للإصلاح طريق نبوي راشد كريم، وثمة طرق يطلب فيها أصحابها إصلاحا فيبذلون ويأملون ثم لا يدركون ما أدركه المصلحون على منهج الأنبياء. كما أن ثمة مخاوف أن يكون بعض “المصلحين” معبرا لآخرين..!

الخبر

“أعلنت شخصيات سعودية معارضة تشكيل حزب باسم “التجمع الوطني” لتأسيس مسار ديمقراطي للحكم بالسعودية، في أول تحرك سياسي منظم ضد السلطة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.

وقال بيان تأسيس الحزب إن هدفه تجنب انزلاق البلاد إلى اضطرابات أو مسارات عنيفة، وتعزيز تعاون السعودية مع العالم إقليميا ودوليا بما يخدم مصالح الشعب. ودعا بيان تأسيس حزب التجمع الوطني إلى مجلس نيابي منتخب بالكامل، وفصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وفق ضوابط دستورية. كما تحدث الحزب في البيان عن “انسداد الأفق السياسي”، داعيا إلى التغيير السلمي لمواجهة “انتهاج السلطة المستمر لممارسات العنف والقمع”.

ومن بين أعضاء الحزب الجديد يحيى عسيري رئيس منظمة القسط الحقوقية التي تتخذ من لندن مقرا لها، وعبد الله العودة ابن الداعية الإسلامي المسجون سلمان العودة، والأكاديمي البارز سعيد بن ناصر الغامدي، والناشط الشيعي أحمد المشيخص. وقال عبد الله العودة لرويترز إن حزب التجمع الوطني يهدف إلى تأسيس حركة وطنية بالعمل مع “الجميع داخل الأسرة الحاكمة وخارجها”.

وقال الحزب في بيانه: “نعلن عن إنشاء حزب التجمع الوطني الذي يهدف إلى التأسيس للمسار الديمقراطي كآلية للحكم في المملكة العربية السعودية.. نتبنى حقوق الإنسان وضمان الحريات بلا تمييز والحق في التعبير والتجمع وإنشاء الجمعيات المدنية المستقلة..” (1موقع “الجزيرة”: يحمل اسم التجمع الوطني.. معارضون سعوديون يعلنون تأسيس حزب سياسي في الخارج
موقع “CNN”: ببيان وقعه 6 فقط.. تأسيس حزب التجمع الوطني المعارض للسعودية بالخارج
موقع إعلان الحزب على تويتر: حزب التجمع الوطني
)

التعليق

أولا) في أوضاع الاستبداد والفساد يواجهها الناس بطرق شتى. وقد يواجهها البعض بترك جزء من الحق الذي معهم، وتأثرا بأطروحات غير المسلمين ومناهجهم. وفي هذا من الخطورة ما فيه.

يجب أن يعلم المسلمون أن الغرب مستفيد من الوضعين المطروحين في بلادنا؛ أوضاع الاستبداد والفساد والعلمانية المقنَّعة وما يقوم به المستبدون من خدمة العدو وتنفيذ أجندته في بلادنا ضد ديننا ومقدراتنا وكرامتنا وفي أخلاق الناس وأوضاعهم الاجتماعية، وفي التمكين للعدو الصهيوني وقواعد العدو الصليبي..

فإن خرج الناس عن هذا كان التمهيد بالبديل الذي ينتهج الطرح الغربي، المتأثر بالنصرانية الغربية وأطروحاتها العلمانية فيختارها الناس عن رضا وطواعية..! وعن شوق وانتظار للخروج من أوضاع الاستبداد..!! وكأنه ليس هناك خيار إلا ما بين هذين. وهذه القسمة خطيرة ومرفوضة.

ثانيا) والديمقراطية ـ كمذهبٍ ـ أصولها مناقض لشريعة رب العالمين بل للتوحيد، فهي ترد الأمر الى الناس، وعقيدة المسلم ترد الأمر الى رب الناس رب العالمين.

وأما ما فيها من مشاركة وحريات؛ فهذه مكفولة في منهج الله، بالشورى الملزمة وعمل أهل الحل والعقد الذين تختارهم الأمة ليمثلوها تمثيلا حقيقيا، للمشاركة والشورى والحسبة (الرقابة) على الإمام.

