برغم المظهر العلماني، يلعب الدين في الغرب دورا أساسيا في الانتخابات الداخلية المجتمعية، وتنتقل روحه الصليبية الى بلادنا عبر النخبة العلمانية الإجرامية..!

الخبر

“خرق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عرفاً دبلوماسياً، بإلقاء كلمة من القدس، أمام مؤتمر الحزب الجمهوري الثلاثاء، في سياق دعم حملة ترامب الانتخابية من الخارج، عبر دغدغة مشاعر اليمين المسيحي والانجيليين الداعمين لإسرائيل.

كما  تأتي قرارات ترامب متسقةً مع مطالب الإنجيليين المتجددين  (Born again): الدعم المطلق لإسرائيل كأرض للشعب اليهودي، لأنّ نبوءة إعادة بناء أورشليم ضرورية لعودة المسيح، بحسب معتقداتهم. كما يحيط ترامب نفسه بواعظين انجيليين ؛ كما رفع ترامب الإنجيل أمام كنيسة القديس يوحنا في واشنطن.

كما هاجم ترامب منافسه على الرئاسة مطلع الشهر الحالي، واتهمه بأنّه “يؤذي الله والإنجيل”.

في المقابل التقى بايدن بأكثر من حبر أعظم، كان آخرهم البابا فرنسيس، كما يحكي باستمرار عن الراهبات اللواتي أثرن في حياته، ويقال إنّه كان يحمل المسبحة في يده خلال الاجتماعات المهمّة.

وعلى الرغم من أنّ السياسة الأميركية تقوم على مبدأ الفصل التام بين الكنيسة والدولة، إلا أن تأثير المتدينين واضح في اختيار الرؤساء. وبحسب مركز “بيو” الأميركي للأبحاث، فإنّ (88%) من أعضاء الكونغرس، يعرّفون عن أنفسهم كمسيحيين، كما أنّ نصف الناخبين الأميركيين تقريباً يؤمنون أنّه يجب على الرئيس المنتخب أن “يتمتع بمعتقدات دينية راسخة”. فيما يرى ثلث الأميركيين أنّ السياسات الحكومية يجب أن تدعم القيم الدينية.

بين مؤتمري الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري تبدو رسائل المدججين بالرسائل الروحانية والدينية”. (1موقع “BBC”: الانتخابات الأمريكية 2020: السباق الديني إلى البيت الأبيض)

التعليق

العلمانية هي اللادينية في التشريع ونظام الحكم والثقافة والتربية والتعليم.. هذه خلاصة التعريف والتوجه؛ لكن مما ينبغي التنويه اليه ـ وتؤكده مثل تلك الأخبار المرفقة أعلاه ـ أن نشأة العلمانية كانت في دول مسيحية؛ وبالتالي فمع معاداتها للدين كحاكم على الحياة؛ لكنها تحمل الروح المسيحية في هويتها. يجب أن ندرك جيدا هذه المعادلة رغم عدم استيعاب البعض لها.

الدين حاضر في أوروبا النصرانية، وهو محرك أساس لها ـ كما ترى في أخبار الانتخابات الأمريكية والحروب التي تشنها على العالم الإسلامي ـ ومهما اتخذوا من نظم الحكم وتخلصوا من طغيان القساوسة وطغيان مؤسسة الكنيسة إلا أنهم أصحاب الروح الصليبية.

لقد مرت أوروبا بمرحلتين: مرحلة الحروب الصليبية الصريحة، ثم مرحلة العلمانية مَظهرا الصليبية مَخبرا.

وهذه الروح الصليبية انتقلت الى بلادنا مع شرذمة النخبة العلمانية المجرمة، التي انتقلت اليها حالة الردة عن الشرائع، بل الإلحاد، وانتقلت معها الروح الصليبية كذلك؛ فمن اعتنق العلمانية في بلادنا وجدتَ تأثير الجذور المسيحية؛ رغم المفارقة التي يتعجب منها الناظر اليها.

مظاهر نصرانية يحملها العلمانيون..!

ولهذا مظاهر شتى، نذكر منها ـ على سبيل الأمثلة القريبة لا الحصر ـ تجد العلماني “اللاديني” في بلادنا من أشد المهاجمين لعودة “آيا صوفيا” إلى مسجد، بروح صليبية حادة، أكثر من حدة كنائس أوروبا ..! حيث أبدى بعض قساوسة إيطاليون..! ـ وغيرُهم ـ تفهما للخطوة وامتنانا لها لاحترامها بالتعبد فيها بدلا من عراة السياح؛ بينما علمانيو العرب ليسوا كذلك، ولا يقبلونه، وهم أكثر تشنيعا من غيرهم..!

