بين المشروعين الصهيوني والصفوي أين نحن

لقد سادت أنظمة ما بعد سايكس- بيكو بقبضة أمنية وأدلجة استبدادية، تنافست لا على تحرير فلسطين ولا النهضة الشاملة، بل على خدمة الراعي الدولي، أو التناحر الإقليمي العبثي.

أين المشروع السني في مواجهة التمدد الصهيوني والصفوي؟

في خضمّ الحرب المستعرة اليوم بين إيران والكيان الصهيوني، وفي ظل تسارع التطورات العسكرية والاستراتيجية، تعالت أصوات صادقة تتساءل بواقعية:

أين مشروعنا نحن؟

أين المشروع العربي الإسلامي الذي ينافس تمدد المشروعين المتنازعين على المنطقة: الصهيوني والصفوي؟

أين ذلك الكيان الحضاري المستقل، الذي ينطلق من هوية الأمة ويمتلك القدرة على المبادرة لا مجرد ردود الفعل؟

سايكس-بيكو: المشروع الثالث الذي مهد للهيمنة الصهيونية والصفوية!

لكن ثمّة سؤالًا آخر، أكثر إحراجًا وأشد مرارةً، لا يُطرح كثيرًا، رغم كونه جوهر المشكلة:

ألسنا أصلًا نعيش في كنف مشروع ثالث هيمن علينا قبل أن يُحكم أحدهما قبضته؟!

مشروع لا هو صهيوني خالص، ولا صفوي محض، لكنه مهد لهما الطريق وعبَّد أمامهما الساحات!

الأنظمة الوظيفية: إرث سايكس-بيكو الذي خنق الأمة ومهد للغزو!

إنه مشروع “سايكس- بيكو” الذي مزّق الأمة، وقسّمها إلى كانتونات وظيفية هشّة، على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، ووزّع إرثها السياسي والثقافي والجغرافي على التحالف الاستعماري الغربي، ثم أوكل لتلك الكانتونات أن تُحكَم بأنظمة مختارة بعناية، تتنوع في الشعارات، لكنها تتفق على الوظيفة:

تحييد الأمة وخلق الفتن بين أبنائها عبر إثارة النعرات بزعم الوطنية لمنع نهوضها.

لقد سادت أنظمة ما بعد سايكس- بيكو بقبضة أمنية وأدلجة استبدادية، تنافست لا على تحرير فلسطين ولا النهضة الشاملة، بل على خدمة الراعي الدولي، أو التناحر الإقليمي العبثي.

أنظمة عربدت في الأرض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأجهزت على كل فرصة ممكنة للانعتاق أو البناء.

فما النتيجة؟

  • هوية مهدومة تم التلاعب بها عبر تبني خليط أيديولوجي متنافر: قومية.. اشتراكية.. ليبرالية.. وطنجية، ثم منظومات إلحادية هجومية على الدين، نُسجت بمكر داخل مؤسسات إعلامية وتعليمية ومراكز أبحاث، ترعاها أنظمة محلية وتغذيها عواصم عالمية.
  • ديكتاتوريات انقلابية قمعية، رفعت شعارات التحرير لكنها جعلت من الشعوب رهائن، ومن الأوطان سجونًا، ومن الحكم ملكًا عضوضًا يتوارثه العسكر.. من الناصرية إلى البعثية، من الأسدية إلى القذافية، من البورقيبية إلى الصدامية، والنتيجة واحدة: استنزاف طاقات الأمة وقتل روحها.
  • صراعات عربية/عربية ما تزال تستنزفنا، تعبر الحدود، وتغذيها أحقاد دفينة وأطماع سطحية.
  • سلام كاذب وتطبيع مخادع، يُسوَّق على أنه واقعية سياسية، لكنه في حقيقته إعدامٌ تاريخيٌ للحق، وتفريط بالكرامة، وتمكين للعدو من رقابنا وثرواتنا وعواصمنا!

إن هذه التبعية السياسية والفكرية، التي نعيش في ظلها منذ قرن، هي التي مكّنت المشروع الصهيوني من فرض هيمنته، والمشروع الصفوي من التمدد في فراغات الانهيار العربي.

فالسؤال اليوم ليس فقط:

ما هو المشروع الذي ستكون له الغلبة بعد الحرب بين إيران والكيان الصهيوني؟!

بل السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا:

هل لدينا مشروع أصلاً؟!

أم أننا –من حيث لا نشعر– قد أصبحنا مجرّد هامش على متون الآخرين؟!

المصدر

صفحة د.محمد العوضي، على منصة x.

اقرأ أيضا

المشروع السني.. أين.. وإلى أين..؟

أسس وحدة الأمة الإسلامية

المشروع الصليبي الاستعماري في المشرق الإسلامي

التعليقات غير متاحة