ولا يقال أن الإسلام يشبه الديمقراطية؛ ولكن إن كان ثمة مشابهة في الديمقراطية للإسلام من حيث احترام حريات وحقوق الانسان، أو الشفافية والمساءلة وحق الأمة في الرقابة على الإمام.. فتلك حقوق للأمة أعطاها الشرع إياها؛ بل هي واجبات على الأمة تجاه الحكام فهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلا كان الوعيد بأن «تدعو فلا يستجاب لكم» أو «يضرب الله قلوبكم بقلوب بعض».. الى ما جاء به التشديد النبوي في هذا المجال. ومن هنا فالديمقراطية هي التي تشبه الإسلام في بعض أوجهها؛ ولكن ينبغي لهذا الشَبه ألا يعمي أنظارنا عن الاختلاف الأصيل، العقدي والكبير، في رد الأمر لله أو لغيره، وفي التلقي عن الله أو التشبه بالنصارى في الغرب؛ فلن نكون عندها إلا مسخا شائها.

ثالثا) ومن هنا فالإجمال في شأن “السلطة التشريعية” أمر مريب وهو باب لا يصرح أصحابه بالمقصود تماما منه، لأن الشر كله يأتي من قِبله. فعندما يقرر المسلمون الفصل بين السلطات حتى لا يتأثر القضاء بالحكام أو يتأثر المجتهدون كذلك بأهواء الحكام والسلاطين؛ إلا أنه لا بد من تقرير معنى السلطة التشريعية وضوابطها..

وضوابطها الضرورية التي لا يفارقها مسلم هي رد الأمر الى الله وحده، بإسناد حق التشريع لله دون غيره، فيلتزم أحكام رب العالمين ويُجتهَد فيما استجد بضوابط الاجتهاد وبوجود أهل الخبرة والاختصاص؛ لصحة الاجتهاد.

وبدون هذا التوضيح والتفصيل ففي الأمر من الإجمال ما يتوصل به الى تحقق وقوع الشرك بإسناد حق التشريع لغير الله تعالى، على النمط الغربي، في علمانية صريحة يُطلب من أهل بلاد الحرمين أن يقبلوها بل أن يطالبوا بها..!

رابعا) وأما “الوطن” فيجب كذلك توضيح المقصود به، فالمفهوم الوطني بالمعنى المعاصر يستلزم التولي بغير ولاية الاسلام، وتولي غير المسلمين، وتذويب الفوارق بين السنة وأصحاب البدع بما يعطي فرصة للرافضة للتوصل الى مآربهم والتوصل الى “حق!!” سب أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأوزاجه رضي الله عنهن..!

فولاء الإسلام مقدَّم وهو الرابط بين المسلمين. وأما الوطن فالعمل في إطار أرض معينة بحسب القدرة هذا أمر، وهو طبيعي؛ ولكن الولاء بالمفهوم الوطني المعاصر المقدَم على الاسلام؛ فهذا أمر آخر مناقض لدين الله ويحوّل الأوطان الى أوثان.

خامسا) ورد كذلك مصطلح “حرية التدين” وأن الحزب يتبنى ذلك.

وهذا دائر على عدة معاني يستلزمها هذا المبدأ.. فيستلزم حرية الردة عن دين الله. ويستلزم قبل ذلك تنحية أحكام الشريعة وعدم إلزام الناس بها تحت زعم وغطاء “حرية التدين” ثم يلزمونهم بقوانين وأحكام أخرى يخضع لها الجميع..! وهذه لعبة العلمانية المكررة والسمجة للانسلاخ من دين الله ومفارقة منهجه ليصبح عقائد فردية تحت تهديد الإلحاد..! وأخلاق وسلوكيات فردية تحت تهديد تطور الأخلاق الوافدة..!! حتى يندرس الإسلام بأيدي مثل هؤلاء وغيرهم. ولهذا فيجب الحذر الشديد من شعارات رنانة تحتها سم زعاف.

