واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق، وحذّر اللهُ ورسولُه منه، وقد آذى المنافقون الأمة على مدار تاريخها منذ الفتنة الكبرى، واليوم يشرئبّ في صور جديدة ينخدع ببعضها المجاهدون.

كيد خطير

كانت فتنة المنافقين من أشدّ الفتن التي تعرَّض لها المسلمون في تاريخهم الطويل ذلك لأنَّهم يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر والزندقة، فينخدع النّاس بظواهرهم ولا يأخذون حذرَهم منهم، وهو ما يهيئ للمنافقين الجوّ المناسب في المكر بالمسلمين والكيد لهم وهم لا يشعرون، وهذا بعكس الكافر الواضح حيث يؤخذ الحذر منه ويجاهَد ولا يمكَّن له بين المسلمين.

لهذا كان خطر المنافقين في الصف المسلم أخطر بكثير من الكفّار المجاهرين للمسلمين بالعداء.

ولقد ظهر كيد المنافقين في عهد مبكِّر مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المدينة، حيث عانى منهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون الأمرَّين؛ وذلك ممَّا يثيرونه من البلابل والكيد والتخذيل…إلخ.

وما موقف رأس المنافقين وتخذيله يوم أحد، وكذلك إتيانه بالإفك على أمّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بخافٍ، على أحد، ومن أجل ذلك كان عذاب المنافقين أشدٌّ من الكفَّار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ (النساء: 145).

ولقد جاءت آيات عديدة في فضحهم والتحذير من شرِّهم، ومن أراد الوقوف على هذه الآيات فليقرأ صدر سورة البقرة وسورة التوبة وسورة المنافقين وغيرها.

ومن أوضح الآيات التي حذَّرت من شرِّهم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران: 118).

وكذلك ما وَصَفهم به في قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة: 9).

وإنَّ أثر المنافقين لم يتوقَّف على عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، بل كان ممتداً طيلة التاريخ الإسلامي مروراً بدوْرهم في قتل الفاروق، رضي الله عنه، وما تلا ذلك من الفتن الطاحنة بعد مقتل عثمان، رضي الله عنه؛ حيث كان الباطنيون المنافقون هم مَن وراء ذلك كلّه، كما أنَّهم كانوا هم الذين حرَّضوا التتار المغول على اجتياح عاصمة الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت، وكانوا بطانة سوء للخليفة العباسي، فمهَّدوا لهذه المأساة العظيمة التي لم يمرَّ على المسلمين مثلها في الذل وكثرة القتلى، حتى قال المؤرِّخ ابن الأثير وهو يرويها: “يا ليت أمِّي لم تلدني”، هذا وهو لم يشهد هذه الفواجع العظيمة بل هاله مجرَّد سماعها.

ظهور النفاق في صور معاصرة ومخادعة

واستمر أثرُ المنافقين حتى ظهر في عصرنا الحاضر بأشكال وأنماط خبيثة ماكرة لم يسبق لها نظير حتى خيف على خاصّة المسلمين ودعاتهم وعلمائهم من الانخداع بها، فضلاً عن عامّتهم وجهلتهم، وفيما يلي ذكر بعض هذه المكائد لعلّنا نحذرها ونقطع الطريق على أهلها..

نفاق الرافضة ورواجه على المجاهدين

ما يقومُ به الباطنيون الرافضة من نفاق وخداع لبعض من يجهل عقيدتهم وتاريخهم من أبناء المسلمين، وذلك بما يُظهرونه من حبٍّ، خداعا لأهل السنّة، أنّهم تخلّوا عن عقائدهم الباطلة من سبّ الصحابة، وقولهم بتحريف القرآن، وادعاء العصمة لأئمتهم..إلخ.

وهذا كلّه تقية ونفاق ليحقِّقوا من خلاله امتصاص العداء الذي يكنّه الموحِّدون لهم، ويكسبوا عواطف المسلمين بهذا الخداع، وهذا واضح فيما تتبنَّاه دولة الرافضة اليوم من تقارب مع أهل السنّة جماعات وأفراداً.

وممَّا يزيد الأمر فتنة وخطراً انخداع بعض أهل السنَّة بما يُظهرونه من تأييد لبعض القضايا الإسلامية السٌّنية، كالقضية الجهادية في فلسطين، ووقوف الحزب الشيعي المسمَّى “حزب الله” أمام اليهود في الجنوب اللبناني وصموده أمامهم، في وقت تخاذل فيه أكثر المسلمين أمام اليهود، واستسلموا للسلام المهين، وهذا فتنة بلا شك.

