مصطلح الكفر مصطلح شرعي كمصطلح الإيمان، تحريرهما لا بد أن يكون من طريق شرعي لا عقلي محض. وللمصطلح أنواع ما بين المخرج عن الملة وبين ما يُطلق تغليظا على بعض المعاصي.

مقدمة

“الكفر” في اللغة هو “الجحود”. وأصله من “الكَفْر”، وهو السَّتْر والتغطية.

يقال: كفرتُ الشيء: إذا غطيته. ومنه قيل للَّيل: كافر، لأنه يستر الأشياء بظلمته.

وسمى الزارع كافرا لأنه يستر الحبَّ بالتراب. وليس الكافر اسما لليل أو الزارع، ولكنه وصف لهما.

والكفر: ضد الإيمان، سمى بذلك لأنه تغطية وستر للحق، فالكافر ساتر للحق، أو ساتر لِنَعم الله تعالى عليه.

ويقال: كفر بالله، يكفُر كُفراً، وكفوراً، وكُفرْاناً. وأكفر فلانا: دعاه كافراً.

وتستعمل كلمة «الكُفْر» في الدين أكثر من استعمالها في كفران النعمة، «الكفران» في جحود النعمة، و «الكَفور» فيهما جميعاً. و«الكافر» عنه الإطلاق ـ متعارف فيمن ـ يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة، أو يجحدها جميعاً. (1انظر: الزاهر للأزهري ص: (379) ، معجم مقاييس اللغة: 5/ 9، لسان العرب: 5/ 144 الكليات للكفوي: 2/ 535، مفردات القرآن للراغب ص (434) ، المغُرِب للمطرزي: 2/ 224)

وأما تعريف “الكفر” اصطلاحاً، فيقول ابن تيمية في ذلك:

“الكفر: عدم الإيمان، باتفاق  المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أولم يعتقد شيئاً ولم يتكلم”. (2مجموع الفتاوي 20/ 86)

ويقول أيضاً:

“إنما الكفر يكون بتكذيب الرسول، صلى الله عليه وسلم، فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم”. (3درء تعارض العقل والنقل 1/ 242)

ويعرف ابن حزم الكفر بهذه العبارة:

“وهو (أي الكفر في الدين) صفة لمن جحد شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان.

ويقول السبكي:

“التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قولٌ أو فعلٌ حَكَم الشارع بأنه كفر، وإن لم يكن جحدا”. (4فتاوي السبكي 2 / 586)

فالكفرْ اعتقادات، وأقوال، وأعمال، حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان.

والكفر حكم شرعي، والكافر من كفّره الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، فليس الكفر حقا لأحد من الناس، بل هو حق الله تعالى.

يقول ابن تيمية:

“ولهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفّرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن (الكفر) حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك، وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه، ولا تزنى بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى. وكذلك التكفير حق الله فلا يُكفر إلا من كفّره الله ورسوله”. (5الرد علي البكري ص 257)

ويقول ابن الوزير:

“إن التكفير سمعي محض لا دخل للعقل فيه، وإن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعياً قطعياً، ولا نزاع في ذلك». (6العواصم والقواصم 4 / 158)

الكفر نوعان

والكفر نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر.

أما الكفر الأكبر؛ فهو ما يضادُّ الإيمان من كل وجه، ويُخرج صاحبه من الدين والملة، ويُوجب له الخلود في النار. قال الله تعالى: ﴿إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ والْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البينة: 6].

وهذا الكفر يأتي في النصوص الشرعية مقابلاً للإيمان فيكون ضده. وإذا أطلق لفظ «الكفر» فإنه ينصرف إلى هذا النوع، فهو الكفر الأكبر الذي يحبط العمل، ولا يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه.

أنواع الكفر الأكبر

ويتنوع الكفر إلى ستة أنواع، من لقى الله تعالى بواحد منها لم يغفر له، وهي: (7هذا التقسيم نجده عند علمائنا قديما، فهو في الزاهر للأزهري ث (380 – 381) وتفسير البغوي: 1 / 64 طبعة دار طيبة وشهره ونشره الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن قَبله ابن القيم ـ رحمهم الله تعالى)

كفر الإنكار

وهو أن ينكر بقلبه ولسانه، ويزعم أنه لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، ولا يعرف ما يُذكر له من التوحيد، قال الله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 6]: أي كفروا بتوحيد الله وأنكروا معرفته.

كفر الجحود

وهو أن يعرف الله بقلبه، ولا يقرّ ولا يعترف بلسانه، فهو كافر جاحد، مثل كفر اليهود وجحودهم لنبوة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وكتمانهم لصفاته في كتبهم: ﴿إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ [البقرة: 159].

وهذا الجحود قد يكون عاما بأن يجحد جملة ما أنزله الله تعالى أو يجحد إرسال الرسل، وقد يكون خاصاً مقيداً، بأن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو يجحد تحريم محَّرم من محرماته.