سادسا) أصحاب هذا الطرح لم ينطلقوا من دين الله تعالى وتوجُّه الأمة، فلم يَرِد ذكر للاسلام ألبتة وكأنه خطاب علماني أو يساري.. فهم ينطلقون بمنطلقات غربية للخروج من مأزق الاستبداد والفساد الذي يستند الى تزييف دين الله تعالى. فتبنوا الطرح الغربي صليبي الهوى والمشرب، علماني التوجهات والمنطلقات بدلا من رفض الطرحين، والانطلاق من صحيح دين الله ومن الصورة الراشدة في التطبيق ـ وهناك نماذج معاصرة لحركات إسلامية تنطلق من الإسلام وهويته وشريعته ومن النموذج الراشد للتطبيق المعاصر مع التزام حق التشريع لله وهوية الأمة ومواجهة الهيمنة الصليبية على العالم الإسلامي.

فلمذا يتركون هذه النماذج ويطرحون طرحا نصرانيا غربيا صرفا..؟!

سابعا) لما لم ينطلقوا من منطلقات أمتهم فلن يجدوا دعما منها، وما من حراك مثل هذا إلا وله داعموه، ؛ بل بغير دعم فإن أصحاب هذا الطرح سيطلبونه من قوى التأثير الغربي، لأنهم يعلمون جيدا أنهم عند التغيير سيصطدمون بالمصالح الغربية الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في بلاد الحرمين الكريمة؛ فهم يعلمون أن حراكا مثل هذا لن ينجح بغير دعم شعبي جارف ـ لا مجرد أشخاص أو هيئات متغربة ـ أو بدعم خارجي يرى أنه استنفذ مصالحه من الأوضاع الحالية فيدعم عندئذ التغيير.

لهذا فنخشى أن يكون مآل مثل هذه المنظمات والأحزاب أن تكون ظاهرة إعلامية أو توجهات مهيِئة لتيار إصلاحي بعيدا عن الدين يستكمل به الغرب ما بدأه مع الأوضاع الحالية..! فإذا بمن أراد الإصلاح لا يُصلح بل يفسد أكثر مما يُصلح ويصبح مركبا للغرب وورقة في يده للتلويح والضغط بها لمزيد من التنازلات والصفقات والبيع.

لا أمان إلا في الطرح الملتزم بدين الله، عقيدةً وشريعةً وهويةً، والمتلاحِم بالأمة ينطلق منها وبها، ولا يفارق هويتها ولا يطرح أطروحات أجنبية عنها، يحاول تركيبها على الأمة فيدخل الناس في حلقة جديدة من الفراغ والاغتراب، وما فيه من ضلال وغواية وإضعاف لدين الله تعالى. ثم يستنفذون عقودا في الفوضى والضياع ويبقى نداء هذا الدين إذا استجابوا له هو المنقذ.

خاتمة

هذه الأمة لا تنهض إلا بدين الله؛ إذ إن وجودها مرتهن بها، هو اسمها ودينها ومنهجها وعبادتها ﴿هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا..﴾.

وما يرجوه الحقوقيون والمدافعون عن “حقوق الإنسان” من دفاع ضد الظلم والعسف والقهر والاعتقال والتعذيب والقتل، وهي مقاصد خيّرة وطيبة، ولكن طريقها هو هذا الدين، والانطلاق من ثوابته وأحكامه وقيمه. وكل مفارَقة للإسلام وأهله لا يُرجى منها خير، ولن يجدوا في الأمة تجاوبا كما تتجاوب مع علمائها المخلصين ودعاتها وقادتها.

وأخيرا فالحركة الإسلامية متوافرة في بلاد الحرمين ومصر والخليج والمغرب، والحمد لله. ولها أطروحاتها ونضالها وتضحياتها؛ فيجب البناء على ذلك وترشيده وإنضاجه؛ وليس التنكر لها وتسول مباديء وشعارات لترضي الغرب ليدعمهم ثم يفشل الأمر برمته.

فطريق الإصلاح هو منهج النبوة، ولنكن على بينة من قول شعيب عليه السلام ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88). ولا صلاح في غير هذا المنهج. وبالله التوفيق.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة”: يحمل اسم التجمع الوطني.. معارضون سعوديون يعلنون تأسيس حزب سياسي في الخارج.
    موقع “CNN”: ببيان وقعه 6 فقط.. تأسيس حزب التجمع الوطني المعارض للسعودية بالخارج.
    موقع إعلان الحزب على تويتر: حزب التجمع الوطني.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة