“مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا” [لوقا ٦: ٢٩] ، “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ” [متى ٥: ٤٤]، “وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!»”[يوحنا ٨: ٦]، “أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ” [مرقص ١٢: ١٧].
عملية نصرنة وبوذنة ممنهجة لقيم الإسلام
تعاني أمة الإسلام منذ ستين عاماً من عملية نصرنة وبوذنة ممنهجة لقيم الإسلام، بتجميل السلبية والخنوع واستحسان الضعف والمفعولية. ويتجلى هذا في المبالغة في استعمال عبارات “السماحة” و”اليسر” وأمثالها لتجميل الإسلام، والإسلام من مقاصدهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
بغض النظر عن تفصيل ما حُرف من العهد الجديد (والأصل أن أكثره محرف وبعضه ينافي المقطوع به ديناً) وما هو باق على أصله، فإن المسيح عليه السلام قد بُعث في بني إسرائيل وهم غلاظ جفاة قاسية قلوبهم قلّ أو عدم فيها تعظيم مقام الرب، فكانت أكثر دعوته تقصد إلى ترقيق القلوب واستدعاء الرحمة، خلافاً لرسالة موسى -عليه السلام- الذي قيل إنه كان من فرط غضبه إذا غضب خرج الدخان من رأسه، وارتفعت جبته من انتصاب شعر جسده، قتلت وكزة منه رجلاً، وحمل الصخرة يحملها العشرة من الرجال، فناسب طبيعة العبيد الذين نشأوا في القهر واعتادوا السوط ولم يعد للحلم عليهم سلطان، فما إن التفت عنهم قليلاً حتى عبدوا العجل، بل ما إن أتوا على عبدة الأوثان سألوه أصناماً يصلون إليها، وهو الرسول المبعوث إليهم بتوحيد الرب الذي أنقذهم من فرعون.
وحتى لو ثبت المنقول عن المسيح -عليه السلام- فلا يوضع ما صح منه إلا موضع التنازل عن الحق لأجل مصلحة أعلى، وهو محمود ما كان على هذا الوجه بالقيدين المذكورين: أن يكون حقاً للنفس لا لله، وأن يكون لأجل مصلحة أعلى. وإلا فقد قال عز من قائل: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ”، فكان مما ثبت في شرعنا ما ثبت عن عيسى -عليه السلام- من إقامة الدين، والتفريط في الشريعة ينافيه.
الإسلام: لا رهبانية فيه ولكن جهاد وقتال
أما شريعة الإسلام فثابتة الأصول أتت لتختم الشرائع وتكون ديناً للعالمين إلى قيام الساعة، فلا تتلون ولا تتشكل ولا يحرفها سياق ولا ظرف، بل تفرض نفسها على الإنس والجن فرضاً، فمن كفر فإن الله غني عن العالمين.
لأجل ذلك قال تبارك وتعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».
وقال: «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ».
وقال: «وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ».
وقال: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ».
وقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ».
وسميت سورة خاتم المرسلين ﷺ بسورة القتال.
ليس في الإسلام شعارات لأجل تقليم أظافر المسلم وتكسير أنيابه
فليس في الإسلام سلبية، وليس فيه رضوخ ولا إذعان مطلق إلا لله سبحانه وتعالى ولرسوله ﷺ. وليس في كلامهما الاستعمال المعاصر لعبارات “التسامح” التي تستعمل سكيناً باردة لذبح شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الدين، والجهاد، وفي الدفاع عن العلمانية والفردانية والإنسانوية، وإنما إعلاء كلمة الله في الأرض وإقامة دينه، فما كان فيه من سعة موقفية أو ظرفية لإقرار كافر أو فاسق أو مبتدع فمردُّ ذلك إلى تفصيلات الشريعة التي تستمد سلطانها من الوحي وبضوابطها ولأجل مقاصدها وفي حدودها وبقدرها، لا إلى شعارات أتى بها أقوام ما لهم من خلاق لأجل تقليم أظافر المسلم وتكسير أنيابه وتحويله من ليث غضنفر يزأر إعلاءً لكلمة الرب الأوحد ويفتك بكل ما يعارض إقامة دينه إلى دجاجة بيضاء سمينة تبيض صباحاً ليأكل صاحبها ثم تبيت مساء في عشتها إلى أن يأتي أوان ذبحها.
فليس في الإسلام أن من صفعك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، إلى آخر الرهبانيات التي ابتدعوها ما كتبها الله عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها!!
والله المستعان
المصدر
صفحة مصطفى محسن، على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
مسؤولية الفرد عن انتكاسة الأمة.. (1-2) التكاليف الفردية والجماعية
مسؤولية الفرد عن انتكاسة الأمة.. (2-2) المسؤولية الفردية والتضامنية