ليس العلم حفظ الأقوال، بل حفظ وفهم، وقرار في القلوب، تتبعه أعمال، ويفرض مواقف، وله تكاليفه، فيثبت من ينير الله به الطريق .. ويسقط من سقط من عين الله وجعلهم الله تعالى فتنة لمن أراد من خلقه.. وهذا المقال بيان لقيمة العالِم ومواقفه، وأمثلة كريمة لمن ثبت فكان إماما.
ميثاق الله على أهل العلم
تردَّى حالُ كثيرٍ من العلماء في هذا الوقت حتى إنَّ كثيرًا منهم صار يغيِّر فتواه تبعًا لتغيُّر مواقف الأمراء والحكَّام، وبصورةٍ مزرية؛ حتَّى اهتزَّت معها مكانة العلماء الذين هم أمل الأمَّة وسفينة نجاتها.
وقد أخذ الله عليهم الميثاق ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ (آل عمران:187). كما توعَّدهم على كتمان الحقِّ فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (البقرة:159).
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال «ألا لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ الناس أن يقول بحقٍّ إذا علِمَه..»(1) فبكى أبوسعيد وقال: «قد واللهِ رأينا أشياءَ فهِبنا».(2)
لا تتغير الفتوى بتغير الأهواء..!
وليس تغيُّر الفتوى هنا بسبب تغيُّر الاجتهاد؛ وإنَّما بسبب تغيُّر أهواء الحكَّام ـ مع الأسف الشديد ـ فصار دور العلماء أو كثيرٌ منهم ـ في حقيقته ـ هو تطويع النَّاس لعبادة الأصنام البشريَّة من الحكَّام، ولقبول شرك الطاعة الذي حذَّر منه القرآن أيَّما تحذير، فقال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التوبة :31).
وقد أخرج الترمذي من حديث عدي بن حاتم، رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، قال بعد أن قرأ هذه الآية: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه».(3)
متى تتحقق عبادة البشر واتخاذهم أصناما
وفي الآية والحديث من الفوائد: بيان معنى العبادة، وأنَّ من أطاع بشرًا في التحليل والتحريم مما يُخالف شرعَ الله فقد عبدَه من دون الله واتَّـَخـذه ربًّا وإلهًا.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:121).
قال السيوطي في تفسيرها:
﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ بأن مات، أو ذُبح على اسم غيره، وإلَّا فما ذبحه المسلم ولم يُسَمِّ فيه عمدًا أو نسيانًا فهو حلال. قاله ابن عبَّاس وعليه الشَّافعي.
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: الأكل منه ﴿لَفِسْقٌ﴾ خروجٌ عما يحلُّ ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ﴾ يوسوسون ﴿إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ الكفَّار ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ في تحليل الميتة ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ فيه ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾.اهـ(4)
وروى أبو داود والطبراني في الكبير من حديث ابن عبَّاس قَالَ: «جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالُوا: نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا وَلَا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ الله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.اهـ.
تبديل حكم الله شرك أكبر
وفي الآية والأثر دليلٌ على أنَّ تبديلَ حكمٍ من أحكام الله كتحليل الميتة؛ شِركٌ أكبر.
والآيات في هذا المعنى كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى:21). وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ (الأنعام /137). وقوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (يوسف:40). وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ (الكهف:26).
ولا شكَّ أنَّ هناك من العلماء من هم قائمون بأمر الله، آمرون بالمعرف ناهون عن المنكر، وهؤلاء تجدهم قابعين في سجون الظلمة أو مطارَدين منفيُّين، أو مقتولين شهداء. والأغلبيَّة ساكتون..
لكنَّ اللَّوم كلَّ اللَّوم على الذين يُغيِّرون حقائق الدِّين تبعًا لأهواء الحكَّام ونزواتهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولـمَّـا كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء أو المحن ما يتعرَّض به المرء للفتنة؛ صار الناس مَن يتعلَّل بترك ما أوجب الله عليه من ذلك بأن يطلب السلامة من الفتنة؛ كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ (التوبة/49)..
وأقوامٌ ينكِلون عن الأمر والنهي والقتال الذي يكون به الدِّين كلُّه لله، وتكون كلمة هي العليا؛ لئلَّا يُفتَنوا، وهم قد سقطوا في فتنة».اهـ(6)
وقال ابن القيِّم:
“وأيُّ دِينٍ وَأَيُّ خيرٍ فيمَن يرى محارمَ الله تُنتَهَك وحدودَه تُضَاع ودينَه يُتْرَك، وسنَّة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يُرْغَب عنها؛ وهو باردُ القلبِ ساكتُ اللِّسان، شيطانٌ أخرس كما أنَّ المتكلِّم بالباطل شيطانٌ ناطقٌ.
وهل بليَّةُ الدِّين إلَّا مِن هؤلاء الَّذين إذا سَلِمَت لهم مآكلُهم ورياساتُهم فلا مبالاة بما جرى على الدِّين، وخيارُهم المتحزِّن المتلمِّظ..
ولو نُوزِعَ في بعض ما فيه غضاضة ٌعليه في جاهِه أو مالِه بَذَل وتَبذَّل وجدَّ واجتهد واستعمل مراتبَ الإنكار الثلاثة”(7)
[للمزيد: القنديل والمنديل، وما يجري على الدين من تبديل .. قناديل من علماء السلف]
نماذج منيرة للأئمة عبر القرون
ولتثبيت العلماء وشحذ هممهم نذْكر بعض النماذج لعلمائنا الأوائل:
أبو حنيفة النعمان
رفَضَ الأُعطيات التي كان يعرضها عليه أبو جعفر المنصور..
وقال لرسول الخليفة: «ما وصلني أميرُ المؤمنين في ماله بشيءٍ فرددتُه، ولو وصلني بذلك لقبِلتُه إنَّما أوصلني أميرُ المؤمنين من بيت مال المسلمين ولا حقَّ لي في بيت مالهم، إنِّي لستُ ممن يقاتل من ورائهم، فآخذ ما يأخذه المقاتل، ولستُ من ولدانهم فآخذ ما يأخذه الولدان، ولستُ من فقرائهم فآخذ ما يأخذه الفقراء».
ورفض رئاسة القضاء، وعُذِّب من أجل ذلك، فكان ردُّه على المنصور: «…إنَّ هذا دعاني للقضاء فأعلمتُه أني لا أصلح، ولا يصلح للقضاء إلا رجلٌ يكون له نفسٌ يحكم بـها عليك، وعلى ولدك وقوَّادك، وليس تلك النفس لي، إنَّك لتدعوني فما ترجِع نفسي حتى أفارقـك».(8)
مالك بن أنس
بدأت محنةُ الإمام مالك في درسٍ من دروسه التي كان يقرِّرها في المسجد النبوي بالمدينة، وذلك عندما شرح حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم: “ليس على مستكرهٍ طلاق” ووجد المناوئون لحكم أبي جعفر المنصور في هذا الحديث مستنداً قويًّا على التحلُّل من بيعته لأنَّـها جاءت عن طريق الإكراه، إذ قاسوا البيعة على الطلاق، فقالوا: “وليس على مستكرهٍ بيعة”.
ووجد المنصور وولاته خطراً عليهم في نشر هذا الحديث، فحاولوا منع الإمام مالك من التحدُّث به، فما استجاب لهم رغم تعرُّضه للضرب والإهانة وأبى كتم العلم.(9)
سفيان الثوري
عن سفيان الثوري قال: دخلتُ على أبي جعفر بمنى، فقال لي: ارفع حاجتك.
فقلت له: اتَّق الله! فإنَّك قد ملأتَ الأرضَ جوراً وظلمًا، قال: فطأطأ رأسه، ثمَّ رفع، وقال: ارفع لنا حاجتك. فقلت: إنَّما أُنزلتَ هذه المنـزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعًا، فاتَّق الله وأوصِل إليهم حقوقَهم.
قال: فطأطأ رأسه ثمَّ رفع وقال: ارفع إلينا حاجتك.
قلت: حجَّ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعةَ عشر درهماً، وأرى هاهنا أموراً لا تطيق الجمال حملَها.
أحمد بن حنبل
أصدر الخليفة المأمون أمرَه لواليه على بغداد ـ إسحاق بن إبراهيم ـ بضرب عُنُق كلِّ مَن يخالف اعتقاده بخلق القرآن الكريم، وأخذ العلماء بالرُّخَص إلا أربعة منهم: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، وعبيد الله القواريري، وسجادة..
فأُدْخِلوا السجن مصفَّدين بالأغلال، وفي اليوم التالي جيء بـهم إلى حاكم بغداد لإعادة السؤال عليهم…
فأجاب سجادة بما ينجيه ولحقَ القواريري بصاحبه، فأطلق سراحهما، وبقي ابن حنبل وابن نوح.
أما ابن نوح فمات سجيناً في “عانة” ـ وهي بلدة عراقية ـ وأما الإمام أحمد فنقلوه من سجن لآخر حتى انتهى المطاف به في سجن الياسرية ببغداد، ثمَّ نقلوه إلى حبس العامة في درب الموصلية.
وفي هذا السجن طرح ثمانية وعشرين شهراً، وجلد أكثر من ألفِ سوط، وسالت دماؤه وأشرف على الموت دون أن ينتزع منه الطغاة أيَّ اعتراف ببدعتهم..
ومن أقواله المأثورة: «ياعمِّ [عمّه إسحاق بن حنبل] إذا أجاب العالم تقيةً والجاهل يجهل، متى يتبيَّن الحق؟».
ولما دخل عليه يحيى بن معين يعوده في مرضه، لم يردَّ عليه السلام، فمازال ابن معين يعتذر بقوله الله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾، وبحديث عمَّار، فقلبَ أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: لا يقبل عـذرًا.
فلما خرج يحيى قال أحمد: يحتجُّ بحديث عمار، وحديث عمَّار: مررتُ بـهم وهم يسبُّونك فنهيتهم فضربوني، وأنتم قيل لكم: نريد أن نضربَكم، فقال يحيى: واللهِ ما رأيتُ تحتَ أديم السماء أفقهَ في دين الله منـك.(10)
[اقرأ أيضا: شهداء الكلمة]
البخاري
طلب خالد بن أحمد الذهلي ـ أمير خراسان ـ من الإمام البخاري أن يحضر إليه من بلده بخارى ليسمع أولاده منه [أي: ليعلِّمهم. وهذا ما يتمنَّاه ويسعى إليه كثير من العلماء في هذا العصر وغيره]، فأبى أن يذهب، وقال لرسول الأمير: «في بيتي يُؤتَى العلم».
وكان ذلك سببًا في حقد الأمير عليه، وفي نفيه من بلده بخارى إلى بلدة [خرتنك] على بعد فرسخَين من سمرقند.
وعندما توفَّاه الله في هذا المنفى عمَّ بغداد الاستياء، وطالبوا بالثأر للإمام البخاري من أمير خراسان، وكان لهم ما أرادوا فقد انتقم الله من هذا الظالم، ومات في سجن بغداد.(11)
[للمزيد اقرأ: الأمة تفتقدكم .. فأين أنتم يا معشر العلماء]
العزُّ بن عبد السلام
استعان الملك إسماعيل بن العادل بالصليبيين ضدَّ أخيه نجم الدِّين سلطان مصر، وأعطاهم مقابل ذلك «صيدا» [حسب رواية السبكي] وقلعة «صفد» وغيرها [حسب رواية المقريزي]، ثم سمح للصليبيين بدخول دمشق بقصد شراء السلاح وسائر آلات الحرب.
فتوى تحريم بيع السلاح للكفار
وقف سلطان العلماء العزُّ بن عبد السلام بوجهِ هذه الخيانة وأفتى بتحريم بيع السلاح، ثمَّ صعد منبر الجامع الأموي حيث كان خطيبه الرسمي وأعلن فتواه المشهورة بتحريم بيع السلاح للصليبيين ثم قطع من الخطبة الدعاء للسلطان إسماعيل.
وهذا يعني نزع البيعة له ثمَّ راح يدعو الدعاء التالي والناس يضجُّون بالتأمين على دعائه: «اللهم أبرم لهذه الأمَّة إبرام رشدٍ يُعَزُّ فيه أولياؤك، وتُذَلُّ فيه أعداؤك، ويُعْمَل فيه بطاعتك، ويُنهَى فيه عن معصيتك».
