دين الإسلام هو دين اليسر ورفع الحرج والمشقة، وكل أحكامه وتشريعاته مصلحة وخير ورحمة للعباد، وكلها جاءت لتكون حياة الناس ميسرة وسعيدة في الدنيا والآخرة إن هم أخذوا بها.

دين الإسلام دين الوسطية التي هي العدل والخيار بين الإفراط والتفريط

دين الإسلام هو دين اليسر ورفع الحرج والمشقة، وكل أحكامه وتشريعاته مصلحة وخير ورحمة للعباد، وكلها جاءت لتكون حياة الناس ميسرة وسعيدة في الدنيا والآخرة إن هم أخذوا بها ؛ قال الله عز وجل بعد آیات الصيام في سورة البقرة: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185]، وقال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، ووصفه سبحانه بقوله: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157]، وقال سبحانه في ختام آية الوضوء والتيمم في سورة المائدة: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)  [المائدة: 6].

وقال صلى الله عليه وسلم: «فإنما بعثتم میسرین، ولم تبعثوا معسرين»1(1) البخاري (220). ، وقال أيضا: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه»2(2) البخاري (39).، وقالت عائشة رضي الله عنها: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما»3(3) البخاري (3560).، وروى البخاري في صحيحه: “باب الدین يسر”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة»4(4) فتح الباري 1/116. ، والأدلة على ذلك كثيرة.

يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (إن هذه الشريعة مؤتلفة النظام، متعادلة الأقسام، مبرأة من كل نقص، مطهرة من كل دنس ، مسلمة لاشية فيها ، مؤسسة على العدل والحكمة والصحة والرحمة ، قواعدها ومبانيها، إذا حرمت فسادا حرمت ما هو أولى منه أو نظيره، وإذا رعت صلاحا رعت ما هو فوقه أو شبهه؛ فهي صراطه المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها ولا حرج، بل هي حنيفية التوحيد، سمحة العمل، لم تأمر بشيء فيقول العقل: لو نهت عنه لكان أرفق، ولم تنه عن شيء فيقول الحجي: لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث، فأوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة ، وظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها، شعارها الصدق، وقوامها الحق، وميزانها العدل، وحكمها الفصل.

لا حاجه بها البتة إلى أن تكمل بسياسة ملك، أو رأي ذي رأي، أو قياس فقيه، أو ذوق ذي رياضة، أو منام ذي دين وصلاح)5(5) إعلام الموقعين 3/ 180 – 181، ط. المطبعة المنيرية ..

ودين الإسلام كذلك دين الوسطية التي هي العدل والخيار بين الإفراط والتفريط ؛ قال سبحانه: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].

هذا هو دين الإسلام ومقاصده العظيمة التي فيها الرحمة والتيسير للناس، ورفع الحرج عنهم.

ولكن ما هو التيسير الحق الذي هو من مقاصد الشرع؟ وبأي شيء نزنه؟

إن مفهوم الوسطية والتيسير قد اعتراه ما اعترى كثيرا من الموازين . فجاء بعض الناس – ومنهم ويا للأسف بعض طلبة العلم – بموازين جديدة للوسطية والتيسير غير التي جاءت في دين الله عز وجل ومقاصد شریعته، فحصل للناس من جراء ذلك حرج واضطراب وفساد، ولبيان ذلك أبدأ هنا بذكر ميزان الله عز وجل للوسطية والتيسير، ثم أتبعه في مقال آخر بموازين البشر ليتبين الفرق، ويزول اللبس، إن شاء الله تعالی.

میزان الله عز وجل للتيسير والوسطية والتشديد

يمكن بیان سمات هذا الميزان الحق في الوقفات التالية:

أولا: إن من المقاصد العظيمة لهذه الشريعة العظيمة الغراء

تيسير أمور العبد، والرحمة بهم، ورفع الحرج والعناء عنهم، وقد سبق ذكر بعض الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة. وقد ذكر الشاطبي – رحمه الله تعالى – أن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة قد بلغت مبلغ القطع6(6) انظر: الموافقات 1/340 ط. دراز..

