إن ما نحن فيه الآن هو الثمرة المرة للخيانات الكثيرة التي ارتكبتها هذه الأنظمة، ولكن.. أتدري؟!! ثمة خيانة أخرى، ربما تكون أكبر وأعظم، نرتكبها نحن، ويرتكبها بعضنا إما بغفلة وحسن نية، وإما تحت شعور الخوف والهزيمة النفسية..

من أعاجيب الملوك تطاردنا في كل كتاب!!

في مقدمة كتاب “الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة” جاء ذكر حادثة طريفة لها اتصال بالسياسة المعاصرة:

رسالة النبي ﷺ إلى هرقل، كانت عند ملك الأردن عبد الله بن الحسين (عبد الله الأول)، فتسربت إلى بعض جواريه، ثم إن هذه الجارية أخذت الوثيقة الشرقية وسافرت إلى سويسرا، وهناك باعتها لأمير “أبو ظبي”، فلما علم بهذا حفيدُه الملك حسين تشفَّع حتى استعادها، وهي محفوظة في عمّان كما يقول العلامة محمد حميد الله!

صارت أعاجيب الملوك تطاردنا في كل كتاب!! فهذا عبد الله الأول الذي باع فلسطين، وحصل بجدارة على لقب الخائن الأول لبيت المقدس، كان يضع مأثرته ومأثرة عائلته ورسالة جدِّه عند جارية له!

وهذه الجارية استطاعت أن تخرج بهذه المأثرة العظيمة من البلد، حتى ذهبت إلى سويسرا، وهناك تاجرت في الوثيقة!!

الجارية على أخلاق سيدها..

إن تسعة أعشار المسلمين اليوم -على أقل تقدير- لو حصلت بأيديهم ورقة من أثر الرسول لما باعوها بكنوز الأرض، ولكن الجارية كانت على أخلاق سيدها.. فهذا باع الأرض المقدسة، وهذه باعت الوثيقة المقدسة!!

ولا يُسْتَغَْرَب هذا على ملكٍ كان هو وإخوته ملوكا على شرقي الأردن والعراق والحجاز، في الوقت الذي كان أبوهم (الشريف حسين) منفيا في قبرص يسحبه صاحب البيت إلى القاضي ليطالبه بأجرة البيت!!

فأي وفاء؟!!

الملك حسين على درب جدِّه

ولا تحسبن أن الملك حسين -الذي استعاد الوثيقة- كان خيرا من جدِّه؛ ولكنه عالج الفضيحة، وإلا فقد استمر هو نفسه في بيع الأرض المقدسة، وقد أخذ الصهاينة منه مسرى النبي وبقية الضفة الغربية بغير قتال (1967م)، ثم إنه تنازل عنها فيما سمّاه فك الارتباط (1988م)!

ولقد كان يُعَيَّر الملك حسين بأنه لم يصل أبدا في المسجد الأقصى طوال السنين التي كان الأقصى تحت سيادته (قبل 1967م)! وهو المسجد الذي كانت تأتي إليه وفود الحجيج من طنجة وجاكرتا ومن غانة وفرغانة!!

حكام العرب: أبناء الاحتلال الأجنبي ووكلاؤه وأولياؤه وخلصاؤه

يكاد كل شيء في هذه الدنيا يشدنا ويجذبنا ويدفعنا دفعا إلى الحقيقة الساطعة التي تقول: هذه الأنظمة ليست أنظمة مسلمة تنتمي إلى الأمة ولكن داخَلَها الفساد والظلم والجور على نحو ما كان في الملوك الظلمة من الأمويين والعباسيين والعثمانيين عبر التاريخ..

هؤلاء -حكام العرب- نوع آخر وطبيعة أخرى، هؤلاء أبناء الاحتلال الأجنبي، وهم قومه ووكلاؤه وأولياؤه وخلصاؤه، بهم بلغ منا ومن بلادنا ما لم يستطع بلوغه بجيوشه!!

الشريف حسين بين الخيانة والحماقة

ومن فتَّش في تاريخ هؤلاء وجد عجبا من ولائهم، ومن تقديمهم مصلحة الأجانب على مصالحهم هم، ولقد كان الشريف حسين -جدّ هؤلاء- قد وصلت إليه أخبار المعاهدة السرية بين الإنجليز والفرنسيين (معاهدة سايكس بيكو) وهي التي تعني أن الإنجليز غدروا به واستعملوه في حرب العثمانيين ثم سيقذفونه إلى أقرب مزبلة!!

فماذا فعل الشريف حسين حين وصلته رسالة جمال باشا (قائد الجيش العثماني) بأنباء المعاهدة الإنجليزية الفرنسية؟

رفض التعاون مع العثمانيين، وبعث برسالة جمال باشا وما فيها إلى الإنجليز يستفسر منهم عن صحة هذا الكلام.. فأرسلوا إليه مبعوثا يطمئنه ويخدره حتى فعلوا به ما كان قد حُذِّر منه!

فيصل بن الشريف حسين: ذرية بعضها من بعض

هل تعرف عزيزي القارئ أن أول من وافق على الدولة الصهيونية هو فيصل بن الشريف حسين (أخو عبد الله صاحب الوثيقة المسروقة) في اتفاقيته مع رئيس المنظمة الصهيونية حاييم وايزمان؟.. ابحث عن: اتفاقية فيصل وايزمان.. وستعرف أنها كانت أول أساس قانوني صادر من أمير عربي بالموافقة على دولة للصهاينة في فلسطين!

حديث التاريخ طويل.. ولكنه حديث مرّ وليس حديثا للتسلية..

ثمة خيانة أكبر: خيانة التضليل والتخدير والتثبيط

إن ما نحن فيه الآن هو الثمرة المرة للخيانات الكثيرة التي ارتكبتها هذه الأنظمة، ولكن.. أتدري؟!!

ثمة خيانة أخرى، ربما تكون أكبر وأعظم، نرتكبها نحن، ويرتكبها بعضنا إما بغفلة وحسن نية، وإما تحت شعور الخوف والهزيمة النفسية.. هذه الخيانة الأكبر هي تضليل الناس وتخديرهم وتثبيطهم وإقناعهم أن هذه الأنظمة أنظمة مسلمة تنتمي إلى الأمة ولكن داخلها بعض الفساد والظلم والجور على نحو ما كان عليه أمراء المسلمين قديما!!

هذه خيانة التضليل والتخدير والتثبيط هي التي ستجعلنا ندفع الثمن من أرواحنا ودمائنا إلى أن تنتهي هذه الخدعة، وإلى أن يبطل مفعول هذا المخدر!

المصدر

صفحة الأستاذ محمد إلهامي على منصة x.

اقرأ أيضا

منكرات وطوام التطبيع مع اليهود؛ إلغاء فريضة الجهاد

من منكرات التطبيع مع اليهود؛ ولاية الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين

من منكرات التطبيع مع اليهود؛ التنازل عن أرض إسلامية

من منكرات التطبيع مع اليهود؛ التحاكم إلى الطاغوت

التعليقات غير متاحة