لا بد من تحري ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في العمل على وفقه وفي مواسم الخير؛ فإن الشيطان يترصد الطريق ولو بزيادة المبتدعات.

مقدمة

إن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع لأجل أن يُعبد ويوحَّد، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات:56).

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل: 36). وهذه العبادة لا تسمى “عبادة” إلا إذا كانت خالصة لرب العالمين، وموافقة لأمر الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ حيث قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ (الكهف: 110).

قال الفضيل بن عياض، رحمه الله:

“إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل؛ حتى يكون خالصاً صواباً، قال: والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة”. (1انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب، 72)

والمتأمل في حال بعض المسلمين يجد أنهم أحدثوا عبادات بدعية، وأخذوا يتعبَّدون الله بها ظناً منهم أنها من الدين، وليست كذلك. وهذا راجع إلى أمور منها الجهل، والتعصب الأعمى لما عليه الأهل والعشيرة، والتقليد، واتباع مشايخ الضلالة، والمصلحة التي يحصل عليها بعض من يفعل هذه البدع أو يشرف عليها.

ومن البدع التي تحدث في كل عام واتخذها الناس من العبادات ما يُفعل في شهر رجب من الأمور المنكرة، وسنذكرها فيما يلي.

بعض البدع الحادثة في رجب

الاحتفال بليلة السابع والعشرين منه

ويسمونها ليلة الإسراء والمعراج؛ قال الإمام ابن باز، رحمه الله:

“وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكلُ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات؛ فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضوان الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول، صلى الله عليه وسلم، للأمة إما بالقول أو الفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعَرِف واشتهر، ولَنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا”. (2رسالة التحذير من البدع، ص7)

صلاة الرغائب

قال ابن الجوزي، رحمه الله، بعد إيراد الحديث:

“هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم”. (3المصدر السابق، 2 / 125)

وقال الشوكاني، رحمه الله:

“هو أي الحديث موضوع. ورجاله مجهولون، وهذه هي صلاة الرغائب المشهورة، وقد اتفق الحفاظ على أنها موضوعة”. (4الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، 48)

حكم صلاة الرغائب

قال الإمام النووي، رحمه الله:

“فإنها بدعة منكرة، من بدع الضلالة والجهالة، وفيها منكرات ظاهرة، قاتَل الله واضعها ومخترعها، وقد صنف الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها، وتضليل مصليها ومبتدعها. ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها، أكثر من أن تحصر». (5صحيح مسلم بشرح النووي، 8 / 20)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:

“وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها بل هي محدثة فلا تُستحب لا جماعة، ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً…”. (6مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23 / 132)

وقال الحافظ ابن رجب، رحمه الله:

“وهذه الصلاة أي الرغائب بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء والمتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر ابن السمعاني، وأبو الفضل ابن ناصر، وأبو الفرج ابن الجوزي وغيرهم. وإنما لم يذكرها المتقدمون؛ لأنها أُحدثت بعدهم، وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة؛ فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها». (7لطائف المعارف، ابن رجب، 228)

صيام شهر رجب كله أو بعضه اعتقاداً أن في ذلك فضيلة خاصة به

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله:

“لم يَرِد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه؛ حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رحمه الله». (8تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، ابن حجر، 23)

وممن سبق الحافظ ابن حجر الإمام ابن القيم حيث قال:

“وكل حديث في ذكر صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه، فهو كذب مفترى». (9المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ابن القيم، 96)

وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوا عنه طعامه، حتى يضعوا فيه ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه. (10أورده ابن دحية في كتابه (أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب) ، 113 وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4 / 113 – 114، ح 957)

أوجه الصيام المبتدع في رجب

ذكر الإمام الطرطوشي أنه يكره صيام رجب على ثلاث أوجه:

  1. أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام، حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة، مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان.
  2. أو أنه سنة ثابتة خصه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالصوم كالسُنة الراتبة.
  3. أو أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام سائر الشهور، جارٍ مجرى صوم عاشوراء، وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنة والفرائض. ولو كان من باب الفضائل لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله ولو مرة في العمر، كما فعل في صوم عاشوراء وفي الثلث الغابر من الليل.