كان السلطان الصالح إسماعيل خارج دمشق، وعندما جاءه الخبر أمر بعزل الشيخ ابن عبد السلام من خطبة الجمعة ومن سائر وظائفه، واعتقاله مع صاحبه الشيخ ابن الحاجب المالكي لاشتراكه معه في هذا الإنكار، ثم لما قدِم دمشق أمر بالإفراج عنهما، وفرض الإقامة الجبريَّة على العزِّ بن عبد السلام.
إذا شئنا الحديث عن وظائف العز بن عبد السلام التي عُزِل عنها بلُغَة هذا العصر، فهي: وزارة المعارف، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة الإعلام، أو معظم أقسام هذه الوزارات، وهذا مما لا يطمع به أيّ عالم من علماء السلاطين اليوم، ومع ذلك فهو لم يتردَّد في التخلِّي عنها إرضاء لله ـ سبحانه وتعالى.
مقاومة نصائح التقرب للملوك
يقول تلميذه القرافي أنَّ بعض أرباب الدولة كتب إليه يحضُّه على الاجتماع بملِك وقتهم، والتردُّد إليه ليكون ذلك مقيمًا لجاهه وكابتًا لعدوِّه، فقال: «قرأتُ العلم لأكون سفيرًا بين الله وبين خلقه، وأتردَّد إلى أبواب هؤلاء؟!».
ولما كان التطبيق العملي يبيِّن معادن الرجال، ويكشف ما تُكِنُّه الصدور، فإنَّ ردَّ العز بن السلام على بعض خواص السلطان الذين جاؤوه يعرضون عليه الاعتذار مقابل العودة إلى وظائفه المغرية خير دليل على أنَّه يُتبع القول العمل.
قالوا له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنتَ عليه أن تنكسر للسلطان وتقبِّل يدَه لا غير.
قال: واللهِ ما أرضاه أن يقبِّل يدي فضلًا عن أن أُقَبِّل يده. يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به.
قالوا: يا شيخ قد رُسِمَ لنا أن توافق على ما يطلب منك، وإلَّا اعتقلنـاك.
قال: افعلوا ما بدا لكم، ثمَّ أخذوه معتقلًا في خيمةٍ مجاورةٍ لخيمة السـلطان.
وبعد هزيمة السلطان إسماعيل وحلفائه الصليبيين؛ نجا الشيخ ابن عبد السلام من الأسر، ثمَّ دخل مصر معزَّزاً مكرَّمًا، وتولَّى منصب قاضي القضاة فيها.(12) (13)
…………………………………
الهوامش:
- رواه أحمد والترمذي وصحَّحه ابن حبَّان والألباني.
- صحيح ابن ماجه (3237) والصحيحة (168) .
- الترمذي (3095) وابن جرير (16631- 16633) والبيهقي في السنن الكبرى (10/116) وغيرهما وحسَّنه الألباني في الصحيحة (3293).
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي,.
- أبو داود (2819) والطبراني في الكبير (12295) قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح، لكن ذكر اليهود فيه منكَر، والمحفوظ أنَّهم المشركون.
- الاستقامة ( 2/290).
- إعلام الموقِّعين (2/164).
- انظر تاريخ بغداد: 13/328، والمناقب للمكي: 1/215.
- البداية والنهاية (10/174) و (10/84) ، وكتاب الإسلام بين العلماء والحكام للشيخ عبد العزيز البدري (ص155) .
- البداية والنهاية (12/168) ، وطبقات الشافعية (2/37)، وسير أعلام النبلاء (11/177)، ومجموعة التوحيد (ص 343)، والإسلام بين العلماء والحكام للبدري.
- وفيات الأعيان: 3/329، والبداية والنهاية: 11/24.
- انظر ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين للسيوطي، وطبقات الشافعية للسبكي (5/84) ، والسلوك للمقريزي (1/303)، وفوات الوفيات (1/596)، والإسلام بين العلماء والحكام.
- وانظر كتاب العلماء وأمانة الكلمة للشيخ/ محمَّد سرور زين العابدين رحمه الله.
اقرأ أيضا: