، ولن يضيع إيمانهم، ولن ينسى جهادهم، إنّه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم، وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم. وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء”7قطب، سيد، في ظلال القرآن، 5/2752..

الهوامش

  1. بتصرف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن، 3/1491.
  2. ابن هشام، عبد الملك- السيرة النبوية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1955، 1/ 621.
  3. بتصرّف: قطب، سيّد، في ظلال القرآن،2/857.
  4. رضا، محمّد رشيد، تفسير المنار، 2/30، المراغي- تفسير المراغي، 2/23.
  5. قطب، سيد، في ظلال القرآن، 5/2752.
  6. ابن عطية- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 4/512، رضا، محمد رشيد- تفسير المنار، 9/505، قطب، سيّد- في ظلال القرآن، 3/1483-1484، ابن عاشور- التحرير والتنوير، 9/276.
  7. قطب، سيد، في ظلال القرآن، 5/2752.

المصدر

موقع هيئة علماء فلسطين، “معركة طوفان الأقصى في ضوء السنن الإلهيّة”، د. مجدي قويدر.

اقرأ أيضا

سُنَّة الله في النّصر

سُنَّة المداولة في معركة طوفان الأقصى

سُنَّة توهين كيد الكافرين

السنن الإلهية في معركة طوفان الأقصى

التعليقات غير متاحة