212 – مفهوم 8: الإيمان بالغيب يضبط العلاقة بين العقل والنقل

الإيمان بالغيب هو ساق شجرة الإيمان التي لا تقوم إلا عليه؛ فالإيمان بالله عزّ وجلّ وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر أصله كله الإيمان بالغيب والتسليم لما جاء في القرآن والسنة الصحيحة من الأخبار عن هذه الأصول الستة، واليقين بأن للعقل حدوده في الإدراك، وعليه فالعقل تابع للنقل ودوره أن يعقل عن الله ورسوله ويتدبر نصوص الوحيين ويتعبد لله عزّ وجلّ بالإيمان بها وبآثارها.

والعقل الصحيح لا يتعارض مع النقل الصريح، وإن ظهر شيء من التعارض فسببه إما فساد في العقل والتصور، أو أن النقل غير صحيح أو غير صريح.

وقد وصف الله عزّ وجلّ عباده المتقين بقوله: (ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ) [البقرة:3]، وهذا هو شأن السلف -رحمهم الله- حيث يُقدِّمون النقل على العقل، وينتفعون من نعمة العقل في تدبر الآيات وزيادة الإيمان، والاستعداد لما وعد الله عزّ وجلّ به عباده من النعيم في الآخرة جزاء للعمل الصالح، أو لما توعَّد الله به الظالمين من العقاب فيبتعدون عن أسبابه وما يقرب إليه.

إن دور العقل أن يتلقى عن الله عزّ وجلّ وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وينقاد لما يتلقاه، لا أن يكون حاكمًا على نصوص الوحيين؛ يأخذ منهما ما يشاء ويترك ما يشاء.

ومعنى مخاطبة هذا الدين للعقل هو أنه يوقظه، ويوجهه، ويزكيه، ويقيم له منهجًا صحيحًا للنظر والتفكير، لا أنه يتيح له أن يحكم بصحة تشريعاته أو بطلانها، فمتى ثبت النص كان هو الحَكَم، وكان على العقل البشري قبول النص والانقياد له وتنفيذه؛ سواء أدرك الحكمة منه أو لم يدرك؛ فالنقل من عند الله العليم الخبير، والعقل ليس إلها يحكم بالصحة أو البطلان، وبالقبول أو الرفض لما جاء من عند الله.

وبعدم إدراك الدور الصحيح للعقل يقع كثير من الخلط؛ سواء ممن يريد تأليه العقل البشري وجعله حاكمًا على النصوص، أو ممن يريدون إلغاء العقل ونفي دوره في الإيمان والهدى والاستنباط.

المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445

انظر أيضا

مفاهيم حول الإيمان والإسلام

موضوعات كتاب: خلاصة مفاهيم أهل السنة

التعليقات غير متاحة