أسماء الله كلها حسنى ليس فيها اسم سوء، وأوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقص، وأفعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها

جاء ذكر الأسماء الحسنى في أربع آيات من كتاب الله عز وجل وهي:

– قول الله عز وجل في سورة الأعراف: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180].

– وقوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء:110].

– وقوله تبارك وتعالى في سورة طه: ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ [طه: 8].

– وقوله تعالى في سورة الحشر: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: 24].

تفسير قوله تعالى «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها» وما ورد في معناها من الآيات

والكلام هنا عن آية الأعراف؛ حيث يدل معناها على بقية الآيات التي وصف الله عز وجل أسماءه فيها بأنها حسنى.

يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (… وكذلك أسماء الرب تعالى كلها أسماء مدح؛ فلو كانت ألفاظا مجردة لا معاني لها لم تدل على المدح، وقد وصفها الله سبحانه بأنها حسنى كلها، فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ بل لدلالتها على أوصاف الكمال …)1(1) «بدائع التفسير» (2/ 317)..

ويقول في موطن آخر: (أسماؤه كلها أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد؛ ولذلك كانت حسنى وصفاته كلها صفات کمال، ونعوته كلها نعوت جلال، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل)2(2) «مدارج السالكين» (1/ 125)..

وقال عند قوله تعالى: (﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء:110]. أي: إنكم إنما تدعون إلها واحدا له الأسماء الحسنى، فأي اسم دعوتموه: فإنما دعوتم المسمى بذلك الاسم، فأخبر -سبحانه- أنه إله واحد، وإن تعددت أسماؤه الحسنى المشتقة من صفاته؛ ولهذا كانت حسنی.

وإلا فلو كانت كما يقول الجاحدون لكماله: أسماء محضة فارغة من المعاني ليس لها حقائق؛ لم تكن حسنى، ولكانت أسماء الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها، فنزلت الآية على توحيد الذات؛ وكثرة النعوت والصفات)3(3) «الصواعق المرسلة» (3/ 938)..

ويقول أيضا: (والمقصود أن الرب أسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم سوء، وأوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقص، وأفعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم موصوف بصفة الكمال، مذکور بنعوت الجلال، منزه عن الشبيه والمثال، ومنزه عما يضاد صفات کماله؛ فمنزه عن الموت المضاد للحياة، وعن السنة والنوم، والسهو، والغفلة المضاد للقيومية، وموصوف بالعلم منزه عن أضداده كلها، من النسيان والذهول وعزوب شيء عن علمه، موصوف بالقدرة التامة منزه عن ضدها من العجز، واللغوب، والإعياء، موصوف بالعدل منزه عن الظلم، موصوف بالحكمة منزه عن العبث، موصوف بالسمع والبصر منزه عن أضدادهما من الصمم والبكم، موصوف بالعلو والفوقية منزه عن أضداد ذلك، موصوف بالغنى التام منزه عما يضاده بوجه من الوجوه مستحق للحمد لله.

فيستحيل أن يكون غير محمود کما يستحيل أن يكون غير قادر ولا خالق، ولا حي وله الحمد كله واجب لذاته، فلا يكون إلا محمودا كما لا يكون إلا إلها وربا قادرا)4(4) «طريق الهجرتين» (ص 203)..

الإلحاد في أسمائه وصفاته

ويبين -رحمه الله تعالى- معنى الإلحاد في أسمائه عز وجل؛ فيقول: (والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته «ل ح د» فمنه اللحد، وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه الملحد في الدين، المائل عن الحق إلى الباطل، قال ابن سكيت: الملحد المائل عن الحق، المدخل فيه ما ليس منه، ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك، وقوله تعالى: ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: 27]، أي: من أحد تعدل وتهرب إليه وتلتجئ إليه، وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره، تقول العرب: التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه، إذا عرف هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:

أحدها: أن يسمي الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلها، وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم، وآلهتهم الباطلة.

وثانيها: تسميته بما لا يليق بجلاله: كتسمية النصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك.

وثالثها: وصفه بما يتعالی عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود: أنه فقير ، وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم: يد الله مغلولة، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.

ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: أنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات، ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع والبصير، والحي والرحيم، والمتكلم والمريد، ويقولون: لا حياة ولا سمع، ولا بصر، ولا کلام، ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا و شرعا، ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوه صفات کماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي، والمتوسط، والمنكوب، وكل من جحد شيئا عما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك، فليستقل أو يستكثر.

وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه – تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيرا – فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد، وتفرقت بهم طرقه، وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظا ولا معنى؛ بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريًا من التشبيه وتنزيههم خليًا من التعطيل، لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنما أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدما، وأهل السنة وسط في النحل، كما أن أهل الإسلام وسط في الملل، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء. فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره، ويسهل لنا السبيل للوصول إلى مرضاته، ومتابعة رسوله، إنه قريب مجيب)5(5) «بدائع التفسير» (2/ 318-317). .

الدعاء بأسماء الله الحسنى

ويقول في موطن آخر: (قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]. والدعاء بها يتناول دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم يحب كل علیم، جواد يحب كل جواد، وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عفو يحب العفو وأهله، حيي يحب الحياء وأهله، بر يحب الأبرار، شکور يحب الشاکرین، صبور يحب الصابرين، حلیم يحب أهل الحلم، فلمحبته سبحانه للتوبة والمغفرة والعفو والصفح: خلق من يغفر له، ويتوب عليه ويعفو عنه وقدر عليه ما يقتضي وقوع المكروه والمبغوض له ليترتب عليه المحبوب له، المرضي له فتوسطه کتوسط الأسباب المكروهة المفضية إلى المحبوب)6(6) «بدائع التفسير» (2/ 316)..

ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله تعالى- عند تفسير آية الأعراف: (هذا بيان، لعظيم جلاله، وسعة أوصافه، بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن.

وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنی؛ فإنها لو دلت على غير صفة، بل كانت علما محضا، لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال، بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح، لم تكن حسنی، فكل اسم من أسمائه ، دال على جميع الصفة، التي اشتق منها، مستغرق لجميع معناها، وذلك نحو: «العليم» الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، و«الرحیم» الدال على أن له رحمة عظيمة، واسعة لكل شيء، و« القدير» الدال على أن له قدرة عامة، لا يعجزها شيء، ونحو ذلك.

ومن تمام کونها: «حسنی» أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ ، وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب، بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب على یا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، ونحو ذلك.

وقوله: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ؛ أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه، وحقيقة الإلحاد: الميل بها عما جعلت له، إما بأن يسمي بها من لا يستحقها؛ كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها، وأن يجعل لها معنی، ما أراده الله ولا رسوله، وإما أن يشبه بها غيرها، فالواجب أن يحذر الإلحاد فيها، ويحذر الملحدون فيها)7(7) تفسير السعدي (2/175-176). .

ويقول ابن الوزير اليماني: (اعلم أن الحسنى في اللغة: هو جمع الأحسن؛ لا جمع الحسن، فإن جمعه: حسان وحسنة، فأسماء الله التي لا تحصى؛ كلها حسنة؛ أي: أحسن الأسماء، وهو مثل قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الروم:7].

أي: الكمال الأعظم في ذاته وأسمائه ونعوته، فلذلك وجب أن تكون أسماؤه أحسن الأسماء: لا أن تكون حسنة وحسانا لا سوی، و کم بین الحسن والأحسن من التفاوت العظيم عقلا و شرعا، ولغة وعرفا)8(8) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (7/228)..

الهوامش

(1) «بدائع التفسير» (2/ 317).

(2) «مدارج السالكين» (1/ 125).

(3) «الصواعق المرسلة» (3/ 938).

(4) «طريق الهجرتين» (ص 203).

(5) «بدائع التفسير » (2/ 318-317).

(6) «بدائع التفسير» (2/ 316).

(7) تفسير السعدي (2/175-176).

(8) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (7/228).

اقرأ أيضا

العلم بأسماء الله الحسنی وصفاته العلا

كيف يكون الإيمان بالأسماء والصفات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (1-7) علوم ضرورية، العلم بالأسماء والصفات

 

التعليقات غير متاحة