ليس من دين واضح وضوح الإسلام، فهو دين فطري يسير، عميق، معلَن. لا أسرار فيه ولا التواء، لا غبش ولا التباس. مبادئه وعميقة وإعلانه واضح وقريب.

مقدمة

إن الدعوة الإسلامية مرّت في هذه السنين الأربعين بمراحل ثلاث:

أولها: كنا في أوائلها نقرأ لقدماء الدعاة (كفريد وجدي ورشيد رضا) مقالات من الإسلام وأنه لا يظلم المرأة وأنه لا يدعو إلى التعصب المذموم؛ يدفعون عن الإسلام هجمات خصومه، ولكنهم ينظرون إلى الإسلام كأنه متهم أمام المحكمة، وكأنهم هم المحامون عنه.

ثم انتقلنا إلى المرحلة الثانية، فكنا نقرأ للكتاب الإسلاميين مقالات في ديموقراطية الإسلام، والوطنية في الإسلام، ثم في الاشتراكية في الإسلام. كأن من وظيفة الدعاة إلى الإسلام أن يجعلوه ثوباً مرقَّعاً، فكلما ظهر في الغرب مذهب سياسي أو اقتصادي، وفُتن الناس به، وأقبلوا عليه، فتشنا عن شبه بينه وبين الإسلام، ثم زعمنا أن الإسلام يقوم به ويقرّه.

ثم انتقلنا (أو انتقل الواعون من الدعاة) إلى المرحلة الثالثة؛ فأعلنوا أن الإسلام نظام كامل، يحلّ المشكلات كلها؛ السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية على طريقته وأسلوبه، ولا تستعصي فيه مشكلة على الحل، وليس عنده داء لا يجد له دواء. ولا يهمنا ـ بعد ذلك ـ إذا وافق مذاهب الخصوم أو وافقها، فلا نزداد إيماناً بصحة ديننا إذا وجدناه يقر بعض الجزئيات التي تشابه أمثالها في المذاهب السياسية أو الاقتصادية، ولا نشك في ديننا ولا يضعف به إيماننا إن خالف هذه المذاهب وسار في غير طريقها.

دين واضح ومبادئ معلَنة

وديننا في الأصل دين ظاهر مكشوف، ليس فيه حُجُب ولا أستار، ولا خفايا ولا أسرار.

إن دستورنا يُعلَن خمس مرات كل يوم من رؤوس المآذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة (وهو قانون النجاة في الآخرة)، حي على الفلاح (قانون النجاح في الدنيا)؛ فهل رأيتم أو سمعتم بدولة أو حزب أو جماعة يعلَن قانونها الأساسي خمس مرات كل يوم على السطوح..؟

لذلك نبين هنا كل شيء بوضوح؛ لا نبالي برضا من رضي وسخط من سخط.. هذا هو ديننا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

أخوة عابرة للأوطان والقوميات

ومن أسس ديننا التي أقرّها كتاب ربنا ونزل بها جبريل من فوق سبع سماوات على نبينا قوله تعالى: ﴿إنّمَا المُؤْمِنونَ إخوة﴾. أخوّة عَقدت عقدتَها يدُ الله، فلن تحلها يد بشر. المؤمنون جميعاً إخوة؛ على اختلاف ألوانهم، وتباين لغاتهم، وتعدد هيئاتهم، وتنائي ديارهم.

أخوّة أقوى من أخوة النسب، ورابطة أمتن من رابطة الدم. فمن أنكرها أو شكّ فيها، أو أحلّ محلها أخوةً غيرها فقال بأخوّة الدم أو أخوّة اللس ان أو أخوة المذهب السياسي أو الاقتصادي، فقد دعا بدعوة الجاهلية وخالف القرآن، وصار ـ في حكم الشرع ـ مرتداً خارجاً عن الإسلام..