ثانيا: التيسير هو ما يراه الله تيسيرا، لا ما يراه الناس بأهوائهم سهلا وميسرا لهم

فقد يرى الناس اليسر في شيء، ولكنه في ميزان الله تعالی عسر وعناء لهم، كما في قوله سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]، وقال سبحانه عن الزوجات: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]. ولما أمر الله عز وجل عباده بالجهاد في سبيله حق الجهاد بين بعد ذلك أن الجهاد فيه رفع الحرج والتيسير، لا كما يراه الناس في الظاهر دون النظر لعواقبه الحميدة للمجاهدين والبشرية كافة، قال سبحانه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].

والمقصود أن كل ما شرعه الله عز وجل من الأوامر والنواهي ففيه المصلحة العظيمة للناس، واليسر والرحمة واللطف بهم ؛ قال ابن حزم – رحمه الله تعالى -: (كل أمر من الله تعالی لنا فهو يسر، وهو رفع الحرج، وهو التخفيف. ولا يسر ولا تخفیف ولا رفع حرج أعظم من شيء أدى إلى الجنة ونجى من جهنم، وسواء كان حظرا أو إباحة، ولو أنه قتل الأنفس والأبناء والآباء)7(7) الأحكام 2/ 176..

ومخالفة الهوى فيها مشقة على النفوس، لكن عاقبتها اليسر والخير والفلاح. ولو أن كل ما خالف هوى النفس وشق عليها من الشريعة ترك لانحلت أحكام الشريعة؛ فمثلا في قوله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81] قد يتبادر إلى الذهن أن شدة الحر قد تسبب التخفيف إن وقعت، والحقيقة ليست كذلك ، لأن التخفيف هنا يتنافي مع مقصد من أهم مقاصد الشريعة، وهو سيادة الإسلام، ولن تكون له سيادة مع الركون إلى الدعة والتخفيف، والتيسير المطلق من كل القيود.

قال أبو إسحاق الشاطبي – رحمه الله تعالى -: (وكثيرا ما تدخل المشقات وتتزايد من جهة مخالفة الهوى. واتباع الهوى ضد اتباع الشريعة ، فالمتبع لهواه يشق عليه كل شيء، سواء أكان في نفسه شاقا أم لم يكن لأنه يصده عن مراده، ويحول بينه وبين مقصوده، فإذا كان المكلف قد ألقى هواه و نهی نفسه عنه، وتوجه إلى العمل بما كلف به خف عليه، ولا يزال بحکم الاعتياد يداخله حبه، ويحلو له مره ، حتى يصير ضده ثقيلا عليه، بعد ما كان الأمر بخلاف ذلك، فصارت المشقة وعدمها إضافية تابعة لغرض المكلف ، فرب صعب يسهل لموافقة الغرض، وسهل يصعب لمخالفته)8(8) الموافقات 1/ 332..

التيسير هو ما حدده الشرع لا ما يراه الناس

ثالثا: في النصوص التالية يتبين لنا أن التيسير هو ما يراه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم تيسيرا، لا ما يراه الناس أسهل عليهم وأيسر:

– عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟» فقال: نعم . قال: «فأجب»9(9) مسلم (653)..

ففي هذا الحديث مع كل ما قدمه الضرير من العذر إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في ذلك؛ لأن مآل ذلك خير ويسر.

– وعن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة»10(10) البخاري (5205)، ومسلم (2123)۔.

وهنا أيضا لم يجوز صلى الله عليه وسلم وصل الشعر لهذه الفتاة مع حداثة عهدها بعرس، وحاجتها لتزينها لزوجها.

– وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: «لا إنما هي أربعة أشهر وعشرا»، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول11(11) البخاري (5336)، ومسلم (1488)..

