كم من الأزمات في حياة هذه الأمة ليست أزمات حقيقية بل مفتعلة يعرف من فعلها ماذا يريد منها، ليس تفريقا بين المسلمين فحسب بل استنزاف وابتزاز ومآرب شتى..

والأزمة الخليجية أحد هذه المفتعلات، ونتاج لأخطاء متراكبة

مقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..

مع دخول الزمة الخليجية عامها الرابع نذكر بما سطرناه سابقا من قواعد ورؤى حول هذه الأزمة، من وجهة نظر لا تخضع لحلف أو محور بل انطلاقا من رؤى شرعية مستقلة..

لم يكد رئيس الولايات المتحدة (دونالد ترامب) يعود إلى بلاده بعد زيارته لبلاد الحرمين حتى اشتعلت الأحداث حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن علاقاتها مع قطر وحاصرتها برياً وبحرياً وجويا، إضافة إلى طردهم للمواطنين القطريين من هذه الدول، وبررت هذه الدول تصرفها بأسباب ظهر فيما بعد أنها مصطنعة.

وقد اهتم القاصي والداني بهذا الحدث لتأثيره المباشر على مجمل الأوضاع بالمنطقة.

وفي زحام المقالات والتصريحات والتغريدات برزت مجموعة من المسائل اختلط فيها الحق بالباطل حيث تحكمت العواطف والأحكام الجاهزة وهذا مما نهى الله عز وجل عنه حيث قال: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 42).

جملة من الحقائق الواجب بيانها

ولأن الإعلام ودعاة السوء صاروا يتلاعبون بعقائد وعقول الناس وجب ألا تضيع جملة من الحقائق في زحام تفصيلات الوقائع والأحداث.. ومن أبرزها ما يلي:

أولاً: علاقة الاسلام بهذا الصراع

لا شأن لهذا الصراع بالإسلام ولا بمصالح المسلمين. فافتعال الأزمة ثم إغراق الأمة فيها إنما هو لتحقيق مآرب شخصية أو قُطرية دون مراعاة لمصير الأمة ومصالحها الدينية والدنيوية.

ثانياً: الدور الأمريكي في الأحداث

كل الأحداث التي جرت ولا تزال تجري إنما هي بإعداد وإخراج أمريكي، وهو ما لم يعد خافياً بعد عشرات البرامج والمقابلات والتسريبات التي أظهرت جزءاً من هذه الصفقة النكدة وسائل الإعلام.

ثالثاً: موقف حكام العرب

لا بد من إدراك موقف هؤلاء الطواغيت من الغرب الكافر، وولايتهم لأسيادهم في الغرب، وتسابقهم جميعاً في تنفيذ متطلبات هذه الولاية.. وعدم الانخداع بالأكاذيب التي يخدعون بها السذج، وما الخلاف بينهم إلا في قضايا جزئية أو صراع على النفوذ.

رابعاً: تسليط الله للظالمين بعضهم على بعض

يأبى الله إلا أن يسلط الظالمين بعضهم على بعض كما في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ (الأنعام: 129).

يقول الفضيل ابن عياض رحمه الله في هذه الآية: «إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقف عند تلك الآية متعجباً»، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ». (1أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد)

خامساً: نصيحة للإسلاميين وعلاقتهم بالمعركة

على الإسلاميين أن يأخذوا حذرهم ويتنبهوا أنهم وإن كانوا في قلب هذه الأحداث إلا أنهم لا ينبغي أن يصبحوا وقوداً لحرب ليست من صنعهم ولا علاقة لها بأهدافهم، ويكفيهم ما مرّوا به من تجارب في أفغانستان والعراق وسوريا حيث استثمرت جهادَهم وجهودهم أطرافٌ دولية وإقليمية لها أهدافها وطموحاتها والتي تتناقض وتتعارض مع مصالح الأمة وأهدافها وفي طليعتها أبناؤها من المجاهدين الذين يقفون للطواغيت واوليائهم بالمرصاد.

سادساً: التفريق بين الأنظمة والشعوب

أننا ومن باب توضيح الواضحات نؤكد على أننا نفرق بين الحكومات الطاغوتية وشعوب البلاد المسلمة من الموحدين..

فهذه البلدان أخرجت نماذج تتشرف الأرض بأمثالهم من العلماء والدعاة والمجاهدين والعاملين في إغاثة المسلمين؛ سواءً في بلاد الحرمين وبقية بلدان الخليج أو في مصر والشام وغيرها من بلاد المسلمين، فشتان بين الثرى والثرياً.

سابعاً: وضوح الحقيقة

عند التحليل الهادئ لمواقف الأطراف المؤثرة في الحدث نرى أننا أمام أنظمة ليست إلا أدوات في يد الطاغوت الأكبر وهو (الولايات المتحدة الأمريكية)، وجميعهم يستمدون وجودهم من قبوله بهم، ويتحركون في المساحة التي يمنحها لهم، ويسعون بكل سبيل لإرضائه، ويفتخرون بعلاقتهم المميزة معه وإن كانت على حساب مصالح الأمة وشعوبها..

[اضغط لقراءة: أين نضع خلافاتنا]

قراءة المعسكرين المتخاصمين

وبقراءة سريعة لكلا المعسكرين المتخاصمين ندرك هذا البعد:

الأول: حكام بلد الحرمين الشريفين

الذين لهم النصيب الأوفر من إثم ما أصاب المسلمين، فبرغم أنهم بنوا نظامهم على حكم الشريعة، ونجحوا طوال عقود في خداع الكثيرين بأنهم حماة الشريعة والمدافعين عن مصالح المسلمين لا سيما أن الله استرعاهم على شئون المقدسات الإسلامية.

