أمة تؤثر في حاضر العالم وأحداثه، حولها فقاعة خادعة، وبداخلها صفات لا بد أن نعلمها؛ إذ هي عدو يقود العالم ضد المسلمين..
يشير هذا المقال الى بعض الخطوط التي يجب معرفتها..
الكتابة عن أمريكا ضرورية في هذه الأيام، ليس لأنها دولة كبرى يحسب لها ألف حساب، بل لأنها تحولت إلى دولة نهّابة، وحوّلت العالم إلى بؤر من النزاعات والمشاكل.. دولة تريد استعمار الزمن أي استعمار المستقبل كما يصفها الكاتب المكسيكي (اوكتافيو باز) لأنها أمة ليست قائمة على التاريخ كما هو حال الأمم الأخرى، أي ليس لها ماض تعتز به.
وبعض الناس في بلادنا يرون أن كثرة الحديث عن أمريكا هو من باب (نظرية المؤامرة) أو هو كلام عاطفي حماسي؛ ولكن الواقع يفرض نفسه وهو غير ما يعترضون، فهيمنة أمريكا وحبها للسيطرة أصبح واضحاً.
شيء من أصول العقل الأمريكي
البقاء للأقوى
تُشكل مقولة «الصراع والبقاء للأقوى» أحد أعمدة التصور الأمريكي لعلاقة الإنسان بالإنسان، ولكن في حالات مؤقتة يمكن أن يتنازل الأمريكي إلى مبدأ (المصالح المتبادلة).
ومبدأ البقاء للأقوى مأخوذ من نظرية (دارون) البيولوجية، ولكنهم جعلوها دارونية اجتماعية، فالناس الذين يهلكون في الحروب هم الضعفاء وهم عناصر التخلف، والمنتصرون هم الأصلح للتقدم.
ونتيجة لشيوع هذا المبدأ صارت القوة عند الأمريكي جمالاً وزينة، وهو معجب بالأقوياء إلى درجة تعميه عن قيمة العدل والإنسانية وهذا ما يبرر إبادة الهنود الحمر، لأن هذا تنظيف للأرض من الإنسان المتوحش!
ومن المنظّرين لهذا المبدأ في أمريكا: «جون فسك» و«هنري كيسنجر» و«برجنسكي» و«ألفين توفلر»، وهذا الأخير يعد (المعرفة) هي أقوى سلاح لبقاء أمريكا متفوقة.
دور الدين
يلعب الدين في أمريكا دوراً أكبر بكثير مما تتصوره غالبية المراقبين في الخارج والتعاطف الأمريكي مع “إسرائيل” ينطلق من تآلف ديني قائم على «الكتاب المقدس» وإن جرى تغطيته بالحديث عن الديموقراطية المشتركة.
وكل تعلق بآمال تغيير أمريكا موقفها من هذا التعاطف هو سراب وأوهام، لأن “إسرائيل” بالنسبة لهم امتداد (ديني ـ حضاري) يحمل ملامح المشروع الغربي.
بل إن المهاجرين من إنجلترا في القرن السابع عشر شبهوا خروجهم إلى الأرض الجديدة «أمريكا» مثل الخروج الجماعي لبني إسرائيل من مصر، تقول إحدى الجماعات المسيحية العاملة في أمريكا، والتي كان يرأسها الكاهن «جيري فولول»:
لا توجد أمة اضطهدت اليهود إلا وعاقبها الإله، وإن الله سيرسل للتشريد والذبح والأسر كل من يحاول منع تجمع شعب إسرائيل في أرضه.
وحين يكون لأمريكا مطامع سياسية واقتصادية تكون البعثات التبشيرية إحدى أدواتها كما حدث في جنوب السودان، وكما يحدث الآن في إندونيسيا.
ويقول السياسي والدبلوماسي «عادل أرسلان» في مذكراته:
قلت وما زلت أقول:
إن الولايات المتحدة في قوتها المادية كالطفل يلعب بقطعة سلاح ولولا دولاراتها لانبرى لها الكثيرون فأظهروا مساوئ سياستها.
أنا لا أشك في أن روزفلت كان قادراً على حل قضية «دانزيغ» بين ألمانيا وبولونيا وعلى الحيلولة دون الحرب، ولكنه كان خاضعاً لليهود بل حرض على الحرب..
دولة نَهّابة
تحولت أمريكا إلى دولة (نهّابة) ليس عندها معايير أخلاقية وإنسانية. يجسد هذا طائرات الأباتشي والصواريخ العابرة للقارات، وقد كشف الرئيس «نيكسون» صراحة عن أهداف أمريكا بقوله:
“لا نذهب إلى هناك دفاعاً عن الديمقراطية ولا نذهب لمحاربة الديكتاتورية، إننا نذهب وعلينا الذهاب إلى هناك، لأننا لن نسمح بأن تمس مصالحنا الحيوية”.
وليس بلا معنى أن نعلم أن كل وزراء الخارجية الأمريكية بين عامي (1953-1990م) كانوا مرتبطين مباشرة أو مداورة بالشركات النفطية.
يتساءل مؤلف كتاب «ما بعد الإمبراطورية»:
لماذا لم تعد هذه الدولة العظمى متسامحة وعقلانية؟
لماذا أصبحت على هذا القدر من الإصرار على الإضرار بالاستقرار العالمي..؟
هل لأنها بالغة القوة، أو لأنها على العكس من ذلك تشعر بأن العالم يخرج عن سيطرتها..؟
إن أمريكا تخاف من العزلة وأن تجد نفسها وحيدة في عالم لم يعد بحاجة إليها.
هل تتحول أمريكا إلى إمبراطورية؟
رغم حجم الآلة العسكرية الأمريكية، ولكن هناك شك حول الموهبة العسكرية للولايات المتحدة.
يذكر الخبير العسكري البريطاني «ليدل هارت» أن سلوك الجيوش الأمريكية في الحرب العالمية الثانية كان بيروقراطيا، وفي فيتنام لم يكن أداؤها مُرضياً.
أما في حرب الخليج فقد تم الانتصار على الجيش العراقي الذي كان منهَكاً، وكانت خُرافة المقولة التي روج لها الإعلام أنه من أقوى الجيوش في العالم.
ويرى الباحث «تيد» أن من شروط الإمبراطورية معاملة الشعوب المغلوبة بالتساوي مع المواطنين، ولكن هذه المساواة عند أمريكا هي الاضطهاد للجميع..
ويضرب «تيد» مثالاً على القدرة على المساواة بين الشعوب بالإمبراطورية العربية ـ حسب تعبيره ـ التي يفسر توسعها بمبدأ «المغالاة في المساواة» الذي يعتمده الدين الإسلامي، بينما نرى الازدواجية الأنجلو سكسونية موجودة وخاصة في أمريكا ونظرتها إلى الآخر: السود، الهنود، الإسبان.
والزعامة تحتاج إلى درجة عالية من الالتزام الثقافي والإشباع الوطني بينما الثقافة السائدة في أمريكا تتركز حول اللهو والهروبية الاجتماعية.
اقرأ أيضا:
المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. سُنة المدافعة