فلسطين عنوان وترجمة لقوة الأمة وحالتها وعلاقتها بربها. إنها محصلة لأوضاع يجب أن تصحح، وعقوبة لأوضاع منحرفة وذنوب يجب أن تخرج منها الأمة.

الخبر

“رافقت الجزيرة الفلسطيني “خليل درويش أبو سمير” في زيارة إلى مسقط رأسه في قرية إجزم (جنوب مدينة حيفا) التي هجّره الاحتلال منها في نكبة عام 1948. ولم تخرج عائلة أبو سمير إلى الشتات كحال كثير من الفلسطينيين، بل عاشت في قرية “الفريديس” المحاذية لقرية “إجزم” داخل الخط الأخضر.

وخلال الزيارة، واجه أبو سمير مع زوجته، زوجين إسرائيليين يقيمان في المنزل الذي أقيم على أنقاض داره المغتصبة؛ فأعلنا أنهما سعيدان لا وخز للضمير ولا تحرج من اغتصاب منزل الأسرة المسلمة.

وقد أحيا الفلسطينيون أمس الجمعة (15 مايو/أيار) الذكرى 72 للنكبة، حيث أطلقت صفارات الإنذار مدة 72 ثانية، ورفعت الأعلام الفلسطينية والرايات السوداء”. (1موقع “الجزيرة”، 16/5/2020، على الرابط:
بذكرى النكبة.. فلسطيني يواجه ساكن منزله المغتصب في حيفا
)

التعليق

كان المشهد مؤثرا الى حد بعيد والأسرة المسلمة تقف أمام منزلها الذي اغتصبه اليهود يستمتعون به، تسألهم ألا تشعرون بوخز الضمير..؟ قالوا: لا، بل نحن في سعادة ومرتاحون.

المشهد عيّنة ومثال، كما لم يقْوَ الكثير من الفسطينيين على المرور أمام منازلهم ليشاهدوها وهي مسروقة.

هنا كأنك تشاهد قول الله تعالى ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا…﴾ (البقرة: 246) العجيب أن المواقف تبدلت وأصبح يهود الأمس الذين كانوا حلقة تمثل الإسلام في ذلك الزمن؛ كفارا بنبيهم وببقية الأنبياء وملعونين على ألسنة الرسل، ومن السماء. وأصبح غيرهم هم المسلمين، وتسري عليهم السنن التي تسري على من فرط في دين الله تعالى وفيما أوجب الله عليهم.

الموقف كله يحكي الآية؛ موقف الأسرة المسلمة أمام منزلها المسروق المغتصب، وموقف الأمة المسلمة في فلسطين أمام عدوها المباشر، وموقف أمة محمد اليوم أمام العدو الصهيو صليبي والعلماني المباشر.

الحقيقة الكبيرة هنا والتي يجب إدراكها، وتعليمها لمن يجهلها، وتذكير من يعْلمها؛ حتى يستجيبوا جميعا لها؛ وهي أن الله تعالى جعل سننا للنصر والعز والتمكين، وسننا أخرى للهزيمة والذل والتراجع. هذه السنن هي قوانين صارمة وجادة للحياة. في كتاب الله تجدها مشروحة يذكّر تعالى بها مرارا وتكرارا، ولهذا فالقرآن ليس فقط كتابا واعظا ليذكر بالآخرة في انفصالٍ عن الدنيا؛ ولكنه الكتاب الهادي الذي يتضمن المواعظ المذكرة بالآخرة، ويتضمن السنن التي تقوم عليها صلاح المجتمعات واستقامتها، وصلاح الأمة وعزها وتمكينها، ويحذّر من القوانين المفضية الى الذل والتراجع والهزيمة.

أمثلة لانحرافات أدت الى واقعنا المنهزم

عندما تنحرف الأمة عن شريعة الله وتحل مكانها قوانين مبدلة؛ فتلك جريمة عقدية.

وعندما تترك ولاية الإسلام كمحور استقطاب وتجمّع للأمة وتنصرف الى قوميات ووطينات بل وقبليات؛ فتلك جريمة عقدية.

وعندما تسود الصوفية المنحرفة، بل المخرفة؛ بعقائد الحلول والقدرية الجبرية المشركية التي تستلزم الحالة السلبية في الحياة وفي مواجهة العدو وفي التفريط في الشرع، ومعها عبادة الأولياء والأضرحة والمشاهد والبدع العظام في هذا المجال فتلك جرائم عقدية..

وعندما تسود عقيدة الإرجاء فيأمن الناس بعمل المحرمات والتفلت من التكاليف بل وبالممارسات الشركية للبعض.. فتلك جريمة عقدية.

