المقال يتحدث عن صورة جمعت بين ماكرون ونتينياهو..

تذكرني هذه الصورة بمأساة التاريخ في بلادنا.. وكيف نشأنا لا نعرف ما حصل في ديارنا ولا كيف فتك العدو بنا، حتى حفرنا ونبشنا بين الكتب لنفهم كيف جرى ما جرى.

كلا هذين العدوين لله أخذ من التاريخ ما يحب، وترك ما لا يحب.. كيف ذلك؟

هل تصدق عزيزي القارئ أن كل المجهود الضخم الذي بذلته الحركة الصهيونية عبر أكثر من مائة عام، منذ حكم محمد علي باشا للشام (1831 – 1840)، وحتى الإعلان عن تأسيس إسرائيل (1948م).. هل تصدق أن كل هذا المجهود، المسنود بالاحتلال الإنجليزي لثلاثين سنة، كانت حصيلته النهائية ضئيلة:

يسيطر اليهود على 6% من الأرض، ونسبتهم من مجموع السكان 31% على أقصى تقدير!!

السؤال البديهي هنا.. إذن كيف جرى ما جرى، وكيف تحولت 6% من الأرض إلى 100%.. وكيف تحول اليهود في هذه الأرض إلى أغلبية؟

هذا ما يتجادل فيه عدوّا الأمة: نتنياهو وماكرون.

يمسك ماكرون في أن إسرائيل إنما قامت بقرار الأمم المتحدة.. نعم، هذا هو قرار التقسيم الذي منحت به الأمم المتحدة لإسرائيل 55% من الأرض، مقابل 45% من الأرض للعرب!

ولكن قرار الأمم المتحدة هو مجرد حبر على ورق، ومن ذا الذي يستطيع أن يحمل سكان 55% من الأرض على ترك قراهم ومدنهم والرحيل عنها؟!

هنا يأتي دور العصابات الصهيونية (التي صارت بعد ذلك جيشا) والتي تضخمت بفعل المجهود البريطاني والإسناد الغربي والأمريكي المغطى بشرعية الأمم المتحدة!

وهذا هو الجزء الذي يتمسك به نتنياهو، في أن إسرائيل لم تنشأ بمجرد الحبر على الورق، بل بالحرب والدم والقتال.

ولكن أين كان أهل فلسطين؟ ولماذا لم يدافعوا عن أنفسهم؟ وأين كان العرب والمسلمون؟

هنا -عزيزي القارئ الكريم- المأساة التي لن يحدثك أحدٌ عنها.. هنا المؤامرة الكبرى التي جرت بين عواصم الغرب، وبين عواصم الدول العربية.. هنا يأتي دور المؤامرة التي جرت في لندن وواشنطن كما جرت في القاهرة وعمان ودمشق وبغداد والرياض..

لقد مُنِع شعب فلسطين من الدفاع عن أنفسهم، وحُرموا من السلاح، وحوصروا أن يتسرب إليهم مال، وحُظِر عليهم أن يقاتلوا بأنفسهم.. وتولت الأنظمة العربية ملف القضية حتى أقصت عنها القيادات الفلسطينية نفسها مثل أمين الحسيني، ومثل عبد القادر الحسيني.

بل تولت الأنظمة العربية تشكيل جيش للمتطوعين لتمتص به وتسيطر من خلاله على الرغبة الشعبية العامة الهادرة في الدفاع عن فلسطين.. فشكلت ما سمي “جيش الإنقاذ”.. ثم نزلت بجيوشها الرسمية لتنقذ فلسطين.

فماذا كانت النتيجة عزيزي القارئ؟

تخيل معي: ماذا فعلت الجيوش العربية، والجيش الذي شكلته من المتطوعين لتحول دون أخذ إسرائيل 55% من الأرض؟!

اندهش معي.. لقد انتهت المعركة باستيلاء إسرائيل على 78% من الأرض!!!!!!

أي أن السياسة العربية أضافت إلى إسرائيل ربع الأرض المحتلة هدية من عندها.. وعلى الهدية دماء مئات آلاف الفلسطينيين والعرب والمسلمين!!!

لعلها أروع هدية تُمنحها دولة في التاريخ المعروف؟!!

حسنا.. فأين بقية الأرض.. أين ربع الأرض المتبقية من فلسطين؟ أين الـ 22% الباقية؟

لا تستعجل عزيزي القارئ.. فالهدية لم تكتمل بعد!!

هذه القطعة الباقية من الأرض، سيطرت عليها مصر والأردن.. سيطرت مصر على قطاع غزة، والأردن على الضفة الغربية.. فماذا كان؟!

الذي كان أن كلا النظامين عمل بأقصى جهده على منع الفلسطينيين والعرب والمسلمين عن المقاومة أو محاولة استرداد الأرض السليبة.. كلا النظامين طارد المقاومين وتعقبهم وعاقبهم وأنزل بهم الموت والتعذيب والسجن والتنكيل، وما شئتَ من إذلال.

لماذا هذا يا نظام مصر ونظام الأردن؟!

يجيب النظامان: قضية فلسطين هي قضيتنا، ونحن لها، ونحن أهلها، وهي قضية عرب لا قضية فلسطين، وقضية جيوش لا قضية عصابات… إلخ!

جميل.. فهل ننتظر منكم تحرير فلسطين؟

والجواب: ثقوا بنا، وقفوا وراءنا، وكونوا معنا، اسمعوا وأطيعوا ولو سلبنا أموالكم وانتهكنا أعراضكم وشربنا دماءكم.. فكله من أجل التحرير ومن أجل العروبة ومن أجل فلسطين.

حتى استيقظنا جميعا على نكبة 1967م التي اكتسحت فيها إسرائيل بقية فلسطين.. واكتسحت فوقها سيناء في مصر والجولان في سوريا!

وبهذا -عزيزي القارئ المندهش- ضاعت كل فلسطين..

دور ياسر عرفات

ولما ضاعت كل فلسطين، خلع الكل أيديهم وقالوا: هذه قضية الفلسطينيين، فليحملوها بأنفسهم..

ثم جاء فحملها ياسر عرفات، بتواطؤ وتفاصيل يطول شرحها، فكانت قصة أخرى انتهت بأن يعترف عرفات بحق إسرائيل في الوجود على 78% من الأرض ويتوسل استرجاع 22%.. مقابل أن يقضي على الانتفاضة والمقاومة!!

هذه هي القصة التي لن يرويها لك إلا القليل.. وبها تعرف هؤلاء الأبطال المجهولين في القصة.. الأبطال أصحاب المجهود الأعظم في ضياع فلسطين:

بداية من محمد علي باشا في مصر، ومرورا بالملك فؤاد والملك فاروق، والنقراشي، وعبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي.. والشريف حسين وابنه فيصل، وابنه الثاني عبد الله الأول ملك الأردن ثم حفيده حسين بن طلال ثم ابنه عبد الله الثاني.. وياسر عرفات ومحمود عباس وغيرهم كثير.

المصدر

صفحة الأستاذ محمد إلهامي على منصة X.

اقرأ أيضا

أجهزة السلطة الفلسطينية: أمن مَن؟

طوفان الأقصى، فواتح التحرير

التطبيع مع الصهاينة مظاهر وأحكام

التعليقات غير متاحة