543 – مفهوم 5: أثر طاعات الجوارح الظاهرة على القلب وأعماله الباطنة
الجوارح هي منافذ القلب وثغوره؛ فمهما استعملت الجوارح في الطاعات كان ذلك تقوية للقلب وسندًا له؛ تمامًا كما تسهم قوة الثغور في قوة عاصمة الدولة وسلطانها:
– فهل يخفى كيف أن الصلاة تورث القلب الرضا والطمأنينة والخشوع والإنابة؟!
– وهل يخفى أثر الصيام على التقوى والإخلاص واليقين؟ قـال تعـالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
– وكذلك لا يخفى ما يورثه الجهاد في سبيل الله من حب للآخرة، وزهد في الدنيا، واستسلام لله، وثبات على الحق.
ويكفي لبيان أثر طاعات الجوارح على أعمال القلوب أن نُفَصِّل القول في آثار طاعة واحدة من الطاعات على القلب؛ وهي طاعة غض البصر عن المحرمات؛ فذلك يورث الآتي:
1 – يجمع القلب على حب الله والأنس به، بينما يتسبب إطلاق البصر في صرف القلب عن الله وتشتته، ويوقع الوحشة بين العبد وربه.
2 – أنه يُكسي القلب نورًا كما أن إطلاقه يورثه الظلمة؛ ولهذا أمر الله أولًا المؤمنين والمؤمنات بغض البصر كما قال تعالى: (قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ) [النور:30]، وقال: (وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ) [النور:31]، ثم ذكر بعد تفصيل ذلك آية النور: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِي زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبٞ دُرِّيّٞ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ) [النور:35] للإشارة إلى أن نور المرء الذي يغض من بصره مستمد من نور الله تعالى وتوفيقه؛ فبهذا النور تحصل الهداية وتمتنع البدع والضلالات.
3 – أن غض البصر يقوِّي القلب ويفرحه، ويورثه الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل، والصادق والكاذب.
4 – أنه يورث القلب ثباتًا وشجاعة وقوة، فيجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة.
5 – أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها بدلًا عن أن يصرفه إطلاق البصر عن كل ذلك ويوقعه في الغفلة.
6 – وأخيرًا، فإن غض البصر يحفظ القلب من سهام إبليس المسمومة الموجهة إليه؛ فالشيطان يدخل بوساوسه إلى القلب مع النظرة المحرمة وينفذ إليه أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي؛ فيمثل له الصورة المنظور إليها ويزينها في خاطره، ويعده ويمنيه، فيلهب قلبه بها، ويشغله بذلك عن الطاعات.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445