كفر الشك

حيث لا يجزم بصدق رسول الله ولا بكذبه، بل يشك في أمره، ولا يستمر هذا الشك إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن آيات الله، ودلائل صدق الرسول.

كفر الإعراض

بأن يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، فلا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه. وبينه وبين ما سبق صلة.

كفر النفاق

بأن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي قلبه على التكذيب أو الرد والكراهة، وهو النفاق الاعتقادي.

كفر العناد

وهو أن يعرف الله بقلبه ويعترف ويقرّ بلسانه، ويأبى أن يقبل الإيمان أو أن يدين به، فهو كفر إباء واستكبار، مثل كفر إبليس. وما أكثر الأبالسة اليوم ـ فإنه لم يجحد أمر الله تعالى، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار. وكذلك كفر فرعون وأبي طالب إنما هو من هذا اللون.

الكفر الأصغر

وأما الكفر الأصغر فهو مخالفة لحكم من أحكام الشريعة، ومعصية عملية لا تُخْرج عن أصل الإيمان، وإنما توجب لصاحبها الوعيد بالنار دون الخلود فيها، وسُميت كفرا لأنها من خصال الكفر. (8فتح البارى لابن حجر: 1 / 83 – 84، شرح النووي على صحيح مسلم: 2/ 49-50)

ويمكن تعريفه بأنه كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر ولم تصل إلى حد الكفر.

وهذا النوع من الكفر يسميه بعض العلماء “الكفر العملي”، وهو أيضاً “كفر النعمة”.

مع العلم أن “الكفر العملي” ينقسم إلى:

ما لا يخرج عن الملة كالطعن في الأنساب والنياحة على الميت.

وقسم يخرج عن الملة كالسجود لغير الله، وإهانة المصحف.

أمثلة معاصرة

ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر الأكبر في عصرنا الحاضر: الامتناع عن الحكم بشريعة الله تعالى، وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً عنها.

إن الحكم بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد الله بالطاعة، قال تعالى: ﴿إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ﴾ [يوسف: 40].

والإشراك بالله في حكمه، والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم، ويسجد للوثن، لا فرق بينهم البتة.

متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر..؟

ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أكبراً في عدة حالات منها:

  1. أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الشريعة.
  2. أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى.
  3. أن يساوي بين حكم الله تعالى حكم الطاغوت.
  4. أن يجوِّز الحكم بما يخالف حكم الله وروسوله، أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله تعالى غير واجب، وأنه مخير فيه.
  5. من لم يحكم بما أنزل الله إباءً وامتناعاً، فالكفر ليس تكذيبا فحسب، بل قد يكون امتناعاً عن اتباع الرسول مع العلم بصدقه، والإيمان (قول وعمل)، و(تصديق وانقياد)، فلا يتحقق الإيمان مع ترك الانقياد والطاعة.

خاتمة

هذه عجالة مختصرة، وللأمر تفصيل في محله اللائق به؛ لكن حسبنا هذا التنبيه في المقال.

إن تحرير مصطلحا عظيم الأهمية والمحورية كلفظ “الكفر” أمر مهم لأنه أحد الأحكام الشرعية، وله ضوابطه. ولعدم الغلو المذموم، أو التهاون أمام المكفرات التي يدخل بها النصارى واليهود على المسلمين في عصرهم الحاضر، أو ما ينبت من انحرافات في بيئة المسلمين يُنبتها منافقون أو جهال فيتبعون سنن من كان قبلنا.

فتحرير هذه المصطلحات يمنع الحيدة عن دين الله تعالى والتعدي عليه، كما يمنع الغلو الذي يخبّل المسلمين ويجعل بأسهم بينهم ويجعل بينهم من التقاطع والتدابر ما لا يحل.

……………………………

الهوامش:

  1. انظر: الزاهر للأزهري ص: (379) ، معجم مقاييس اللغة: 5/ 9، لسان العرب: 5/ 144 الكليات للكفوي: 2/ 535، مفردات القرآن للراغب ص (434)، المغُرِب للمطرزي: 2/ 224.
  2. مجموع الفتاوي 20/ 86.
  3. درء تعارض العقل والنقل 1/ 242.
  4. فتاوي السبكي 2 / 586.
  5. الرد علي البكري ص 257.
  6. العواصم والقواصم 4 / 158.
  7. هذا التقسيم نجده عند علمائنا قديما، فهو في الزاهر للأزهري ث (380 – 381) وتفسير البغوي: 1 / 64 طبعة دار طيبة وشهره ونشره الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن قَبله ابن القيم ـ رحمهم الله تعالى.
  8. فتح البارى لابن حجر: 1 / 83 – 84، شرح النووي على صحيح مسلم: 2/ 49-50.

المصدر:

  • راجع: عثمان جمعة ضميرية، مجلة البيان، العدد: 68.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة