علماء دين قد ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. فتنتهم لعلها من بعض الوجوه أن تكون أعظم من فتنة الدجال…فماذا يا ترى قد فعلوا؟!

وظيفة العلماء

العلماء والأئمة والدعاة هم في الأصل خلفاء  النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتبليغ والشهادة بالحق . وهذا هو الميثاق الذي أخذه الله عليهم قال تعالى: ﴿وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكتُمونَهُ فَنَبَذوهُ وَراءَ ظُهورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَليلًا فَبِئسَ ما يَشتَرونَ﴾. [آل عمران: 187].

وقد لخص الشاطبي وظيفتهم بقوله: (فإذا بلغ الإنسان مبلغًا فهِم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله)1(1) الموافقات (5/43)..

علماء تابعون للأنظمة العلمانية وعلماء ربانيون

ولكن الواقع بخلاف ذلك لا سيما عند تغلب الأنظمة العلمانية على مقاليد الحكم واحتكارها منصب الفتيا والتعليم الديني من خلال مؤسسات دينية رسمية تابعة لها تسير وفق فلسفتها كما تسير أي مؤسسة أخرى. فاتسع الخرق على الراقع.

فانقسم العلماء بذلك إلى قسمين:

القسم الأول: علماء تابعون للأنظمة العلمانية، يصبغون عليها الشرعية ويثبتون لها الولاية الدينية يسمع صوتهم وتسلط الأضواء عليهم ويعرفهم الناس.

وفيهم يقول الله تعالى: ﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ﴾ ﴿وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾ [الأعراف: 175-176].

وهو قسم أعم من أن يكون انحرافه بسبب خدمة الأنظمة بل قد يكون العالم مستقلا ولكن يقع انحرافه بسبب بدعة أو حسيفة أو هوى. مثل انحراف بعض علماء الإرجاء المنتسب أهله إلى السنة والسلف.

والكلام هنا هو على الظاهرة التي غلبت حتى كادت تغطي على غيرها وإلا فإني أعرف منهم أفاضل أصحاب حمية دينية وشهامة نادرة قدموا ما يملكون نصرة للإسلام. فعلوا الممكن من طاعة الله ولم ينصروا الباطل وقالوا الحق المر.

القسم الثاني: علماء أحرار مستقلون لا يتلقون الأخبار والأحكام إلا عن الحاكم الأعلى سبحانه وتعالى. لا يتحركون ولا يسكنون إلا ببرهان موصول به.

وأغلبهم اليوم كما في سالف الأزمان بين قتيل وسجين وطريد. يرمون بالعظائم ويتهمون بإحياء منهج الخوارج.

وفيهم يقول الحق سبحانه: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب:39].

وهؤلاء اليوم كالكبريت الأحمر وقد كانوا إذا عدوا قليلا …فقد صاروا أقل من القليل …لا يسمع صوتهم إلا من يعرفهم ويعرف حقيقة الصراع بين الإسلام والجاهلية.

علماء يشهدون الزور وينصرون الباطل

فعلماء القسم الأول قد ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. فتنتهم لعلها من بعض الوجوه أن تكون أعظم من فتنة الدجال. فإنهم يكتمون الحق وينصرون الباطل ويوقعون عن رب العالمين ويختمون بأختام مزورة. مفاسدهم تستعصي على الحصر  وإثم سكوتهم عند الحاجة أو النطق بالباطل أعظم من كل إثم.

لذلك كانت أجور علماء السوء التي يتلقونها من الحكام أو غيرهم مقابل السكوت عن الباطل أو النطق والتصريح بشرعيته ونصرته أفحش وأخبث من مال الربا وثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن وسمسرة الفواحش لأن أخذ الأجرة على المعصية يقبح بحسب المعصية فكلما كانت أعظم كان الأجرة عليها بحسب ذلك . ولا توجد معصية أعظم من القول على الله بغير علم فما ظنك بالقول عليه ما يعلم أنه كذب.

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

قال ابن القيم: (فجعل القول عليه بلا علم أعظم المحرمات الأربع التي لا تباح بحال؛ ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر. فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثما، فإنه يتضمن الكذب على الله، ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه، وعداوة من والاه وموالاة من عاداه، وحب ما أبغضه وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.

فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه، ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم)2(2) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 132) ومدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 378)..

حين يبيع العالم دينه بدنياه ومآل من يكتم الحق

فلو قدر أن عالما أو إماما شهد شهادة زور بأن الأنظمة التي تلتزم غير شريعة الإسلام هي أنظمة شرعية تثبت لها الولاية الشرعية وكوفئ على ذلك بأن أعطوه ملء الأرض ذهبا ولؤلؤا لعد في ميزان الشريعة قد أعطي ثمنا قليلا بالنسبة إلى ما ينتظره من النكال وهذا من نفائس تفسير السلف للقرآن.

قال الحسن البصري عند قوله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة:41] الثمن القليل هو الدنيا بحذافيرها.

ثم تأملت قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى مِن بَعدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الكِتابِ أُولئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلعَنُهُمُ اللّاعِنونَ﴾ [البقرة: 159] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتابِ وَيَشتَرونَ بِهِ ثَمَنًا قَليلًا أُولئِكَ ما يَأكُلونَ في بُطونِهِم إِلَّا النّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ وَلا يُزَكّيهِم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [البقرة:174].

فعلمت أن الأمر جد إلى الحد الذي لا يمكن تصوره فمجرد الكتمان لما تمس الحاجة إليه مجلبة للعنة وأكل النار والحجب عن الله تعالى.

فكيف بالرضا والمتابعة بل كيف بالنطق بالباطل والإفتاء بالباطل والشهادة على الأحكام بالباطل.

قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: (عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك. فأقول: لا أسكت)3(3) سير أعلام النبلاء (18/509)..

ذلك ليعلموا أن من قام مقام الأنبياء فقام به حق القيام كان في أعلى عليين وأن من خان أمانة الأنبياء ونصر طريقة أعدائهم كان مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث وكان ممن يجر قصبه في النار .

وقاعدة هذا أنه كلما عظم مغنم المقام عظم غرمه. والمعصوم من عصم الله تعالى.

الهوامش

(1) الموافقات (5/43).

(2) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 132) ومدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 378).

(3) سير أعلام النبلاء (18/509).

المصدر

صفحة الدكتور سليم سرار على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

دور العلماء العاملين في تحقيق النصر والتمكين

الصفات المهمة للعلماء والدعاة المؤثرين في الأمة

إلى علماء الأمة ودعاتها .. اتقوا اللَّهَ وكونوا مع الصّادقين

مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر

التعليقات غير متاحة