مظاهر لجرائمهم

لكن الله عز وجل شاء أن يفضحهم ويظهر ما حاولوا ستره من مخازيهم وجرائمهم الكثيرة التي تحتاج لمؤلف كبير لإحصائها؛ ومنها:

مظاهرة المشركين على المسلمين ودعمهم بالمال والرجال، والقتال معهم، والاشتراك في التحالف الفاجر المسمى بتحالف مكافحة الإرهاب، وبث الفرقة والشقاق بين المسلمين ودعم أصحاب الملل الكافرة والمذاهب البدعية في حربها على المسلمين واستخدام أموال الأمة في التحريش بين المجاهدين، والتستر بالشريعة وحماية الدين والحرب الإعلامية على المسلمين عامة، والمجاهدين خاصة، وتشويه صورتهم بالكذب والافتراء، وسجنهم وتعذيبهم..

وما دور النظام السعودي في الأمة إلا كمسجد الضرار في المدينة المنورة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (التوبة: 107).

 حكام الإمارات

فقد كفروا بأنعُم الله وما أفاض عليهم من الرزق؛ فسخروه للسعي لهدم دينه ومعاداة أوليائه.. فمنذ زمن طويل وهم يحاربون الله ورسوله جهاراً نهاراً دون خجل، فحوّلوا دبي إلى ماخور كبير، وأبو ظبي إلى قلعة للربا، وحولوا الإمارات كلها إلى مستعمرة للفرس والهندوس يمتلكون فيها التجارة والعقارات والمعابد الشركية.

وأمّا في الخارج فحدث ولا حرج من إنفاق الأموال على عداوة الله ورسوله والمؤمنين، وفي عقدهم المؤتمرات، وتمويلهم للإعلام الفاجر، وتنظيم المؤتمرات المعادية للإسلام، ونصرة المبتدعة، والتصريح بالسعي إلى إقامة أنظمة علمانية في المنطقة.

وأمّا النظام العسكري في مصر فأعماله أكثر من أن تُعدّ، وأظهر من أن تحتاج لدليل، وهو الذي جاء على صهوة جواد صهيوني بأموال خليجية ليقود حملة الصد عن سبيل الله.

الثاني: حكام قطر

الذين أبرزوا أنفسهم كدولة صغيرة يقف المحاصرون منها موقفاً عدائياً لأنها مدافعة عن حريات الشعوب، وبرغم أن موقف قطر من الثورات العربية وبعدها كان إيجابياً إلا أن علينا أن ننظر للمسألة من وجهيها ولا ننسى أن في قطر قاعدة “العديد” الجوية التي بها مركز مشترك للعمليات الجوية يشرف على المهام في الحملات بالعراق وسوريا وأفغانستان.

وهذا المركز هو الذي يقوم بالقصف الجوي المتتابع على المجاهدين والعزل، ولا يكاد يمر يوم دون سقوط ضحايا لهذا القصف الإجرامي والذي يتم تحت دعوى مقاومة الإرهاب.

وعلى هذا فعلينا ان ندرك أن حكام قطر يمسكون بالعصا من الوسط: طرف يقاتل المسلمين وطرف يدافع عنه، وهذه طبيعة الذين لا ينطلقون من أسُس إسلامية تحكمها العقيدة.

[لقراة المزيد عن: تأجيج الصراعات وآلياتها]

ما يجب علينا نحو هذه الأزمة

وتبقى كلمات أخيرة وهي التذكير ببعض واجباتنا:

أولاً: التنبه لحال الكفار والمنافقين

هذا هو حال الكفار والمنافقين في كل عصر وهم يجتمعون علينا ليقضوا على البقية الباقية من الدعاة القائمين بأمر الله؛ فعلينا أن نقوم بدورنا الذي أوجبه الله علينا بكشفهم وفضحهم وتحذير الأمة من عداوتهم وعدم الانخداع بتزيينهم لباطلهم:

﴿وإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ (آل عمران: 187).

ثانياً: التآزر والتكاتف

لن يقمع الباطلَ إلا تآزرُ وتكاتف حملة العلم وطلبته والدعاة الصادقين والمجاهدين الموحدين؛ فوحدتهم من أمضَى الأسلحة التي يفوتون به على الأعداء مكائدهم.

ثالثاً: اليقين بالعاقبة

اليقين بأن الظلم والظلام وإن ملئا الأرض إلا أن العاقبة للمؤمنين وسينصرهم الله عز وجل إن نصروه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7).

[اقرأ هنا: من عبرة التاريخ: التفرق الذي يسبق كل سقوط]

رابعاً: فتاوى الشيوخ وموقف الشعوب

ليس من حق أي نظام أن يأمر بقطع علاقات مع شعب مسلم بسبب خلاف سياسي حتى وإن احتمى ببعض فتاوى الشيوخ المحسوبين على هذه الأنظمة، وليس لهم في هذا طاعة فينبغي أن تبقى الشعوب المسلمة خارج المهاترات السياسية.

والعجيب أن مثل هذه التصرفات لا نجدها عند ساسة الغرب الكافر فهم يجنبون الشعوب خلافاتهم ويجعلوها في دوائر مغلقة ولكن أنى لهؤلاء مثل هذه العقول.

خاتمة

هذه بعض القراءات للمشهد الذي لا يزال ماثلا حتى اليوم؛ نسأل الله تعالى أن يهيء للمسلمين من أمرهم رشدا..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

………………………………………

هوامش:

  1. أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة