للأماكن فضائل ترجع لما فضّلها الله تعالى به، ولما جعل تعالى فيها من مظانّ للعبادة، أو للعلم وحفظ العقائد، أو للجهاد وسداد الثغور وحماية حرمة الإسلام ..

وعلى هذا التوازن يوضح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فضيلة بقعة الشام بما خصها الله تعالى به، وأوضح أيضا مرجع الفضائل في هذا، ثم ما يخص كل امريء في نفسه وأي البقاع له أفضل..

وهذا المقال ـ على اختصاره ـ يختار مما كتبه شيخ الإسلام ما يوضح هذا..

مرجع الإسلام في آخر الزمان

والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام. وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس فأول الأمة خير من آخرها.

وكما أنه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام كما أسري بالنبي، صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم، عليه السلام، وهو بالشام. فالأمر مساسه كما هو الموجود والمعلوم.

آيات تدل على بركة الشام

وقد دل القرآن العظيم على بركة الشام في خمس آيات:

قوله: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾.(الأعراف:137) والله تعالى إنما أورث بني إسرائيل أرض الشام. 

وقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾.(الإسراء:1)

وقوله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾.(الأنبياء:71)

وقوله: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾.(الأنبياء:81)

وقوله تعالى : ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾.(سبأ:18) الْآيَةُ.

فهذه خمس آيات نصوص.

معنى البركة .. ومحورية العمل الصالح

و”البركة” تتناول البركة في الدين والبركة في الدنيا. وكلاهما معلوم لا ريب فيه.

فهذا من حيث الجملة والغالب. وأما كثير من الناس فقد يكون مقامه في غير الشام أفضل له كما تقدم. وكثير من أهل الشام لو خرجوا عنها إلى مكان يكونون فيه أطوع لله ولرسوله لكان أفضل لهم.

وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي، رضي الله عنهما، يقول له: «هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ». فكتب إليه سلمان: «إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الرَّجُلَ عَمَلُهُ».

تغير حكم المحالّ تبعا للحال

وهو كما قال سلمان الفارسي؛ فإن مكة ـ حرسها الله تعالى ـ أشرف البقاع وقد كانت في غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها.

وقد كانت الشام في زمن موسى، عليه السلام، قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين وفيها قال تعالى لبني إسرائيل: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ (الأعراف:145).

فإن كون الأرض «دار كفر» أو «دار إسلام أو إيمان» أو «دار سلم» أو «حرب» أو «دار طاعة» «أو معصية» أو «دار المؤمنين» أو «الفاسقين» أوصاف عارضة؛ لا لازمة؛ فقد تنتقل من وصف إلى وصف كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم وكذلك بالعكس.

الفضيلة الدائمة

وأما الفضيلة الدائمة في كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ (البقرة:62)الْآيَةُ.

وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة:111) ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ (البقرة:112)الْآيَةُ.

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ (النساء:125).

وإسلام الوجه لله تعالى هو إخلاص القصد والعمل له والتوكل عليه؛ كما قال تعالى: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة:5) وقال: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ (هود:113) وقال تعالى: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود:88).

الأفضل هو الأعون على المقصود

ومنذ أقام الله حجته على أهل الأرض بخاتم رسله محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وجب على أهل الأرض الإيمان به وطاعته واتباع شريعته ومنهاجه. فأفضل الخلق أعلمهم وأتبعهم لما جاء به: علما وحالا وقولا وعملا وهم أتقى الخلق.

وأي مكان وعمل كان أعون للشخص على هذا المقصود كان أفضل في حقه؛ وإن كان الأفضل في حق غيره شيئا آخر.

ثم إذا فعل كل شخص ما هو أفضل في حقه فإن تساوت الحسنات والمصالح التي حصلت له مع ما حصل للآخر فهما سواء وإلا فإن أرجحهما في ذلك هو أفضلهما.

الأفضل في حق كل مكلَّف

وهذه الأوقات يظهر فيها من النقص في خراب «المساجد الثلاثة» علما وإيمانا ما يتبين به فضل كثير ممن بأقصى المغرب على أكثرهم. فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة في فضل أهلها مطلقا؛ بل يعطى كل ذي حق حقه..

ولكن العبرة بفضل الإنسان في إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب، ثم قد يكون بعض البقاع أعون على بعض الأعمال كإعانة مكة حرسها الله تعالى على الطواف والصلاة المضعفة ونحو ذلك.

وقد يحصل في الأفضل معارض راجح يجعله مفضولا: مثل من يجاور بمكة مع السؤال والاستشراف والبطالة عن كثير من الأعمال الصالحة. وكذلك من يطلب الإقامة بالشام لأجل حفظ ماله وحرمة نفسه لا لأجل عمل صالح؛ فالأعمال بالنيات.

………………………………………….

المصدر:

  • [مجموع الفتاوى (47-43/ 27)].

لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:

اقرأ أيضا:

  1.  سنوات من الجرائم في سوريا
  2. غزة التي رأيت
  3. مهزلة الضربة الأمريكية لبعض المواقع السورية

التعليقات غير متاحة