56 – مفهوم 7: كيف انحرفت الأمة عن مفهوم الحكم بالشرع؟
غفل المسلمون عن قول الله تعالى: (ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3]، وعن القاعدة التوحيدية العظمى: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فصرفوا عبادة الطاعة والاتباع، أو جزءًا منها، إلى الحكام والولاة، وعلماء المذاهب المتعصبين، ومشايخ الطرق الصوفية، إضافة إلى المنافقين الذين تهيَّأ لهم الجو بما كان يسيطر على الأمة من جهل وسذاجة. ويمكننا أن نذكر أربعة أسباب رئيسة للانحراف عن الحكم بالشرع؛ هي:
1 – الجمود وغلق باب الاجتهاد الفقهي -منذ القرن الرابع الهجري- مما أدَّى إلى الحيرة في الحكم على النوازل الجديدة.
2 – المفهوم الخاطئ للعبادة الذي يحصرها في الشعائر التعبدية -من صلاة، وصيام، وحج، …إلخ- دون عبادة الطاعة والاتباع لكل ما أنزل الله، فانعزل الشرع في ذهن جل المسلمين عن شؤون الحياة الأخرى، ونشأ الفصام النكد بين الدين والحياة، والدين والدولة.
3 – الاستعمار الغربي الذي روَّج للحكم بنظمه التي يزعم تقدمها وأنها سبب رقيه الحضاري المزعوم، واستخلف على الشعوب الإسلامية حكومات تنقاد لنظمه.
4 – أزلام الاستعمار الغربي من العلمانيين الذين ساعدوا أسيادهم بالترويج لفكرة: «فصل الدين عن الدولة»، وأن العبادة ينبغي أن تُحصر في المساجد ولا علاقة لها بتنظيم حياة الناس وشؤونهم.
وقد تقاسمت ثلاث دول رئيسة العالم الإسلامي في الفترة من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الهجري الموافق للقرن السادس عشر إلى الثامن عشر الميلادي:
الدولة الصفوية في فارس – الدولة المغولية في الهند – الدولة العثمانية في حوض البحر المتوسط
– فأما الدولة الصفوية فانتسابها إلى الإسلام اسمي وصوري؛ فهي دولة رافضية اثنا عشرية تجري على آراء وأهواء رجال الشيعة المتعصبين، وكل همها محاربة الدولة العثمانية السنية.
– وأما الدولة المغولية فقد تأسست وقت ضعف الأمة الإسلامية آواخر العصر العباسي الذي امتلأ بالمفاهيم الضالة والمذاهب الفكرية المنحرفة، فلم يعتنق المغول الإسلام الصافي بل دخلوا فيه على الصورة المنحرفة لأبنائه وقتئذ، فسهَّل هذا الجهل بالإسلام وقلة عدد المسلمين في الهند بالنسبة إلى الهندوس إلغاء الاستعمار الإنجليزي للحكم بالشريعة الإسلامية دون وجود معارضة تذكر.
– وأما الدولة العثمانية فرغم جهودها المحمودة في نشر الإسلام السني على وجه العموم -مع وجود بعض بدع الصوفية- إضافة إلى جهدها في مقاومة الغرب البيزنطي والشرق المغولي التتري إلا أنها لم تتمكن من الإزالة الكاملة للانحراف والتخلف الذي ورثته عن أسلافها، كما أن تعصبها للمذهب الحنفي أدَّى إلى معارضة فتح باب الاجتهاد الذي كان مغلقًا منذ القرن الرابع الهجري، مما أدَّى إلى قصور الاستنباط الفقهي عن مجاراة الوقائع الحديثة، فاستوردت القوانين الأجنبية، ودخل الحكم بغير الشرع تدريجيًّا إلى الدولة بحسن نية ودون الانتباه إلى خطره، إلى أن وصل الحال إلى تمكن العلمانيين المنادين بفكرة فصل الدين عن الدولة من الحكم في جل بلاد المسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، وبمساندة القوى الاستعمارية الغربية، فوقعت الأمة بأغلبها في تيه الحكم بغير ما أنزل الله وضلاله.
ولذا يمكننا القول: إن انحراف المسلمين بجهلهم بحقيقة دينهم وسنة الله في الحياة، وعجزهم عن مسايرة الأحداث كان المنفذ الرئيس لتسرب العلمانية إلى بلاد المسلمين والحكم فيها بغير ما أنزل الله.
المصدر:كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم