198 – مفهوم 11: الرضا بقدر الله الذي قد تكرهه النفس
ما قد تكرهه النفس البشرية إمَّا أن يكون أمرًا شرعيًّا أو قدرًا مقضيًّا، فينبغي على المؤمنين أن يعلموا أن ما أراده الله بهم شرعًا أو قدرًا هو خير لهم من ألا ينزله بهم، وهو لطف بهم وإحسان إليهم؛ فالله سبحانه عليم خبير، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين.
– فمما شرعه الله على المؤمنين وقد يكرهونه أو يكرهه بعضهم: الجهاد في سبيل الله؛ قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:216]، و(عسى) من الله إيجاب؛ فالمقصود أن ما تكرهونه من مشقة الجهاد يوجب الخير لكم؛ حيث: تَغلِبُون، وتغنمون، وتؤجرون، وتُظهرون الحق وتنصرونه، وتخذلون الباطل وحزبه، ومن يُقتَل منكم فهو شهيد. وفي المقابل: فإن ما تحبون من الدعة وترك القتال يوجب لكم الشر في أنكم تُغلَبون، وتُذَلُّون، ويذهب أمركم.
والرضا بالشرع والانقياد له واجب لا يتم الإيمان إلا به ولا خيار فيه للمؤمن؛ قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ) [الأحزاب:36]، أما الكره الجبلِّي مع استسلام القلب وانقياده للأمر فلا يؤاخذ عليه المرء.
– ومما قد يقدِّره الله على المؤمن ويكرهه: الزواج من امرأة يظهر منها تجاهه ما يكرهه؛ قال تعالى في ذلك: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا) [النساء:19]؛ فقال: ﵟفَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗاﵞ ولم يقل: (فعسى أن تكرهوا امرأة)، وهذا تعميم يرشدنا إلى قاعدة عامة تصدق في جميع الأشياء لا النساء خاصة؛ هذه القاعدة هي أن بعض ما يكرهه الإنسان قد يكون فيه خير له، ويعرف العقلاء صدق ذلك من تجارب الحياة. فالقرآن الكريم يأخذ بالنفس البشرية لتؤمن، وتستسلم في أمر الغيب المخبوء بعد أن تبذل ما تستطيع في محيط السعي المكشوف.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445