تناولت حلقة “حلل يا دويري” كلمة مجاهد لمجهول يحمل الشجاعة والإقدام، وكيف أصبحت هذه العبارة وسمًا شهيرًا يعبر عن الفرح والغبطة في قلوب المسلمين. يستعرض المقال ذكريات الفرح والغبطة في الإسلام عبر مواقف تاريخية تُظهر عظمة اللحظات التي يُذكر فيها الله عباده.

“حلل يا دويري” في ضوء الشجاعة

“حلل يا دويري”.. لما قالها مجاهد لا يعلم أحد اسمه أو صورته، ولا يعرفه الناس لكنهم يعرفون أفعاله وقد ملك قلوبهم بإقدامه ورجولته؛ سرعان ما أصبحت الوسم الأكثر رواجا؛ لأن الذي قالها يحبه الناس لجهاده وإقدامه، ودفاعه عن كرامتهم في وجه هذا العدو المتغطرس المتعطش للدماء؛ فوصفها كثيرون أنها وسام الفخر على صدر اللواء فايز الدويري، وغبطه عليها عدد لا حصر له من شباب أمتنا، وهو فرح بها كما لم يفرح بشيء في حياته.

ذكريات من عهد النبوة

إنه الفرح الذي يصنعه ذكرك على لسان مجاهد، وإنها الغبطة التي تحدثها رؤيتك فرح المذكور بما ناله من مكانة وحصل عليه من اهتمام من هذا المجاهد الفذ؛ هذا الفرح وهذه الغبطة يفجران في نفوسنا ذكريات ومواقف حدثت في عهد النبوة، تجعلنا نراها بعين جديدة ونتذوق حلاوتها بشكل مختلف.

“ارم سعد؛ فداك أبي وأمي”

في يوم أحد كان المسلمون في شدة ومواجهة حامية عقب التفاف خالد بن الوليد على المسلمين، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ونثل له كنانته ونثر له النبل قائلا: “ارم سعد؛ فداك أبي وأمي”؛ هل لك أن تتخيل فرحة سعد وهو في قلب المعركة حين صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المواجهة “ارم سعد؛ فداك أبي وأمي”؟ وهل لك أن تتخيل فرحته بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع أبويه إلا لسعد؟! وهل تحس الآن طعما جديدا لغبطة الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عنهم بهذا الوسام، الذي ناله سعد بهذه الصيحة وهذا النداء في قلب المعركة؟!

“إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن”

وفي يوم، أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب رضي الله عنه يقرأ عليه سورة البينة، وقال له: “إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن”، قال أبي: آلله سماني لك؟ قال: الله سماك لي؛ فجعل أبي يبكي.. بكل حب ولهفة ودهشة يسأل أبي رسول الله صلى عليه وسلم: عندما أمرك الله تعالى أن تقرأ علي القرآن؛ هل ذكرني الله تعالى لك بالاسم؟! فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الله سماك لي؛ فينفجر أبي رضي الله عنه باكيا، وحق له أن يبكي فرحا، ويبكي شوقا، ويبكي حبا.

هل تعتقدون أن أبيا رضي الله عنه نام ليلتها من الفرح؟! كيف كان يومه ذاك وليلته تلك، وهو يتذكر كلمات خير الخلق وأصدق الخلق أن الله ذكره بالاسم، وأمر نبيه أن يقرأ عليه القرآن الكريم؟! وكيف كانت غبطة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لأبي يومها؟! هل لك أن تتخيل؟!!

البشارة لخديجة رضي الله عنها

وذات يوم أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وكانت خديجة رضي الله عنها تجهز له طعاما أو شرابا؛ فعندما أقبلت عليه قال لها: “أتاني جبريل فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي قد أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيها ولا نصب”.

كيف وقع الخبر على قلبك يا أمنا خديجة؟! كيف رقص قلبك فرحا حين قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يسلم عليك وجبريل يسلم عليك؟! وكيف استقبلت البشارة ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا تعب ولا معاناة ولا آلام؟! وكيف كانت غبطة الصحابيات والصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين وهم يتحدثون في مجالسهم: الله تعالى وجبريل عليه السلام يسلمان على خديجة؟!

اللحظات الفارقة ومشاعر الفرح

وذات يوم عقب انتهاء صلاة الفجر، التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين ليقص عليهم رؤيا رآها ليلته تلك ــ ورؤيا الأنبياء وحي وحق ــ فقال لهم: “رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك؛ فبكى عمر وقال: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟!!”

كان فجرا مختلفا، اشرأبت فيه الأعناق، وأصاخت فيه الأسماع؛ لكن ثلاثة قلوب كادت تقفز من أقفاصها؛ قلب الرميصاء رضي الله عنها، وقد ذكرها النبي أولا باسمها أنه رآها في الجنة، وقلب بلال وقلب عمر رضي الله عنهما، بل إن عمر رضي الله عنه انفجر باكيا، وليس غريبا أن يبكي من الفرح ومن هيبة وجلال الموقف.

الغبطة والفرح في حياة الصحابة

انتهت كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الفجر، ولكن هل تتوقعون أن قلوب الثلاثة توقفت عن الارتجاف فرحا طيلة يومهم؟! وهل تتخيلون كيف كانت غبطة الصحابة رضي الله عنهم والتفافهم حول هؤلاء الثلاثة يهنئونهم بهذه الأوسمة والبشارات؟!

كم فجرت “حلل يا دويري” من ذكريات، واستدعت من مشاعر، وحلقت بنا في ظلال النبوة مع مواقف، وأشعرتنا بالغبطة لأولئك النفر الأفذاذ الذين ذكرهم الله تعالى وذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لذكرهم طعم مختلف يومها، وصار لذكراهم اليوم طعم جديد أشد حلاوة وأكثر غبطة.

المصدر

مدونة العرب، محمد خير موسى .

اقرأ أيضا

الوزن الحقيقي تأملات حول الشهيد الساجد

التعليم الديني وانتصار الهوية في غزة

الأسوة الحسنة في رسول الله ﷺ أصلها في الجهاد

ذل الأمة بتركها الجهاد

التعليقات غير متاحة