ولمَّا لم يفعل بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة، ولا هو فرض ولا سنة باتفاق، فلم يبق لتخصيصه بالصيام وجه، فكره صيامه والدوام عليه حذراً من أن يلحق بالفرائض والسنة الراتبة عند العوام.

فإن أحب امرؤ أن يصومه على وجه تؤمن فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضاً أو سنة، فلا بأس بذلك. (11الحوادث والبدع، الطرطوشي، 110 – 111 (بتصرف يسير))

الاعتمار في رجب اعتقاداً بأن فعلها في هذا الشهر فضيلة

لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب أو خصه بعمرة دون غيره، فلا فضل للعمرة في رجب على غيره من الشهور كما يظنه بعض الناس.

والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم

“أنه اعتمر بعد الهجرة أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة:

الأولى: عمرة الحديبية، سنة ست للهجرة فصده المشركون عن البيت.

الثانية: عمرة القضية في العام المقبل.

الثالثة: عمرته من الجعرانة، لما خرج إلى حنين ثم رجع إلى مكة، فاعتمر من الجعرانة داخلاً إليها.

الرابعة: عمرته التي قرنها مع حجته”. (12زاد المعاد، ابن القيم، 2 / 90 – 91 (بتصرف يسير))

وذكر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رحمه الله، أن العلماء أنكروا تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار. (13فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 6 / 131)

خاتمة

قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز التويجري (14مؤلف كتاب البدع الحولية، والنقل من كتابه، 238) حفظه الله:

«والذي يترجح عندي والله أعلم أن تخصيص شهر رجب بالعمرة ليس له أصل؛ لأنه ليس هناك دليل شرعي على تخصيصه بالعمرة فيه، مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب قط. ولو كان لتخصيصه بالعمرة فضل لدل أمته عليه وهو الحريص عليهم كما دلهم على فضل العمرة في رمضان ونحو ذلك».

وما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما حينما سُئل فقيل له: يا أبا عبد الرحمن! اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ قال: نعم! فأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك، وابن عمر يسمع، فما قال لا، ولا نعم، بل سكت، ولو كان لتخصيصه فضيلة لذكرته عائشة رضي الله عنها. (15انظر: الأدب في رجب، ملا علي القاري، 49 – 51) (16ذهب جملة من أهل العلم إلى الاعتمار في رجب كما في لطائف المعارف، وابن القيم قد أشار إلى المفاضلة بين الاعتمار في رجب والاعتمار في رمضان (زاد المعاد ج2/ 95) فالمسألة فيها خلاف وتحتاج إلى مزيد تحرير)

……………………..

الهوامش:

  1. انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب، 72.
  2. رسالة التحذير من البدع، ص7.
  3. المصدر السابق، 2 / 125.
  4. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، 48.
  5. صحيح مسلم بشرح النووي، 8 / 20.
  6. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23 / 132.
  7. لطائف المعارف، ابن رجب، 228.
  8. تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، ابن حجر، 23.
  9. المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ابن القيم، 96.
  10. أورده ابن دحية في كتابه (أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب) ، 113 وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4 / 113 – 114، ح 957.
  11. الحوادث والبدع، الطرطوشي، 110 – 111 (بتصرف يسير).
  12. زاد المعاد، ابن القيم، 2 / 90 – 91 (بتصرف يسير).
  13. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 6 / 131.
  14. مؤلف كتاب البدع الحولية، والنقل من كتابه، 238.
  15. انظر: الأدب في رجب، ملا علي القاري، 49 – 51.
  16. ذهب جملة من أهل العلم إلى الاعتمار في رجب كما في لطائف المعارف، وابن القيم قد أشار إلى المفاضلة بين الاعتمار في رجب والاعتمار في رمضان (زاد المعاد ج2/ 95) فالمسألة فيها خلاف وتحتاج إلى مزيد تحرير.

المصدر:

  • محمد بن سعد العيد، مجلة البيان، العدد: 179.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة