29 – مفهوم 2: الشرك يكون في أركان العبادة الأساسية
الشرك يكون في الأركان الأساسية للعبادة بمفهومها الشامل:
– التقرب والتوجه والتنسك.
– الطاعة والاتباع والتشريع.
– المحبة والولاء والنصرة.
1 – فمن شرك التقرب والتنسك: ما فعله قوم نوح عليه السلام من عبادة التماثيل التي صُنعت للصالحين منهم بعد وفاتهم؛ قال تعالى عنهم: (وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا) [نوح:23]، وفي صحيح البخاري أن هذه في الأصل «أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابُا [تماثيل]، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلمُ عُبدَتْ» [رواه البخاري (4920)]. وقد ظلت عبادة هذه الأصنام وانتقلت إلى العرب قبل الإسلام، وكان لكل قبيلة صنم من هذه الأصنام يعبدونه من دون الله [ينظر حديث البخاري السابق في أوله] وأضاف إليها عمرو بن لُحي الخزاعي أصنامًا أخرى كاللات والعزى ومناة وهبل.
ولا يزال هذا الشرك قائمًا في عصرنا الحديث؛ فيعبد البوذيون تمثال بوذا ويتقربون إليه، وللهندوس والسيخ آلهة متعددة، والصوفية غارقة في هذا اللون من شرك العبادة للعديد من الأولياء والصالحين والطواف حول قبورهم، والذبح لهم، وغير هؤلاء من الأمم الضالة كثير.
2 – أما شرك الطاعة والاتباع والتشريع فوقعت فيه البشرية من قديم الزمان أيضًا؛ ففي الحديث القدسي: (وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا) [رواه مسلم (2865)].
– ووقع في هذا الشرك أيضًا أهل الكتاب باتباعهم لأحبارهم في التحليل والتحريم؛ كما قال تعالى عنهم: (ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ) [التوبة:31]، وقد تعجَّب عدي بن حاتم رضي الله عنه من الآية -وكان نصرانيًّا قبل إسلامه- وقال: يا رسول الله، إنهم لم يكونوا يعبدونهم! فقال صلى الله عليه وسلم: (أجل، ولكن يحلون لهم ما حرَّم الله فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه؛ فتلك عبادتهم لهم) [رواه الترمذي (3095)، وحسَّنه الألباني في الصحيحة (3293)].
– ووقع فيه العرب أيضًا قبل الإسلام كما ذُكِرَ عنهم في سورة المائدة من اتخاذهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي؛ قال تعالى: (مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ) [المائدة:103]، وكما جادلوا المسلمين في حكم أكل الميتة بقولهم: «ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟!» [رواه النسائي (4449)، وأبو داود (2818)، وصحَّحه الألباني وشعيب الأرناؤوط]؛ وذلك قول الله تعالى: (وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ) [الأنعام:121]؛ حيث أوعزت فارس إلى قريش أن يجادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم في حكم أكل الميتة، فذكرت الآية أن طاعة كفار قريش في ذلك شرك.
– وفي واقعنا المعاصر يقع كثير من الناس في شرك الطاعة والاتباع من خلال التحاكم إلى غير شرع الله عن علم واختيار، وينطبق عليهم قوله تعالى: (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا) [النساء:60].
– والحضارة الغربية تتخذ الهوى البشري إلهًا تعبده من دون الله وتتبعه باسم الحرية، أو حقوق الإنسان، …إلخ.
3 – أما شرك المحبة والولاء والنصرة فهو ما نراه اليوم من حمية الجاهلية لروابط أرضية يعقد على أساسها الحب والولاء والبراء؛ كالحمية للوطن، أو القوم، أو الجنس؛ وقد قال تعالى: (قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا)[الأنعام:14].
المصدر:كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم