85 – مفهوم 25: اسما الله: «القاهر» و«القهار»، وآثار الإيمان بهما
أصل القهر في اللغة: الترويض والتذليل؛ يقال: «قهر فلان الناقة» إذا راضها وذللها.
وهو في حق الله تعالى بمعنى: المذلل لخلقه، المستعبد لهم، العالي عليهم. [ينظر تفسير الطبري (7/103)]؛ فالله سبحانه هو الذي خضعت له الرقاب، وذلَّت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمته وكبريائه.
وقد ورد اسم الله (القاهر) في القرآن الكريم مرتين؛ منهما قول الله تعالى: (وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ) [الأنعام:18]، ويلاحظ مجيء كلمتا: (فَوۡقَ عِبَادِهِۦ) بعد اسم الله (ٱلۡقَاهِرُ) في هذه الآية، وكذلك في الآية الأخرى؛ وما ذاك إلا لأن القهر يكون من الأعلى للأدنى، فهو يقتضي العلو والرفعة. كما يفيد قوله تعالى بعدها: (وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ) السكينة والاطمئنان للعبد المؤمن بعد الخوف والوجل من الله عزّ وجلّ؛ لأنه يدل على جريان أمر الله تعالى على مقتضى الحكمة والخبرة وما فيهما من خير وسداد، فتطمئن النفوس بعد الخوف، وتسكن عن القلق والاضطراب.
كما ورد اسم الله (القهار) في القرآن الكريم ست مرات؛ منها قول الله تعالى: (قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ) [الرعد:16]، وقد اقترن اسمه (القهار) في المواضع الستة باسمه (الواحد)؛ وذلك لأن القهار صيغة مبالغة من (القاهر) فلا يكون إلا واحدًا لا كفء له، وإلا لم يكن قهارًا. ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين الجليلين:
1 – إفراد الله عزّ وجلّ بالعبادة والقصد؛ فلا يصرف شيء منهما لأحد من المخلوقين المربوبين المقهورين؛ كما قال تعالى: (ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ) [يوسف:39].
2 – الاستكانة لله عزّ وجلّ، والخضوع لحكمه وإرادته الشرعية والكونية، والبعد عن التكبر على العباد كي لا يندرج تحت وصف الجبابرة الذين يقهرهم الله بعزته وقوته.
3 – التعلق بالله وحده، والتوكل عليه، وقطع العلائق بالأسباب المقهورة بعد بذلها تحقيقًا لسنة بذل الأسباب، وربطًا للمسببات بأسبابها دون الاعتماد عليها والتعلق بها.
4 – تعظيم الله سبحانه والوجل منه وحده، وعدم الخوف من المخلوقين مهما عظموا وتجبروا؛ فهم في نهاية الأمر مغلوبون مقهورون من الله الواحد القهار.
5 – الإيمان بالعزة والقوة لله وحده؛ حيث يتضمنهما اسم الله (القهار).
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445