رغم تنازل الخونة من علماء الأزهر للدولة العلمانية لكنهم مقموعون حتى في أدوارهم التي رضيها منهم العلمانيون، وقد نسوا تنازلاتهم ليبالغوا في استبعاد دور الدين من الحياة.

الخبر

“أحالت اللجنة الدينية في البرلمان مشاريع القوانين المعروضة عليها إلى مؤسسة الأزهر لاستطلاع الرأي الشرعي فيها، بما أنها تتعلق بمسائل دينية تخص الزواج والنفقة على الزوجة والطلاق وغيرها. غير أن مؤسسة الأزهر رأت أن تتقدم بمشروع قانون متكامل عكفت عليه هيئة كبار العلماء على مدى نحو عام كامل، وصاغته لجنة خاصة بقرار من شيخ الأزهر.

وتعرض مشروع الأزهر لانتقادات شديدة من جانب بعض أعضاء البرلمان والناشطين المهتمين بالحقوق السياسية والاجتماعية، باعتبار أن الأزهر تجاوز دوره في طرح مشاريع قوانين، بما يعد تدخلا في عمل المشرعين والمختصين، ويحول البلاد إلى دولة دينية، كما أن دور الأزهر في مراجعة القوانين المعروضة عليه هو دور استشاري “غير ملزم”.

وانتقدت النائبة “آمنة نصير” (أستاذة أزهرية..!)، طرح الأزهر مشروع القانون، بزعم أن دوره فقط إبداء الرأي الديني فيما هو معروض عليه لكي تتوافق القوانين مع أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، وفقا للدستور المصري.

ويقول نائب آخر ممن تقدم بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية إن مشروع القانون المقدم من الأزهر يضع “المشرعين” في حرج بالغ عند مناقشة هذا القانون لأنه يأتي من هيئة دينية تستند إلى أمور “قطعية الثبوت والدلالة”، تتعلق بالقرآن والسنة المؤكدة.

وأضافت اللجنةأن تدخل الأزهر في التشريع يدخل البلاد إلى دائرة الوصاية الدينية التي تخلق مشاكل عديدة، خاصة بين اتباع الديانات الأخرى.

وتقول اللجنة الدينية في مجلس النواب إنها تعكف حاليا على مناقشة بعض مقترحات وردت إليها من بعض الأعضاء لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وأنها قد تأخذ في الاعتبار المشروع المقدم من الأزهر، لكنه لن يكون الأساس الذي ستبني عليه هذه التعديلات”. (1موقع BBC عربي، 28/10/2019، على الرابط:
مشروع قانون الأحوال الشخصية: نواب ونشطاء بمصر يرفضون ما قدمه الأزهر باعتباره وصاية
)

التعليق

لمحة عن تاريخين للأزهر

قام الأزهر الشريف بأدوار تاريخية مشرفة زخرت بالعز بن عبد السلام ومن خلفه من علماء ساندوا أمراء المسلمين والأمة في أزماتها ،والوقوف في وجه الوثنيين التتر أو الحملات الصليبية القديمة أو الحديثة كالحملة الفرنسية، والوقوف في وجه جور الأمراء واستبدادهم. ولكن بعد تأميمه من قِبل الطاغية “جمال عبد الناصر” أصبح هيئة تابعة لمؤسسات الدولة العلمانية وتابعا لقراراتها ومبررا لطغاتها؛ كما تسللت اليه مفاهيم منحرفة بعضها علماني كما فعل “علي عبد الرازق” سابقا.

وبرغم ذلك لم يُعدم الأزهر من العلماء المخلصين الذين صدحوا بالحق وصدعوا به.

في الآونة الأخيرة ومنذ الانقلاب العسكري عام (2013) وقد شارك طغاة الأزهر طغاة العسكر لوأد أي توجه إسلامي في المجال السياسي وقيادة الدولة ومجال التربية والتعليم والإعلام والقضاء والحسبة.. وغيرها من مجالات الحياة التي تقتضي فتح الطريق أمام عودة هيمنة الإسلام على الحياة وتوجيهها، ويقتضي عزة المسلمين في بلادهم بل وفي العالم..! وشارك طغاةُ الأزهر في قتل علماء الأزهر الصادقين وأبناء الأمة من الشباب المؤمن في الميادين وعلى أعواد المشانق.

شارك الفاسدون في الأزهر في إعزاز النصارى والملاحدة، وانتشار الإلحاد والإباحية، وإقصاء الإسلام من مجالات التعليم والإعلام والهوية والقضاء والحياة برمتها؛ إلا ما بقي لهم من مجالات خدمة الطغاة وما أبقى لهم الطغاة من دور يمارسونه فيما لا يضر علمنة الدولة والحياة وسلخ المسلمين وأبنائهم من الإسلام.  وهم يقومون الآن بدور ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران: 78)

وما يتم الآن من سلخ أجيال الأمة من الأخلاق وترسيخ الفجور والتبرج الفاحش والعلاقات المحرمة والأفكار المصاحبة لها، وكذلك انتشار الإلحاد وبرامجه والتشكيك في الأصول والثوابت إنما يتم بحماية طغاة الأزهر وفاسديه بعد قتل وحبس وإقصاء الصالحين منهم. وبسبب إعطائه شرعية للطغاة المرتدين.

تجاوز للدور..!

وعندما تجاوز بعض الأزهريين استعلاءَ العلمانيين والملاحدة، وظنوا أنهم بمجرد تقديمهم لمشروع قانون متكامل يتضمن أحكاما شرعية وبشرطين:

الأول: أنه في إطار “الأحوال الشخصية” لا أكثر. ولا يتعداه الى بقية أحكام الحياة؛ حيث ظن الأزهريون أنه يمكن تقديم صورة متكاملة ولو في هذا المجال فقط الذي حدده لهم طغاة العلمانيين.

الثاني: أنه مشروع “مقترح“، ولا يكون قانونا بمجرد ثبوت كونه تقنينا للأحكام الشرعية؛ بل لا يكون ملزما إلا بعد موافقة النواب العلماني منهم والنصراني والملحد والجاهل والمخابراتي وغيرهم.

وبرغم ذلك هاج المجرمون وتصارخوا أنهم لا يقبلون من علماء الأزهر مجرد التفكير في عمل قانون ملزم، ولا يقبلون منهم مجرد “الإحراج”..! أن يجد النواب أمامهم مشروعا إسلاميا أو شرعيا يتصل بأحكام الشريعة رغم اعترافهم أنه “قطعي الثبوت” “قطعي الدلالة” وأنه واجب الإلزام للأمة..!

إنها إرادة التحلل التام مما أنزل الله وإرادة التمرد عليه سبحانه وإرادة رد أحكامه جل جلاله.

المصدر الإلزامي

وهذا يوضح حقيقة أخرى مهمة. وهي تحديد “المصدر الإلزامي” في التقنين والتشريع.

في الإسلام وعند كل مسلم وبقتضى عقيدته وتوحيده لربه تعالى فإن مصدر الإلزام له بالأحكام هو “الله” سبحانه، ودور المسلم هو التثبت من أن هذا أمر الله تعالى؛ أوحاه في كتابه أو لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وعند التثبت من ذلك فما عليه إلا التسليم والقبول؛ فلا يُعرَض قول الله ورسوله على قول أحد من الناس ليوافق عليه أو يخالفه. وهذا هو مقتضى العبودية ومعناها؛ فهذا أصل الطاعة وهو معنى الإستسلام لله بقبول أحكامه والتزامها.

في الأنظمة العلمانية المعاصرة تحدث زحزحة وصراع “دموي” و”إعلامي” و”تشويه” وملايين الأموال تنفق من أجل ألا يدين المجتمع لله تعالى ولا يكون مصدر إلزامه بالقوانين هو الله سبحانه. ولهذا يصرون على أن “البرلمان” هو المصدر المخوّل له “إصدار القوانين” وأنه لا “يُشترط” موافقة الشريعة ولكن فقط “يُنصح” بأخذ “رأي” الشريعة “لا على سبيل  اللزوم”. وأن له مخالفتها والأخذ بالقوانين الحديثة في أي دولة غربية أو شرقية بلا قيود.

والعجيب أن بعض “الإسلاميين” ورموز الصراع مع العلمانية يعاني من لبس في هذه المسألة. ولهذا حديث آخر.

لكن ما نود توضيحه هنا هو رضا علماء الأزهر بهذا الدور ـ الدور الاستشاري  والجزئي ـ ثم التراجع الى الخلف بأدب..! حتى يقرر سيدهم العلماني الملحد ما سيأخذ وما سيترك..!

لم يكن هذا يوما دور العلماء بل كانوا سادة الموقف، وأمراء التوجيه، وفي طليعة الأمة في الدنيا.. حتى أنهم لهذا الدور فإنهم السادة الذين سيتكلمون يوم القيامة ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (النحل: 27).

لكن من خرس هنا أو بدل وهان على نفسه وهان عليه أمر ربه؛ فحُق له الخزي في الدنيا مع ما ينتظره في يوم عظيم ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (المطففين: 6)

……………………………

هوامش:

  1. موقع BBC عربي، 28/10/2019، على الرابط:
    مشروع قانون الأحوال الشخصية: نواب ونشطاء بمصر يرفضون ما قدمه الأزهر باعتباره وصاية

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة