147 – مفهوم 21: القرآن الكريم نزل منجَّمًا وجمع بترتيب توقيفي
نزل القرآن الكريم مفرَّقًا في نيف وعشرين سنة، وكان صلى الله عليه وسلم (إذا أُنزلت عليه الآية قال لبعض من يكتب: اجعلوا هذه الآية في سورة كذا وكذا) [رواه أبو داود (786)، والترمذي (3086)، وأحمد باختلاف يسير (399)]، وجمعه النبي صلى الله عليه وسلم على الترتيب الموجود عليه حاليًا وليس وفق ترتيب النزول؛ فهو ترتيب توقيفي عرضه الرسول صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام في السنة التي توفي فيها مرتين [ينظر البخاري (3623)، ومسلم (2450)]، وهذا هو الترتيب الذي حفظه الله تعالى عليه كما قال عزّ وجلّ: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ) [الحجر:9] [ينظر: البرهان في علوم القرآن (1/232-239)].
– فأما نزوله مفرَّقًا فكان للتوظيف في الرد على من خالف النبي صلى الله عليه وسلم ممن عاصروا تنزيله، ولتثبيته صلى الله عليه وسلم عند مواجهتهم في الوقائع المتعددة؛ كما قال تعالى: (وَقَال ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا ٣٢لَايَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا) [الفرقان:32-33]، وقال تعالى: (وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا) [الإسراء:106].
– وأمَّا جمعه على ترتيبه الحالي فهو كما قلنا توقيفي وليس باجتهاد أحد من البشر، وبه يتحقق حسن النظم والترتيب الذي يوضحه علم مناسبات القرآن الكريم ومقاصد السور.
وقوله تعالى: (وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ) فيه إشارة إلى أنه كان مجموعًا قبل تفريقه؛ وهو جمعه في اللوح المحفوظ قبل تنزيله، والذي يتفق جمعه الحالي معه في الترتيب؛ فلا وجه إذًا لاعتراض معترض على علم مناسبات القرآن ومقاصد السور، وما ينجم عنه من هدايات متعددة، والقول الفصل أن القرآن الكريم إن كان بعد نزوله قد جُمِع عن تفريق فلقد كان في نزوله مُفرَّقًا عن جمع بنظم محكم، وهو الذي عليه ترتيبه الحالي.
وليحذر المسلمون من الدعوات إلى ترتيبه حسب النزول؛ فهي دعوات باطلة لأمرين:
1 – أن ذلك خلاف صورته التي حفظه الله عليها، والتي يتضح بها إحكام نظمه.
2 – أنه أمر غير ممكن التحقيق؛ لأن الآيات كانت تنزل وفق الأحداث وهي من سورة بعينها، وقبل أن تكتمل السورة تنزل آيات أخرى من سورة أخرى، فأي ترتيب نعتمد؟! وأي سورة نضعها قبل الأخرى وفي كلٍّ منهما آيات سابقة على الثانية؟!
فالخلاصة: أن القرآن الكريم يهدي إلى الحق بنزول الآيات وقت الأحداث والأقدار، كما يهدي إلى الحق بنظمه المحكم المجموع عليه؛ فهو مُفرَّق للهداية حال الأقدار، ومجموع توقيفيًّا للهداية بنظمه المحكم.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445