ولكن كلّ هذه الأمور لا يصح أن تنطلي على المسلم الواعي بعقيدته وعقيدة الرافضة، وذلك أنَّهم لم يغيِّروا من عقيدتهم شيئاً، وإنَّما هذا هو شأنهم في كلّ وقت يشعرون فيه بمنابذة النّاس لهم، وهم ينتظرون اليوم الذي يتمكّنون فيه فيعلنون فيه عقائدهم الباطنية، ولا يرقبون بعد ذلك في مؤمن لا يوافقهم إلاًّ ولا ذمَّة، فخذوا حذركم أيٌّها المسلمون!

وإن أخطر ما في هذا النفاق أن يوجد من بعض الحركات الجهادية والجماعات الإسلامية من ينخدع بهم، ويدخل في تحالفات معهم، أو يقبل المعونات منهم، وفي هذا خطر على مستقبل الدعوة والجهاد، واحتواء المنافقين لهم، وحرفهم لمسيرتها.

تشويه أهل الخير والصلاح

ومن صور الخداع والتلبيس التي قد ينخدع بها بعض السٌّذج من النَّاس ويسقطون في فتنتها:

ما يرفعه المنافقون في أكثر بلدان المسلمين في وجه أهل الخير والإصلاح من أنّهم دعاة شرٍّ، وإرهاب وفساد، وما تجلبه وسائل الإعلام المختلفة وتدندن به على وصفهم ورميهم بهذه الأوصاف الظالمة.

حتى تأثرت بذلك بعض الأدمغة المخدوعة فسقطت في فتنتهم، ورددت معهم هذا الظلم والخداع، ومن ثم تعرَّض أهل الخير للأذى والنكال باسم المصلحة الشرعية ومكافحة الإرهاب والفساد وذلك بعد أن تهيأت أذهان المخدوعين من المسلمين لهذا الخداع والتلبيس.

اهتماماتٌ خادعة

اهتمام الحكومات العلمانية ببعض المناسبات الإسلامية كالاحتفال بمولد الرسول، وهجرته، صلى الله عليه وسلم، أو ليلة النصف من شعبان، أو الإسراء والمعراج… إلى آخر هذه المناسبات التي لا أصل للاحتفال بها شرعاً، وإنّما هي من البدع المحرّمة.

ومع ذلك ينخدع بهذا التلبيس كثير من دهماء المسلمين، وتتحسّن صورة أولئك المنافقين الذين يضلِّلون الناس بهذا الخداع، ويبدون في أعين المخدوعين أنَّهم يحبون الإسلام ويغارون عليه، وهم أبعد ما يكونون عن الإسلام وأهله.

وهل يحبّ الإسلام ويعتزّ بالانتماء إليه من يرفض الحكم به والتحاكم إليه، ويبدّل شرع الله المطهّر بنحاتات الأفكار، وزبالات الأذهان الجاهلة الظالمة؟ لا، والله! إنَّ مثل هذا يكذب في ادعائه حبَّ دين الإسلام قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (آل عمران: 31)، فهل يعي هذا المخدوعون المضلِّلون؟

مؤتمرات ضرار معاصرة

وممَّا يدخل في هذه الصورة أيضاً من صور التلبيس ما يقوم به بعض المنافقين المحادِّين لشرع الله، عز وجل، من إقامة بعض المؤتمرات أو الندوات الإسلامية، ويدعون إليها بعض العلماء والدعاة فيستجيب من يستجيب، ويرفض من يرفض.

وكلّ هذا من ذرِّ الرماد في العيون، وتخدير دعاة المسلمين بمثل هذه الصروح الخبيثة التي هي أشبه ما تكون بمسجد الضرار الذي بناه المنافقون في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وادّعوا أنَّه للصلاة وإيواء المسافرين في الليلة الشاتية المطيرة، فأكذبهم الله، عز وجل، وفضح نيّاتهم بقرآن يتلى إلى قيام الساعة، نهى فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن دخوله والقيام فيه، بل أُمر بتحريقه.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة: 107، 108).

فضح اللافتات الكاذبة

بعد بيان هذه المخاطر هل آن الأوان أن نعي مثل هذه الفتنة والخداع فلا نستجيب لمثل هذه الدعوات، ولا نقوم في مثل هذه المؤتمرات أبداً؟

بل قد آن الأوان إلى أن تُفضح مثل هذه اللافتات، ويُحذّر الناس من شرِّها والوقوع في فتنتها ويبيِّن لهم أنَّها ضربٌ من الخداع، وصورة من صور النفاق الماكر الخبيث.

إن من يطمئن الى هؤلاء إنما يحتضن الأفاعي، ولا بد من معرفة سيماهم وصفاتهم، وأمارات أعمالهم ولحن قولهم؛ الذي أقسم تعالى أن يظهره لنبيه والمؤمنون ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾. (محمد: 30) فإنهم يملؤون حياتنا والطرقات، ويُمكّن لهم من التوجيه في الإعلام والتعليم وتنشئة الأجيال.

………………………………………..

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة