476 – مفهوم 24: التأويل في القرآن الكريم
ورد لفظ «التأويل» في القرآن الكريم مرتبطًا بثلاثة أمور: آيات الكتاب، والرؤى، والأفعال، وهو في جميعها متوافق مع المعنى اللغوي:
– فعن تأويل آيات الكتاب جاء قول الله تعالى: (هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ) [ الأعراف:53]؛ فتأويله أي: تحقق ما فيه من وعد ووعيد يوم القيامة. وهذا التحقق والوقوع يوم القيامة هو -على الأرجح- المقصود بتأويل المتشابه الوارد في قوله تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ) [آل عمران:7]؛ حيث يريد الذين في قلوبهم زيغ فهم المتشابه من الآيات وفق ما يفهمونه في الدنيا، وتحقيقه على هذا الفهم؛ وذلك كما فهم أبو جهل من عدد خزنة جهنم التسعة عشر أنهم مثل البشر فيمكن هزيمتهم بعدد أكثر منهم، وأراد بذلك تضليل الناس وإزالة خوفهم من دخول النار. والحقيقة والواقع أنه: مَا (وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ)، فلا سبيل للبشر إلى العلم بحقيقته وعاقبته إلا بعد حصوله يوم القيامة.
– وأما تأويل الرؤى فقد ورد الحديث عنه في سورة يوسف في عدة مواضع كلها بمعنى تحقق الرؤيا في الواقع؛ منها قول يوسف لأبيه –عليهما السلام- (يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗا) [يوسف:100]؛ أي: هذا تفسير رؤياي وتحقيقها في الواقع.
– وأما تأويل الأفعال فمنه قول الخضر لموسى عليه السلام في آخر قصته معه: (ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا) [الكهف: 82]؛ أي: هذا هو حقيقة ما قمتُ به من أفعال وأمور أنكرتَها أنت وتعجَّبتَ منها، ولم تصبر لمعرفة حقيقتها، ومن ذلك أيضًا: قول السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)؛ يتأول القرآن» [رواه البخاري (4684)، ومسلم (484)]؛ فقولها: «يتأول القرآن» أي: يحقق ما أمره الله به في كتابه من قوله تعالى: (فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُ) [النصر:3].
– ويطلق لفظ «التأويل» أيضًا على التفسير؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (اللهم فقِّه في الدين وعلِّمه التأويل) [أخرجه أحمد في المسند (2397)، وقال الأرناؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم]، وكما يقول ابن جرير الطبري في تفسيره قبل كل آية: «القول في تأويل قول الله تعالى…» يقصد بذلك تفسير الآية، وهو يرجع أيضًا إلى المعنى اللغوي؛ حيث تفسير الشيء يوضح حقيقته.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445