يقول الشيخ عبد الله السعد – حفظه الله – معلقا على هذه الأحاديث: (ربما لو عرضت على بعض الفضلاء لرخص فيها؛ لتوسعه في هذا الباب ، وعدم مراعاته لضوابط التيسير والترخص ورفع الحرج.

هذا وقد حذر علماء السلف من تتبع الرخص، وشواذ المسائل، وزلات العلماء، وغريب الأقوال، فقد اشتد نكيرهم على من يسلك هذا المسلك.

– قالب سليمان التيمي: إن أخذت برخصة كل عالم ، اجتمع فيك الشر كله .

– قال ابن عبد البر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلايا.

– وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام .

– وقال الحسن البصري – رحمه الله تعالي -: شرار عباد الله الذين يتفون شرار المسائل؛ يعمون بها عباد الله.

– وقال عبد الرحمن بن مهدي: لا يكون إماما في العلم من يحدث بالشاذ من العلم .

– وأخرج البيهقي: عن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: “دخلت على المعتضد، فدفع إلى كتابا نظرت فيه، وكان قد جُمع له الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنین مصنف هذا الكتاب زنديق. قال: لم تصح هذه الأحاديث؟، قلت: الأحاديث على ما رویت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه” فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب.

– وقد نص الإمام أحمد على من تتبع الرخص فأخذ بها، بأنه : فاسق.

– بل حكى أبو محمد بن حزم الإجماع على أن تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي فسق لا يحل)12(12) الموافقات 4/134..

رابعا: ومن قواعد التيسير المعتبرة في الشريعة قاعدة:

المشقة تجلب التيسير، والضرورة الشرعية. وعموم البلوى؛ بشرط أن تؤخذ بضوابطها الشرعية المستنبطة من الأدلة الشرعية وبدون هذه الضوابط تحصل الفوضى ويعم الفساد، وقد وضع أهل العلم ضوابط وشروطا للأخذ بمبدأ التيسير والترخص ورفع الحرج، منها:

١- تحقيق العذر الداعي للأخذ بالرخصة يقينا، لا ظنا.

۲- قيام الدليل الشرعي على الأخذ بالرخصة: فإن الحرج كل الحرج في مخالفة النصوص ، واليسر كل اليسر في اتباعها ، والتسليم والرضا التام بما جاء فيها من أوامر ونواه .

٣- الاقتصار على موضع الحاجة أو الضرورة، وعدم مجاوزة النص الشرعي في ذلك13(13) انظر: مقدمة كتاب كيف نفهم التيسير للشيخ فهد أبا حسين ص18، 19..

وهناك ضوابط شرعية خاصة بكل قاعدة.

من الخطأ أن نحصر التيسير في الحل والإباحة

خامسا: ومن الخطأ أن نحصر التيسير في الحل والإباحة، وأن نظن أن التيسير إنما هو في قولنا هذا حلال، وهذا ليس بواجب، فمن حصر التيسير في ذلك فإنه لم يفهم التيسير بضوابطه الشرعية؛ لأن الأحكام التي شرعت لها حكم قد نعلمها وقد لا نعلمها .. قد تعود بالمصلحة للفرد المكلف بهذا العمل .. وقد تعود بالمصلحة للمجتمع والأمة.. وقد تعود بالمصلحة لهما جميعا.

وحينما نقول فيمن سرق: لا تقطع يده لأنه الأيسر، فهذا فيه حماية للجريمة، وترك تحقيق مقصد العدل في الشريعة.. وسماح بالفوضى في المجتمع ، فيسرق السارق، ويقتل القاتل، ونحن نأخذ باليسر الذي نراه نحن، وليس الأيسر الذي تراه الشريعة، فالدين يسر في أحكامه للفرد والمجتمع …

ولا يعقل أن رجلا في بلد ظهر فيه الطاعون فيقال له: الأيسر لك أن تخرج من هذا البلد، لأن هذا اليسر سيضر بالمجتمع، وسينقل الطاعون إلى بلدان أخرى .