وتجد كذلك العلمانيين ـ المنتسبين للإسلام..! ـ في بلادنا متصالحين مع الكنائس دون المساجد، ومع القساوسة دون الشيوخ، ومع أحكام البابوات دون شريعة الله..! ويقبّلون يد القساوسة ويقول أحدهم: “أتمنى أن يترشح البابا لحكم البلاد لروحانيته..!” في حين يهاجمون شيوخ المسلمين..!! (2كما صرح المدعو محمد أبو حامد في تصريحات تليفزيونية فور اختيار تواضروس خليفة لشنودة)

وفي بلادنا من تقول أن لغة القرآن الكريم هي لغة المحتل..! (3كما تصرح المدعوة فاطمة ناعوت)

وغالب من يسقط من المنتسبين للعلم أو الدعوة تجده يقفز الى الكنائس ويجلس في مقدَّم كراسيها محتفلا بأعيادهم مشاركا في صلواتهم. (4كما في حالة: مظهر شاهين، عمرو خالد، أسامة القوصي.. وغيرهم)

وعموم جماهيرنا التي تتأثر بموجات العلمانية وانحسار المد الإسلامي يفخرون بأن أبناءهم فشلة في اللغة العربية بينما يجيدون الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها.. بل ومذيعات الإعلام غالب ما يرتدينه مع مجافاته لما أمر الله ـ الذي هو محل استنكار عندهم ـ وهو الملبس التقليدي للنصرانيات ويتقيد بمفهوم العورة في النصرانية.

وفي ظل العلمانية يقام القداس وتُمنع الجمعة ويتغير الوجه الحضاري للبلاد.

كل هذا في متناقضات مضحكة ومبكية ومخجلة، تكشف لك أن العلمانيين المستورِدين للعلمانية بروحها النصرانية ليست لهم قناعات..! بل هم “مسخ” تابع متأثر بالمشرب الذي ورَده، يردد ما قيل له، ويكرر كلام مَن صَنَعه. ويمكن أن تعرف مواقفه قبل أن يتكلم لو عرفت مواقف سادته. ولهذا يستقذرهم المسلم ويحتقرهم، ويعرف مَن صنَعهم.

ولأجل وجود هذه الروح النصرانية وبقاء دافع الديانة في الغرب أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معارك آخر الزمان هي مع “الروم”.

ولهذا فالانحياز الواجب هو لراية الإسلام لا لراية قومية منتنة، ولا وطنية زائفة، ولا الى حالة حداثة متوهَمة يخدعون بها جهال الناس..

بل وتحتاج تعلّم القرآن وإبطال عقائد هؤلاء؛ تحتاج أن تعرف ما قيل لك في “آل عمران” و”النساء” و”المائدة”. فافهم ما أخبرك الله وما أنزل اليك؛ فهُمُ العدو.

كما يجب النظر الى “التيارات الإسلامية” التي تدعم الأوضاع العلمانية، ومدى تأثرها بالنصرانية وخدمتها لها؛ فخدمة الأوضاع العلمانية والمساهمة في استقرارها هو استقرار للعقائد النصرانية والروح الصليبية التي امتدت الى العالم الإسلامي وسيطرت على مراكز حكمه ومراكز التأثير التعليمي والإعلامي به.

العلمانية بين الإسلام والنصرانية

استطاعت العلمانية في بلاد نشأتها أن تتصالح مع المسيحية الغربية التي ثارت عليها، وفي النهاية هناك انتماء وحدود وقبول..

ولكنها لم تستطع ـ ولن تستطيع ـ التصالح مع الإسلام لأنه يناقضها؛ فعقيدة الإسلام الحاسمة والواضحة عبر القرون، والعملية خلال أكثر من اثني عشر قرنا، ترفضها تماما وتناقضها بلا تصالح؛ إلا مؤقتا مع القهر والتزوير.

خاتمة

إن العدو التاريخي المندفع بروحه الدينية النصرانية باختلاف مللها، والذي ترى أهله يتدافعون تدافعا دينيا في الانتخابات وغيرها رغم علمانيتهم المعلنة.. هذا العدو لا يزال قابعا في مكانه، وهو يمد أذرعه وخيوطه الى بلادنا وحياتنا، ويتحكم في مفاصل حياتنا وعقائدنا وتشريعاتنا وإعلامنا.

إن العدو يتنافس تنافسا يلعب فيه الدين أدوارا حاسمة ويضع لهم حدودا لا يتجاوزونها، وهو ينطلق من بلاده ليضع هذه الروح وهذه الديانة الزائفة والعقائد الشركية والروح المعادية للإسلام؛ يضعها في بلادنا وفي الطغمة الحاكمة والأجهزة التي تقوم بتنفيذ الأدوار المطلوبة من قتل المسلمين وقهرهم وإسكاتهم وفتح الطريق أمام العدو القادم..!

……………………………..

هوامش:

  1. موقع ” BBC”: الانتخابات الأمريكية 2020: السباق الديني إلى البيت الأبيض.
  2. كما صرح المدعو محمد أبو حامد في تصريحات تليفزيونية فور اختيار تواضروس خليفة لشنودة.
  3. كما تصرح المدعوة فاطمة ناعوت.
  4. كما في حالة مظهر شاهين، عمرو خالد، أسامة القوصي.. وغيرهم.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة