233 – مفهوم 3: الوشيجة والرابطة في الجاهلية وفي الإسلام
تختلف نظرة الإسلام إلى الوشائج والروابط عن نظرات الجاهلية المتفرقة؛ حيث تجعل الجاهليات الرابطة: حينًا هي الدم والنسب، وحينًا آخر هي الأرض والوطن، وثالثًا هي القوم والعشيرة، ورابعًا هي العرق والجنس واللغة، وخامسًا هي الحرفة والطبقة، وسادسًا هي المصالح المشتركة أو التاريخ المشترك أو المصير المشترك؛ …إلخ. وكل هذه الروابط تصورات جاهلية؛ سواء تفرَّقت أو اجتمع بعضها إلى بعض.
أمَّا الإسلام فيجعل رابطة الدين والعقيدة فوق كل هذه الروابط والوشائج، وعلى أساسها يكون الولاء والبراء؛ قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ) [الحجرات:13]، وقال عزّ وجلّ: (لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) [المجادلة:22]، وقال عن إبراهيم عليه السلام: (وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُ) [التوبة:114].
وعندما أراد الله عزّ وجلّ تعريف المسلمين أمتهم التي تجمعهم على مر العصور ذكر الرسل وأتباعهم على اختلاف الأزمنة، ثم قال: (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ) [الأنبياء:92]، ولم يقل للعرب: «إن أمتكم هي الأمة العربية» -كما ينادي القوميون- ولا للفرس أو الروم أو اليهود: إن أمتكم هي الفارسية أو الرومية أو اليهودية؛ فأمة المسلمين في ميزان الله تعالى تشمل أتباع الرسل على مر العصور، ومن شاء لنفسه طريقًا آخر فليسلكه ولكن لا يقل: إني من المسلمين.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445