الانتماء للإسلام هو أصل انتماء المسلم وتعريفه في هذه الحياة، يهدده التعصب الوطني والقبلي، ودعوات التحزب المذموم. وثمة مخاطر تهدد انتماء المسلم ووحدة الأمة.

مقدمة

يخشى الغيورون على هذا الدين من دعوات التعصب الوطني والقبلي، التي تفرق الأمة وتهدد الانتماء للدين، لكن الخطر يزداد حين تسري لوثة التحزب المقيت للتيارات الاسلامية المنوط بها إصلاح الأمة.

مصدر الآفة

الحزبية مقيتة، وهي آفة لا تأتي إلا من ضعف عقيدة الولاء والبراء في القلوب، وهي تكثر في التجمعات التي تقوم على أساس القوم أو الوطن أو القبيلة دون النظر إلى عقيدة المنتمي لهذه التجمعات أو إلى صلاحه أو فساده، وإنما المهم أن يكون من القوم أو الوطن أو القبيلة، وما خرج عن هذه التجمعات فيحرم من الولاء ولو كان مسلمًا صالحًا.

وقد سرت هذه اللّوثة إلى بعض الجماعات الإسلامية، فبدل أن يبذل الولاء والنصرة والمحبة لكل مسلم صحيح المعتقد، أصبح يوجه لأفراد الحزب أو الطائفة أو القوم الذين هو منهم، فلا يحب ولا يوالي إلا من كان من الحزب.

ولا يخفى ما في هذا من الخلل والانحراف عن المفهوم الصحيح لعقيدة الولاء والبراء؛ لأن أصل الموالاة والمعاداة في الإسلام على العقيدة، فكل مسلم صحيح الإيمان يجب أن يبذل له من المحبة والموالاة ما يكافيء إيمانه وتقواه، بغضِّ النظر عن جنسه ولونه ولغته وانتمائه.

وصاحب العقيدة الصحيحة المتخلق بأخلاق السلف يجب أن يبذل له الولاء التام.

أما المسلم المقدوح في عقيدته أو سلوكه؛ بحيث لا تصل هذه القوادح إلى حد الكفر؛ فإن هذا وأمثاله يبذل لهم الولاء العام المكافئ لما فيهم من الإيمان والخير، ويُتبرأ من بدعتهم ومعصيتهم وخُلقهم المشين.

وأما الذي ينتفي عنه الولاء بالكلية، ولا يجوز في حقه إلا البراءة التامة، فهو الكافر والمنافق نفاقًا اعتقاديًّا ظهرت عليه علاماته.

ولا يفهم من هذا الكلام التهوين من شأن الجماعات الإسلامية والتجمع على الخير والتعاون على البر والتقوى، حاشا وكلا، وإنما المقصود الحذر من لَوثة “الحزبية” المقيتة و”التعصب” المذموم لهذه التجمعات، وجعْل “الانتماء” إليها أو عدمه هو أساس “الموالاة والمعاداة”.

أما إذا سلِمت هذه الجماعات الداعية إلى الله عز وجل من هذه اللّوثات فحيهلًا بها، وعملها من أفضل القربات إلى الله عز وجل، وقيامها من باب التعاون على البر والتقوى.

وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

“وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب؛ أي: تصير حزبًا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل: “التعصب” لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله؛ فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونَهَيَا عن الفرقة والاختلاف، أمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان». (1مجموع الفتاوى، 11/ 92)

خاتمة

إن التيار الإسلامي هو الملح، المأمول منه إصلاح مجتمعات المسلمين اليوم بالدعوة والبيان، والقدوة والمثال..

وسريانُ دعوات التعصب ومشاعره الى أبناء التيارات الإسلامية أمرٌ مفسد للعمل والبيان، ومفسد للقدوة، ومفسد لتوجهات هذه الحركات ومؤثر على مواقفها. وقد رأى الإسلام وأهله من هذا عجبا عُجابا. ومآسٍ ومواقف أضعفت الإسلام وأهله، وشكى منها القريب وفرح بها العدو وشمت بها المحارب، واستفاد منها المخططون والماكرون ضد هذا الدين.

والتجرد لله تعالى إخلاصا وطلبا، وتجريد الانتماء للإسلام وإعلاء مصلحته وميزانه القيم هو الحل والطريق الأمثل الذي تستقيم به المشاعر والمواقف، ويعز به الإسلام وأهله. والله الموفق.

…………………………………

الهوامش:

  1. مجموع الفتاوى، 11/ 92.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة