280 – مفهوم 33: اليهودية
اسم اليهود مشتق من (الهود) وهو لغة: الرجوع والعودة، ويراد به: العودة إلى الله تعالى، ومنه قوله عزّ وجلّ: (إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَ) [الأعراف:156].
واليهود أتباع نبي الله موسى عليه السلام في زمنه هم مسلمون موحدون مثل سائر أتباع الأنبياء على مر العصور، أمَّا اليهود بعد بعثة عيسى عليه السلام ومن بعده محمد صلى الله عليه وسلم الذين لم يؤمنوا بأي منهما فهم كفار وإن اختصوا بأحكام معاملة أهل الكتاب.
واليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في المدينة المنورة ولم يؤمن منهم به صلى الله عليه وسلم إلا القليل، وبقي الآخرون على اتباع التوراة المحرفة والأحبار المحرفين لها والكاتمين لحقيقة محمد صلى الله عليه وسلم، مع معرفتهم له تمام المعرفة كما قال تعالى: (ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ) [البقرة:146]، وكان المنافقون بطانة لهم يأوون إليهم ويتولونهم. وبعد غدر اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين أجلى النبي صلى الله عليه وسلممنهم بني النضير وبني قينقاع، وقاتل بني قريظة حتى نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم وسبا نساءهم نتيجة غدرهم، فذهب من أُجلوا من اليهود إلى خيبر وظلوا بها إلى أن أجلاهم منها إلى الشام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد حاربتهم أوروبا النصرانية ولم يجدوا ملجأً إلا في ديار المسلمين الذين عاملوهم معاملة أهل الكتاب بالعدل والإنصاف بصفتهم أهل ذمة.
واليهود بوجه عام أهل إفساد في الأرض وعصيان للرب؛ كما قال تعالى: (كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [المائدة:64]، وقد آذى كثير منهم نبي الله موسى عليه السلام في زمنه وخالفوه؛ كما قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا) [الأحزاب:69]، ومن بعد موسى عليه السلام ظلوا مفسدين في الأرض، وقتلوا أنبياء الله زكريا ويحيى -عليهما السلام-، وسلَّط الله عليهم الذل في تاريخهم كله حتى شاء بحكمته عزّ وجلّ أن يتمكنوا في العقود الأخيرة من احتلال فلسطين وبيت المقدس، وجمعهم الله عزّ وجلّ من الشتات في الأرض ليقضي فيهم قضاءه الأخير بمحقهم والخلاص منهم آخر الزمان على يد الطائفة المنصورة من المسلمين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا هو المقصود لقول الله تعالى في آخر سورة الإسراء: (وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱسۡكُنُواْ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا) [الأسراء:104].
ومن فرق اليهود فرقة تسمى العيسوية نسبة إلى أبي عيسى الأصفهاني الذي ظهر في بلاد فارس في القرن الثاني الهجري، وقد ادَّعوا له آيات ومعجزات، وتبعه كثير من اليهود. ومما ذهبوا إليه أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام إنما بعثا إلى قومهما فقط ولم يبعثا بنسخ شريعة موسى عليه السلام ، وتلك دعوى تُنقض بسهولة؛ إذ يلزمهم الإيمان بصدق من أقروا برسالته، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء فيها قول الله تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ) [سبأ:28]، وقوله: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ) [الأنبياء:107]، وقد تواتر نبأ دعوته لكسرى وقيصر وسائر ملوك العجم، فدعواهم تلك محالة ومتناقضة.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445