الشعار المعلَن .. الله أكبر

لو سألكم سائل: إن لكل مذهب ولكل دولة ولكل جماعة شعاراً معروفاً؛ كلمة أو كلمات تردد دائماً لئلا تُنسى، فما هو شعار الإسلام؟ فأجيبوا بلا تردد بأن شعار الإسلام هو «الله أكبر».

هذا هو شعارنا الذي تردده مآذننا في أرجاء الأرض المسلمة خمس مرات كل يوم؛ تدعونا إلى مساجدنا لإقامة صلواتنا. ونكرره في كل ركعة من ركعات الصلاة ست مرات. وتهدر به جيوشنا إذا مشت للجهاد في سبيل الله.

يقول المؤذن: حان موعد وقوفكم بين يدي الله، فدعوا كل أمر من أمور الدنيا ـ مهما كان كبيراً ـ فالله أكبر. وكلما جاء الشيطان ليصرف المصلي عن الصلاة؛ يقول له: إن في الدكان صفقة تجارية كبيرة، قال: أنا الآن بين يدي الله والله أكبر. ويقول له: إن أمامك موعداً مع فلان الكبير، الله أكبر. وكلما وسوس إليه ليصرفه عن صلاته دفع في صدره وقال الله أكبر.

وإذا اصطف المسلمون للقتال ورأوا جيش العدو كبيراً كثير العدد ذكروا أنهم مع الله وأن الله أكبر.

الله أكبر .. كم هتف بها المسلمون في معاركهم، فارتجّت منها الأرض، وتزعزعت منها الحصون، وانتزعوا بها النصر من فم العدو، وأزاحوا بها التيجان عن رؤوس الجبارين.

الله أكبر .. كم نادوا بها أمام كل قلعة، وفوق كل رابية، وفي قمة كل جبل، وفي قرارة كل واد، من مسيرتهم المباركة من مدينة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الشام ومصر وإفريقية والأندلس، حتى بلغوا قلب فرنسا من هنا، ومسيرتهم المباركة إلى العراق وفارس والأفغان وتركستان والهند، حتى بلغوا أقصى المشرق من هناك.

الله أكبر … كم أعلنها المسلمون في مساجدهم أيام أعيادهم، فرددتها معهم جدران المساجد ومآذنها، والأرض من حولها، وكررتها الدنيا معها.

هذا هو ديننا، دين معلن، لا خفايا ولا أسرار، ولا حُجُب ولا أستار. عقائدنا نعلنها خمس مرات كل يوم على المآذن: «الله أكبر». لا نستكبر أحداً إن كنا مع الله، ولا نخاف أحداً، ولا نخشى في الكون شيئاً؛ لأن الله أكبر من كل شيء.

«أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله»: هذا هو الدستور الأساسي للمسلمين.

«حيّ على الصلاة»: أي على العبادة والطاعة والعمل لما بعد الموت.

«حيّ على الفلاح»: أي على كل ما فيه نجاحنا في الدنيا وفي الآخرة.

«الله أكبر»: هذا هو شعارنا يسري في هَدْأة الليل ونحن نيام؛ لنترك النوم، ونذهب إلى الصلاة التي هي خير من النوم. وفي وضح النهار ونحن نعمل لنترك العمل ونذهب إلى الصلاة.

خاتمة

الله أكبر … هذا شعارنا.

قالها أجدادنا بألسنتهم معلنين بها، وبقلوبهم مؤمنين بمعناها، وقالوها بأعمالهم وبسلوكهم في الحياة؛ فحكموا بها ما بين قلب أوربا وقلب آسيا، ونصبوا راية محمد صلى الله عليه وسلم على ثلث كرة الأرض. وقلناها نحن بألسنتنا فقط. فأنتم تعلمون ماذا نزل بنا..!

فإذا أردتم أن يعود إليكم النصر، فعودوا إلى الله وكونوا معه، ولا تخشوا كبيراً، فالله أكبر.

المصدر:

  • الشيخ على الطنطاوي. كتاب ” مقالات في كلمات”.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة