82 – مفهوم 22: تحريف الأشاعرة لمعنى العلو والاستواء
ربما أثبت الأشاعرة لله تعالى النوعين الأخيرين من العلو -أي علو القهر والغلبة، وعلو المكانة والقدر- ولكنهم ينكرون النوع الأول: علو الذات والاستواء على العرش؛ ينكرونه رغم ورود النصوص المستفيضة في ذلك من آيات وأحاديث؛ كالآية السابقة وغيرها، ويزعمون في إنكارهم هذا أن هذه المسألة من باب «العقليات» لا «السمعيات»، والعقل عندهم يحكم باستحالة ثبوت جهة لله سبحانه؛ لأن إثبات الجهة -بزعمهم- هو من خصائص الأجسام، والله منزه عن الجسمية. وبسبب هذه اللوثة العقلية يُؤوِّل الأشاعرة الاستواء الوارد في ست آيات من كتاب الله تعالى بالاستيلاء، وهذا تحريف للنصوص وليس تأويلًا، بل يؤدي إلى محظور ومنكر آخر جديد؛ حيث يفيد المصارعة والمغالبة على العرش بين الله وخلقه لينتصر الله بعد ذلك ويستولي عليه، تعالى الله عما يقولون علوًّ كبيرًا.
ومن عجيب أمرهم أنهم يثبتون رؤية الله تعالى يوم القيامة، وعمدتهم في ذلك العقل لا السمع، ومع ذلك ينفون العلو، مع أن العقل يحيل ذاتين منفصلتين ترى كل منهما الأخرى بلا جهة ولا مقابلة. وقد تسببوا بقولهم هذا في سخرية المعتزلة منهم؛ حيث قالوا: «من أثبت الرؤية وأنكر الجهة فقد أضحك الناس على عقله» [يُنظر بيان تلبيس الجهمية، ص88].
ومن الأدلة النصية الجلية على علو الله بذاته قول الله تعالى: (إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) [آل عمران:55]؛ ففيه دليل على علو الله تعالى في السماء، وأنه بائن من خلقه مستوٍ على عرشه.
ويدل على العلو من السنة الحديث المتواتر: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له) [رواه البخاري (1145)، ومسلم (758)]، وهو نزول حقيقي يليق بجلال الله عزّ وجلّ ويؤمن به أهل السنة من غير تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ولا تشبيه.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445