وهكذا في صلاة الجماعة ؛ فلا يعقل أن يقال: المسألة فيها خلاف، فنختار أيسر الأقوال بأنه لا تجب الصلاة في المسجد، فتفوته منفعة اجتماعه مع المسلمين … ويتفكك اجتماع المسلمين في المساجد.. فالمسلم قوي بإخوانه ضعيف بنفسه …

وهكذا في الصلاة ذاتها؛ فإن منافعها عظيمة لا ندرك كثيرا منها ، فمنفعتها للقلب والإيمان أكبر من أن توصف: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة: 45]، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت: 45].

وهكذا في أعمال القلوب التي أمرنا بها؛ كالتوكل والصبر … وأعمال القلوب التي نهينا عنها؛ كالكبر والحسد.

فإذا نظرنا إلى الأحكام الشرعية فلا تنظر هل هذا أشد أو أيسر…

كما أننا لا نأخذ بالإطلاقات العامة مع ترك نصوص خاصة ومفصلة في هذا الحكم الشرعي.

كما أن من الخطأ أن ننظر إلى المصالح الدنيوية ونغلبها على المصالح الأخروية؛ فإن في الأعمال الصالحة منافع عظيمة للقلوب وصلاحها ، وأجور كبيرة في الآخرة ينبغي أن لا يغفل عنها .

والحكم قد تظهر في مثل العادات والمعاملات، وقد تخفى في مثل العبادات.

ولذلك فإن الشارع لم يقصد من الأحكام المشقة بالناس، ولم يقصد أيضا رفع المشقة المعتادة على الناس ، وإنما قصد من التشريع ما فيه مصلحة للعباد في الدنيا والآخرة، وهذه المصلحة قد لا تحصل إلا بأعمال شاقة كالحج والجهاد14(14) الفقي: كيف نفهم التيسير ص ۰21.

الوسطية: الاستقامة من غير غلو وتنطع، أو جفاء وتفريط

سادسا: وأما الوسطية في ميزان الله عز وجل فهي التي مدح الله عز وجل بها هذه الأمة بقوله سبحانه: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143]، والمراد بالأمة الوسط في الآية: العدول، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم15(15) انظر: كيف نفهم التيسير ص 92 – 94 باختصار.. كما أنها تعني الاستقامة في الأخذ بهذا الدين، من غير غلو وتنطع، أو جفاء وتفريط، وبهذا نفهم قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود: 112]؛ فأمر بالاستقامة وعدم التفريط في ذلك، ونهى عن الغلو والطغيان، فكلا الطرفين مذموم ومخالف للاستقامة.

إذن فالدين الوسط في ميزان الله عز وجل هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. وهو فعل ما أمر به سبحانه، واجتناب ما نهى عنه، بلا زيادة ولا نقصان. ولو تأملنا شريعة الإسلام بكل جوانبها العقدية والعبادية والأخلاقية لرأينا سمة الوسطية والعدل والتوازن واضحة كل الوضوح فيها.

الهوامش

(1) البخاري (220).

(2) البخاري (39).

(3) البخاري (3560).

(4) فتح الباري 1/116.

(5) إعلام الموقعين 3/ 180 – 181، ط. المطبعة المنيرية .

(6) انظر: الموافقات 1/340 ط. دراز.

(7) الأحكام 2/ 176.

(8) الموافقات 1/ 332.

(9) مسلم (653).

(10) البخاري (5205)، ومسلم (2123)۔

(11) البخاري (5336)، ومسلم (1488).

(12) الموافقات 4/134.

(13) انظر: مقدمة كتاب كيف نفهم التيسير للشيخ فهد أبا حسين ص18، 19.

(14) الفقي: كيف نفهم التيسير ص ۰21

(15) انظر: كيف نفهم التيسير ص 92 – 94 باختصار.

اقرأ أيضا

ميزان التجديد والتغيير في الجاهلية

خصائص الميزان الإلهي

التنوير والتجديد والحداثة .. الباطنية الجديدة

 

التعليقات غير متاحة