الإسلام دين عالمي يخاطب الأمم جميعًا فلا يفرق بين أمة وأمة بفارق الجنس أو اللون أو اللغة، فلم تنقض على الهجرة ثلاثة قرون حتى كان في عداد المسلمين ساميون وآريون وحاميون وطورانيون عرب وفرس وترك وهنديون وصينيون وأفريقيون من السود الأثيوبيين.
من خصائص الحضارة الإسلامية: أنها حضارة إنسانية لكل بني آدم لا تختص بعرق أو جنس أو لون.
فهذه الأمة أخرجت للناس، وهي تشهد عليهم يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين وبعثه إلى الناس كافة.
وكل من استظل بظل الحضارة الإسلامية أمن واطمأن أيا كان دينه أو عرقه أو لونه.
وليس في الإسلام طبقات اجتماعية كالهندوس، ولا طبقات انتاجية كالشيوعية، ولا طبقة أرستقراطية وطبقة برجوازية وطبقة كادحة “بروليتاريا” كما في الغرب.
وليس فيه دم أزرق يجري في عروق الملوك والنبلاء، ودم عادي للعبيد وأرقاء الأرض كما يظن ويتوهم الإقطاعيون الغربيون.
وليس في شريعته شعوب متحضرة وشعوب بربرية همجية، كما يظن الرومان.
وليس فيها رجال دين وعلمانيون كما كانت تفعل الكنيسة.
وليس فيها عالم أول حر، وعالم ثالث متأخر، كما يظن الرأسماليون والجاهليون في الغرب.
وليس فيها عرق أبيض راق وعرق أسود أو ملون منحط، كما يزعم العنصريون في أمريكا، ومنهم ترامب الذي قال إن غير البيض هم حثالة البشر!
وليس في الشريعة منطق صوري قديم ومنطق حديث قد يسمى “رمزيا” كما فعل “هيجل” و”ستيوارت” و”برتراند رسل”، بل ربما كان الصواب في القديم والخطأ في الحديث.
وليس فيها شعوب أصلية همجية، وشعوب مهاجرة متقدمة، كما في أمريكا وكندا وأستراليا.
وليس فيها ابن قبيلة أو حمولة أصيلة أو عبد مجهول القبيلة.
وليس فيها بيض بروتستانت “واسب” ولاتين كاثوليك كما في أمريكا.
وليس فيها سلالات حاكمة بموجب الحق الإلهي مثل آل “هابسبورج” في أوروبا، وآل “شو” في الصين.
وليس فيها تنويري مثقف وظلامي جاهل، بل الكفر كله ظلام، وكل من عصى الله جاهل.
وليس فيها أكثرية محقة وأقلية مبطلة.
وليس فيها أقلية حاكمة مستبدة، قبيلة أو أسرة ولا حكم فردي مطلق، ولا فرعونية.
وليس فيها حكومة حكامها رجال الدين “ثيوقراطية” ولا فرد متسلط “أوليغاركية” ولا حكم أقلية “مانوركية”.
وليس فيها مواطن يحمل الجنسية وأجنبي لا يحملها، بل الأجنبي هو الكافر أيا كان بلده، والمسلم يسكن حيثما شاء.
وليس الحق دائما مع صاحب العمل، أو مع الرجل، فقد يكون مع العامل أو المرأة، وإن لم يكن أي منهما عضوا في نقابة أو حركة أو منظمة (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا) [النساء 135].
وليس في الحضارة الإسلامية سلوك حضاري وسلوك غير حضاري كما يفهمه الغرب، فالمتوضئ نظيف ولو سكن في كهف، والكافر نجس ولو سكن في فندق فخم.
وأحط السلوك من كان صاحبه مثل الأنعام بل هم أضل، بأن يشرك بالله، أو يكون ديوثا أو سيء الأخلاق.
الحضارة الإسلامية: حضارة الأمة الواحدة
ولا تعترف الحضارة الإسلامية بأمتين إحداهما إسلامية والأخرى عربية، فهذا مزج بين التوحيد والقومية، ورحم الله الشيخ ابن باز الذي فصل ما في القومية العربية من مفاسد، ومثلها القومية الطورانية أو الكردية أو الطوارقية أو القومية الهندية أو القومية البربرية أو أي قومية في الشرق أو الغرب.
والناس بجهلهم جاملوا أقلية نصرانية ضئيلة فجعلوا الناس أمتين.
وبناء على هذه الجاهلية المنتنة كنا ننشد في طابور الصباح:
بلاد العرب أوطاني، و كان فيه (فلا دين يباعدنا).
ثم إنهم غيروه بنشيد فلسطين للشاعر علي محمود طه وفيه:
لنحمي الكنيسة والمسجدا.
ثم إنهم غيروه بنشيد آخر من شعر الأخطل الصغير “النصراني”:
داع إلى العهد الجديد دعاك
وكان من أبياته:
إنا نقاضي الطعن في أحسابنا بالرأي لا بالصارم الفتاك
أي أن الحل هو في المفاوضات والحوار وليس في السيف والجهاد!
وكان بعض الزعماء المحليين يردد:
ليس الخلاف بيني وبين أخي جمال في عزة العرب وتقدمهم، وإنما هو في الوسيلة!”
ورحم الله الشيخ عبدالرحمن الدوسري الذي كان كثيرا ما يردد مستعظما قول الشاعر القروي:
هبوني عبدا يجعل العرب أمة وطوفوا بجثماني على دين برهم!
أي أن المهم عند القروي هو أن يكون العرب أمة على أي دين كان!
إنسانية الحضارة الإسلامية
ومن إنسانية هذه الحضارة أنها تنصر كل مظلوم، وتستقبل كل من هاجر إليها، ومن ذلك مثلا أن محاكم التفتيش لما حكمت على اليهود بما يعرفه المؤرخون قاطبة، هاجر اليهود من الأندلس إلى الدولة العثمانية، فآووهم في “سلانيك” ولم يريدوا أن يغرقوا أحدا منهم.
ولذلك جعلها ربها الأعلى بإيمانها، وجعلها خير أمة أخرجت للناس وجعلها الشهيدة على الناس يوم القيامة وكل ذلك ينافي قول الكافرين وبعض مقلديهم: إنها أمة متخلفة متأخرة، وإن الحياة الإنسانية إنما هي في اتباع الغرب، نعم الغربيون أقوى من المسلمين – حاليا – عسكريا وأكثر منهم صناعة، ولكن كثيرا من المسلمين لا يأخذون بأسباب القوة، وإنما يأخذون من الغرب دياثته وانحطاطه.
ونحن بنفس المقدار الذي نرفض عنصرية العرق الأبيض نرفض أيضا عنصرية العرق الأسود، كما نادى به أليجيا محمد في أمريكا زعيم ما سمي أمة الإسلام، فالأشرار والأخيار في كل عرق، كما يقال إن السناتور الأمريكي “ديوك” ضد كل ما هو يهودي، والعدل هو التفريق بين اليهود والنصارى وبين المشركين، فليسوا كلهم سواء لا هؤلاء ولا هؤلاء.
المصدر
كتاب: “المسلمون والحضارة الغربية” للشيخ سفر الحوالي ص 165 – 168.
اقرأ أيضا
من خصائص الحضارة الإسلامية: أنها تقوم على الحجة والبرهان
من خصائص الحضارة الإسلامية: أنها حضارة توحيدية