إطالةُ أمد الحرب على غزة أمر متفاهمٌ عليه، وهدفُه استنزاف أهلها وإضعافُ مقاومتهم، وإخضاعُهم، وقبل أشهر نبَّهتُ إلى أن نتنياهو طلب وقتاً حتى تموز (يوليو)، ولكن إدارة بايدن منحته فرصة لشهرين إضافيين، أي حتى أيلول (سبتمبر)، وما نشهده من احتكاك لا يغير من حقيقة المشهد.

الدعم الأمريكي اللامحدود للصهاينة

بايدن لا يريد وقف الحرب، ولكنه يودُّ التحكُّم بها، خوفاً من انفجار الوضع الداخلي، خاصة بعد انتفاضة الجامعات، وفي المقابل يعلن دون خشية، عزمه تفكيك مقاومة غزة وإنهاءها، واستثمار ذلك لبناء حالة فلسطينية جديدة حسب اعتقاده (بعد الحرب على غزة سيتم تفكيك السلطة في رام الله وإنشاء إدارة جديدة!).

دعم البيت الأبيض لتل أبيب غير مسبوق، لدرجة أنه تم على حساب أوكرانيا، بل على حساب قضايا الأمريكيين أنفسهم في التعليم والصحة والبنية التحتية!

لكن ثمة مناوشات هامشية لا تغير شيئاً في حقيقة الاتفاق على أهداف الحرب الأساسية، وقد انتبهت مقاومة غزة لذلك مبكرا، وشرعت منذ الشهر الثاني للحرب على اعتماد سياسة النفس الطويل، وبناء خطة المواجهة على أساس امتداد الحرب من سنة إلى سنتين، وقد تتخللها بعض الهُدن، كما تخطط واشنطن، بحيث يتم وقف الحرب لأسابيع، ويجري الإفراج تباعاً عن الأسرى، ونزع هذه الورقة من يد غزة، قبل استئناف الحرب عليها مجدداً، مع عزلها عن محيطها، ومنع أي جهة للتدخل، وهذه سياسة إدارة بايدن، مع ترك عين مفتوحة على التطورات الداخلية وأعمال الاحتجاج المتصاعدة.

تأثير الطوفان على الرأي العام الغربي والدولي

رغم صعوبة المشهد وقتامته الظاهرة، لكنه معرَّضٌ للتغيير الحدِّي، نتيجة اتساع نطاق الغضب لدى الرأي العام الغربي والدولي، وتأثيرات ذلك على أي انتخابات ستشهدها دول غربية هذا العام، وهو ما قد يسفر عن رسم مشهد عالمي جديد، يؤدي إلى إزاحة طبقة سياسية هرِمة وبائسة، وظهور جيل جديد، أعلن التحدي وقرر التغيير وبدأ الحراك.

أغلقوا التفاوض .. واستعدوا !

نتنياهو لا يكترث لأسراه والمفاوضات بالنسبة له تضليل، وخطته استمرار الحرب حتى تتغير الظروف، وبايدن زوَّده بأسلحة تكفيه ٦ أشهر، وكلُّ حديث عن وقف توريد السلاح خدعة، والعرب نائمون، والمسلمون بلا حراك، وأغلب دول أوروبا متواطئة.

الفلسطيني شجاعٌ وذكي، قاتل ولم ينكسر، فاوض ولم ينخدع، ناور بدهاء وكسب الرأي العام في عقر دار الغزاة، ويستخدم الدعاية السياسية بمهارة، والأهم أنَّه حاز المصداقية، بينما نال المحتل صفة الكذب عن جدارة.

وماذا بعد؟

كشف نتنياهو أوراقه، وأظهر بايدن عجزاً وتواطأ، وتبين أن التفاوض هو لكسب الوقت، ولا نيَّة لتبادل الأسرى الآن، فبات ضرورياً إغلاق ملف التفاوض حتى حين، والتركيز على الاستعداد لمعركة رفح، وتوسيع النطاق، وتعبئة الرأي العام، وتفعيل ملف جرائم الحرب، وكشف المتواطئين، والعودة إلى المباغتة والهجوم، وحينها سيضطر الاحتلال لطلب التفاوض عاجلاً غير آجل.

غزة تراجع خططها، ويبدو أن عنوان المرحلة المقبلة سيكون مؤلماً للاحتلال، ومباغتاً لقيادته، وموجعاً لحاضنه وجيشه.

استعدوا ..

نتنياهو محشوراً في زاوية!

بدأ حربه على غزة بتحالف غربي واسع، واليوم يقفُ وحيداً إلا من قلَّة تدعمه على استحياء. حتى أنصاره في واشنطن يرونه عبئاً عليهم، ويتناوبون في إطلاق تسريبات ضدَّه، وينتظرون لحظة الخلاص منه.

قال: سنقضي على غزة ومقاومتها!

سنحكم غزة ونفرض فيها من نريد!

سنعيد الأسرى دون صفقة!

سنهجر أهل غزة ونعيد الاستيطان.

لكنه هُزم وفشل .. وتلقى جيشه أكبر ضربة في تاريخه، وفقد قدرة الردع، وتهاوت سرديته، وانتفض العالم ضده، وبات ملاحقا كمجرم حرب، واسم الكيان قرينٌ للإبادة الجماعية.

ما تم إنجاز نوعي لـ غزة، وثمرة صمود وبسالة

لكن لا تغمضوا أعينكم، ولا يُصيبنَّكم فتور، وأبقوا التأهب في وجه أي خدعة يفتعلها نتنياهو، فهو مهزوم ويريد الانتقام، ويخشى السجن مصيراً محتوماً حال سقوطه.

غزة صمدت في الميدان، وتفوقت في السياسة، وتميَّزت في التفاوض، ولديها خبرة لا تضاهى في سلوك نتنياهو ومكره، ومن صمد ٧ أشهر في حرب هي الأقسى، قادر على الثبات والإثخان، وإرغام المحتل على التسليم بالحقوق المشروعة، والخروج من غزة صاغراً يجرُّ أذيال الخيبة، ودفعِ ثمن باهظ.

نتنياهو واقعٌ في مستنقع، وقد بلغ الماء الآسن حدَّ أُذنيه، وعمَّا قليل تُخط نهايته.

المصدر

صفحة الدكتور أحمد رمضان.

اقرأ أيضا

تداعيات الطوفان على الاقتصاد الإسرائيلي

الدور الوظيفي لـ”إسرائيل” هل يجرفه “الطوفان”؟

“طوفان الأقصى” في عيون الصهاينة

طوفان الأقصى طوفان العودة إلى الجذور

التعليقات غير متاحة