11 – مفهوم 11: حرية الاعتقاد
قول الله تعالى: (وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡ) [الكهف:29]، لا يعني الإذن بالكفر، إنما هو تهديد ووعيد بالعذاب الأخروي لمن اختاره بعد بيان الحق؛ بدليل قوله بعدها: (إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا) [الكهف:29]، فهو صريح في
الوعيد والتهديد، وفيه بيان أن الكفر ظلم: (لِلظَّٰلِمِينَ). والله عزّ وجلّ لا يأذن بالكفر ولا يرضى به؛ قال تعالى: (إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَ) [الزمر:7].
ولكن عدم الإذن بالكفر لا يعني الإكراه على الإيمان والدين الحق؛ فقد قال الله تعالى: (لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ) [البقرة:256]، وقال تعالى: (أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ) [يونس:99]، والإكراه على اعتقاد الحق غير متصورٍ أصلًا؛ لأن الاعتقاد محله القلب الذي لا يطلع على ما فيه إلا الله سبحانه، كما أن من تكريم الإنسان تمييزه عن الحيوانات بالفكر والإرادة، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد، مع تحميله تبعة عمله ومحاسبته في الآخرة: إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
ولا يتعارض عدم الإكراه على الإيمان مع قتال الكافرين المأمور به في غير ما آية من آيات كتاب الله تعالى؛ كقوله عزّ وجلّ: (وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗ) [التوبة:36]، وقوله: (وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ) [الأنفال:39]، وقوله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗ) [التوبة:123]، لا يتعارض عدم الإكراه على الإيمان مع هذا القتال لأن قتالهم المقصود منه منع الشرك من الظهور في العلن ومنع الاستعلاء به، والإلزام بحكم الإسلام وشرائعه في واقع الحياة، فإن التزم الكفار بذلك وقصروا شركهم على أنفسهم ولم يدعوا إليه، وأدوا شعائرهم في معابدهم دون إظهار وإعلان، وخضعوا لحكم الله، فلا يُمنعون من ذلك -إلا في جزيرة العرب حيث يمتنع عليهم استيطانها- وعليهم الجزية وحسابهم على الله.
وغير خافٍ أن المسلمين لا يمكنهم تطبيق ذلك الحكم بهذا التفصيل إلا في حال العز والتمكين، أما عند ضعفهم وهوانهم وزوال حكمهم في الواقع فسيكون الظهور حينئذ للكفر ومناهجه الضالة التي قد يسمح بعضها للمسلمين بأداء شعائرهم التعبدية وإقامة شرائعهم في الأحوال الشخصية فقط دون سائر أمور الحكم والسياسة.
وقد يشتد أمر الكفر ويطغى علوه في أزمنة وأمكنة مختلفة فيمنع حتى الشعائر التعبدية للمسلمين وأحكامهم في الأحوال الشخصية؛ كما حدث من قبل إبَّان سقوط الأندلس وقيام النصارى وقتها بما يسمى «محاكم التفتيش»؛ حيث تتبعوا المسلمين وفتشوا عما في قلوبهم، وأجبروهم على اعتناق النصرانية وإلا يلاقون التعذيب الرهيب والموت والإبادة الجماعية، وكما فعل الشيوعيون إبَّان الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي سابقًا، وكما يفعل حاليًا كثير من الهندوس والسيخ في الهند، والبوذيون في ميانمار، والصينيون الشيوعيون في إقليم الإيغور.
المصدر:كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم
انظر أيضا
مفاهيم حول مقدمات في العقيدة
موضوعات كتاب: خلاصة مفاهيم أهل السنة