بمناسبة هوشة وتحريض ووشايات حزب النور في مصر بما يقال أنه تسريبات لدروس قديمة قبل 2012 للشيخ سمير مصطفى فرّج الله عنه وعن إخوانه، والتي نفى عدد من التقنيين في الصوتيات والذكاء الاصطناعي ما ورد في موضعين منها من تكفير عام لم يسلم منه حتى لاعبو كرة القدم، وأنه غير صحيح النسبة إليه ومخدوم بتقنيات الIA.

الانزياح الخطير: حين يصبح الإنكار على التكفير أشد من الإنكار على الكفر نفسه

من تلبيس الجاهلية الحديثة الحق بالباطل، ومن فخاخها العقدية التي تروّجها مؤسساتها الإعلامية والأكاديمية والسياسية ووقع في شراكها أكثر الناس ومن بينهم كثير من أهل الفقه والعلم والدعاة والمربّين؛ هو شدّة الإنكار على (التكفير) والنبش في المقولات والكتب والتصريحات والمنشورات والفتاوى عن أدنى ملمح، ليطير به هؤلاء كل مطار، ولتنتشر الاتهامات بالغلو والتطرف وضرورة المحاكمة والحجر على التكفيريين ومحاصرة الخطاب التكفيري، ولتعقد الملتقيات والمؤتمرات وتنشط عشرات البلاطوهات على الفضائيات.. الخ الخ مما لا يجهله متابع.

الصمت المطبق: تجاهل ظاهرة الكفر وآثارها المهلكة على الأمة

وفي المقابل؛ هناك صمت مطبق وسكون يشبه سكون المقابر ليلا بحيث لا تسمع إلا حفيف الشجر وتصفير الصراصير، وتجاهل كامل لظاهرة (الكُفر) وتمثلاته وآثاره وخطورته ومآلاته المهلكة المدمّرة على الأمة والملة في الدنيا والآخرة، والتماس للأعذار وسعي حثيث للبحث في الشروط والموانع والاكراه والجهل وعدم بلوغ الحجة والظروف الدولية وضرورات الاقتصاد العالمي والاتفاقيات الأممية والضعف أمام الدول العظمى.. الخ الخ مما لا يجهله متابع أيضا.

وهذا والله مما يزيد (التكفير) انتشارا، ومما يفتح الباب لأهل الجهل والغلو حقيقة أن يتكلموا فيه حين سكت أهل العلم والفقه والتربية عن (الكفر) ومظاهره.

الكفر موجود ولن ينقطع.

ومن لازم ذلك تكفير الكافر بحق.

التكفير الشرعي في زمن الفتنة: ضرورة التمييز بين الحق والباطل

وهنا لا أتحدث عن شهوة التكفير، ولا عن التدقيق والهوس المنهي عنه في امتحان الناس في كل صغيرة من أفعالهم وأقوالهم، ومحاكمتهم على الخواطر والنيّات، وإنما أتحدث عن التكفير الشرعي الذي إذا غاب اختلط على الناس أمرهم واشتبه المؤمن بالكافر ولم يُعرف إيمان من كفر ولا إسلام من شرك ولا حق من باطل ولا ولاء من براء!

البلاغ المبين: وظيفة العلماء المفقودة في زمن التلبيس

فمن كان صادقا مخلصا في التحذير من فتنة التكفير بالباطل، فليكن فحلا مغوارا وليشنّ الغارة على الكفر البواح.. وليس من لازم ذلك ولا شرطه تحريض ولا سفك دماء ولا إعلان حرب، فتلك مسائل تابعة منوطة بأحكام القدرة والإمكان والمصلحة والمفسدة وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن المقصود هو القيام بوظيفة (البلاغ المبين) وتبليغ أحكام الشريعة المجرّدة حتى لا تندرس وتصبح نسيا منسيّا.

كيف يتم توظيف خطاب مكافحة التكفير لخدمة المشاريع السياسية

أما غير ذلك فهو انسياق وراء نسق ومشروع سلطوي، وخدمة له، قبل أن يكون مطلبا شرعيا ينصر الحق، لأن الحق لا يُنصر إلا إذا كُسر الباطل قولا وفعلا، وإلا فإن بيان حقيقة الكفر ومظاهره وتمثلاته الواقعية ومحاربة الشرك أولى وأحرى وأجدر من محاربة بعض نتائجه ومخرجاته التي منها التكفير بغير حق.

الخوارج والسياق التاريخي: دروس من مواقف الصحابة والتابعين

وحين وقف الصحابة والتابعون فمن بعدهم في وجه الخوارج بالحجة والسنان فإنهم فعلوا ذلك في سياق تمكين وسيادة وإدراك تامّ لخطورة هذا الانحراف، وفي المقابل أنكروا الهرقلية والكسروية والانحرافات عن الشريعة التي كانت من أسباب فتنة الخوارج، وقاتلوا أهل الردة قبل ذلك وحكموا بردّتهم، في سياق تاريخي يعرفه الدارسون والقرّاء.

فإذا سكت من يعلم ويفقه، نطق الجهّال والمتنطّعون.

وإذا جبنوا أو عجزوا عن التحذير من الكفر البواح فلن يسمع منهم أحد كلامهم في التحذير من التكفير.

خطاب التكفير الحق والباطل انحسر ويكاد ينقرض من الفضاء العام الاجتماعي والديني، أما الكفر؛ فتذكّرتُ حكاية رجل سأل آخر عن مكان (دار الشْرَع) فأجابه: أما الدار فهي هناك عند مفترق الطرق، وأما الشرع فابحث عنه في مكان آخر.

والله المستعان.

المصدر

صفحة الشيخ أبو إسلام منير، على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

سلفية دعاة التجهم والإرجاء

دعاة لبسوا ثوب السلفية زورا وبهتانا

الرد على برهامي وشيعته

من يتبع الولاة؛ فهو وسخ

التعليقات غير متاحة