عندما تتبوأ الصدارةَ نخبة من صناعة الغرب فيغرّبون الأمة ويشككونها في دينها ويزهدونها في مشربها الأول والأصيل وتنبهر الأجيال بحضارة عدوها وتستكين له بل ولا يجدون تناقضا معها عندما يحتل بلادهم؛ فتلك جريمة عقدية..

أمر الله باكتساب العلم والقوة والتكنولوجيا الحديثة كفرض كفاية  في امتلاك ما تحتاجه الأمة ويحميها؛ ولكن رضي الناس بحالة غريبة من الجهل والتخلف والفريط واستيردا السلاح من العدو ليتحكم فيهم وفيما يمتلكون..!

هذا ناهيك عن تبدل القيم وشيوع المعاصي وجريانها بوضع استقرار وكأنها معروف. ولولا قطاعات أخرى من الأمة متمسكة بدينها وقائمة به، من الطائفة المنصورة التي تميزت بها هذه الأمة؛ لكان الأمر أسوأ.

هذه الجرائم لها عقوباتها. وقد أدت الى ضياع فلسطين ثم تبعتها حبات الخرز فسقطت العراق والتهمها الرافضة وإيران، وقسمت السودان، ثم سقطت سوريا، وليبيا الى تقسيم، مع معاناة بقية بلاد المسلمين؛ حتى وصلوا الى عدم القدرة على الالتفات الى أمتهم في فلسطين، لأن المأساة أصبحت في بلادهم أكبر؛ بل حدث من التغير في العقائد والمفاهيم والتأثر النفسي والدعاية الكاذبة ما انصرف بعضهم عن هذا الاهتمام بل وانقلبت مواقفهم لصالح الصهاينة..!

وقديما حينما اجتاح التتار بلاد المسلمين ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن العلماء ذكروا أن الخلل في الأمة الذي سبق اجتياح التتار جعل “هولاكو” للمسلمين عقوبة كـ “بختنصر” لبني إسرائيل؛ كان لكلٍ عقوبة لما فرَّط في زمنه. (2مجموع الفتاوى،  جـ 13، صـ 180)

ومنذ قرنين ونحن في تفريط متتالٍ من دبيب القوميات الى تسلل العلمانية الى استصحاب انحرافات الصوفية وشركياتها وخرافاتها الى المزيد المعروف.

كانت سقوط فلسطين أمرا متناسبا مع التفريط كعقوبة.. والى الآن لم تعتدل الكفة لتختلف النتيجة وتعتدل عما هي عليه اليوم؛ بل الأمور الى استمرار الأوضاع وتأزمها وتعمق الانحراف؛ بل ودفاع الأنظمة عنه بسلاح أبناء الأمة أنفسهم..!

خاتمة

هذا الدين منهج للخلْق ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ (عبس: 12) وقد كُلف به بنو اسرائيل في زمنهم فقاموا به حينا ثم انحرفوا فنُزعت منهم الراية. واليوم لا زالت أمة محمد منوط بها الراية. وعندما تخالف أمر الله تعالى فقد سلط الله عليها عقوبة متمثلة في تحكم وسيادة نسل من مسخوا قردة وحنازير، شياطين البشر؛ من اليهود. حتى يرجعوا الى دينهم. وسيرجعون إن شاء الله.

إن التغيير يجب أن يكون عاما؛ لأن الغرب يواجهنا عامة، وإسرائيل واجهة فهل يواجه الغربَ أنظمةٌ تسير في تبعيته..؟

إننا لم نغير من أمورنا ما يترتب عليه تغيير الله تعالى لنا ما بنا كما وعدَنا سبحانه.

إن الله لا يخلف وعده، ولكن علينا عبودية وشروط لا بد أن نستوفيها ليتغير واقعنا. فإن ثمة قوم أدركوا أنهم لما أُخرجوا من ديارهم وأبنائهم أنه قد وجب عليهم الجهاد فعادوا للجهاد فنُصروا؛ ولكننا الى هذه اللحظة قد تم التآمر على الجهاد ثم تمادى الناس الى تسميته إرهابا واستُنكر على الأمة أن تقاوم لاسترداد حقوقها.

مأخذ استرداد القدس هو مأخذ القانون الرباني الذي أمر الله به؛ وإلا استمرت المحنة وبقي المشردون واستمتع الباغون..!

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة”، 16/5/2020، على الرابط:
    بذكرى النكبة.. فلسطيني يواجه ساكن منزله المغتصب في حيفا
  2. مجموع الفتاوى،  جـ 13، صـ 180.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة