التخذيل والتثبيط والتكسيل، وبث روح التردد والتقهقر والقعود، من صفات أهل الزيغ والنفاق، كلما أراد المؤمنون أن ينصروا الله خذلوهم، وكلما أرادوا أن يقيموا شرع الله أرجفوا بينهم.

التخذيل والتثبيط عن جهاد الغزاة والمحتلين والسخرية من المجاهدين

يقول الله عز وجل عن المنافقين الأولين: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: 18].

وقال عنهم: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: 81].

وقال الله تعالى عنهم: ﴿وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: 13].

وقال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 49].

هذا ما وصفه الله عز وجل للمنافقين بنکوسهم عن الجهاد في سبيله، وتخذيل الناس، وتثبيطهم عنه، بل والسخرية من المجاهدين.

وما نسمعه اليوم من منافقي زماننا هو عين ما يقوله إخوانهم من المنافقين السابقين، فها هو أحدهم يقول:

(التخلي عن خيار المقاومة نهائيا، والخروج من دوامة الحروب والقضية الفلسطينية، والجنوح إلى السلام، وقبول الأمر الواقع، وإغلاق كل ملفات القتال، والقبول بالسلام دون شروط، بل بما يراه العدو مناسبا بحجة: (أن المهزوم يقبل ولا يفرض)1(1) انظر مقال (الحل الذي لا غيره) عكاظ عدد (1863).، بل ويوجهون أشد أنواع النقد لكل عمل من أعمال المقاومة والجهاد تقوم به تلك الشعوب، وكذلك يدعون إلى إلغاء تدریس أحكام الجهاد بزعم أنه هو الأساس الذي يستغله المفجرون والمخربون، ليجندوا أبناءنا الآن فيها يسمونه جهاڈا)2(2) انظر مقالة (عذرا يا شيخ صالح) جريدة الوطن عدد (285)..

وما قاله بعض رموز المنافقين الليبراليون (شاکر النابلسي وغيره) من الدعوة إلى ترك المقاومة المسلحة للمحتلين من یهود وغيرهم واستبدالها بالسلام والتطبيع والرضى بالأمر الواقع، وهذا مقال ينضح بما فيه كتبه أحدهم في صحيفة محلية بروح منهزمة يدعو فيه إلى ترك مقاومة الغزاة والتيئيس من هزيمتهم. يقول:

يقولون: الشعوب لا تقتنع ولا تعتبر ولا تتغير، حتى تجرب وتعاني وتكتشف، لتكون النتائج مبنية على تجربة حقيقية وليس مجرد نظریات ورغبات تفتقد إلى الواقعية والموضوعية.. الغرب المتفوق لم يصل إلى تفوقه الحضاري إلا من خلال برك من دماء على مر قرون؛ عرف من خلالها أن السلام وليس الحرب، والتعايش وليس الاقتتال، هو شرط بقاء الدول ونموها وتحضرها في هذا العصر.

حركة طالبان في فترة ما حگمت أفغانستان، وحضنت الحركيين المتأسلمين القادمين إليها من كل بقاع العالم وحمتهم، وظن بعض هؤلاء، وتحديدا الجهاديين منهم، أن التسلل إلى أمريكا، وغزوها، ونسف معالمها، سيقيم دولة الإسلام القوية المتطورة والمتحضرة التي إليها يطمحون، وفعلا نفذوا ما يعتقدون في بدايات العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فكانت هذه الغزوة وبالا ليس على الجهاديين فحسب، وإنما على بقاء دولة طالبان التي كانت حينها فتية.. سقطت دولة طالبان، فعادت وعاد مجاهدوها إلى حيث بدؤوا من جديد، إلى الكهوف، وإلى الدم، والعمليات الانتحارية، وتفخيخ السيارات، يريدون أن يعيدوا مجدا لهم قام لأسباب محض استخباراتية، وصراعات بين القوى العالمية، وسقط -أيضا- لأسباب استخباراتية عندما استنفد أغراضه؛ غير أن الإنسان الأفغاني الذي عرف ويلات الحروب الأهلية، ودمويتها، ومعنى غياب الاستقرار، اتجه إلى حيث الحل المدني وصناديق الانتخابات، وليس إلى حيث شعارات مجاهدي طالبان الكهنوتية؛ فقد شارك نحو 7 ملايين أفغاني بمحض إرادتهم في انتخابات (الدولة الأفغانية المدنية) الأخيرة برغم تهدیدات طالبان بأنها ستنسف هذه الانتخابات، لأنها غير إسلامية، لكن الأغلبية الساحقة من الأفغانيين لم تهتم بطالبان وتهدیداتها وشعاراتها، بعد أن عايشوا هذه الشعارات والحلول المستنسخة من كتب التاريخ، ولم يجدوا فيها غير الويلات والدماء واللا استقرار، نجاح الانتخابات الأفغانية الأخيرة، وهذا الكم الكبير من الأفغان الذين شاركوا فيها، يعني أن الحل الطالباني فشل عمليا على أرض الواقع فشلا ذريعا، وانصرف الناس عنه. وفي سوريا الثورة قامت حركات جهادية تقاتل بنفس المنطق والشعارات والأهداف التي كانت طالبان تقاتل من أجلها، فقد كانت (داعش وجبهة النصرة) تمثلان التجربة الطالبانية بحذافيرها لكن بنسخة عربية، ومثلما استغلت أجهزة الاستخبارات العالمية طالبان لتنفذ أهدافا معينة تصب في مصالحها، استغلت -أيضا- أجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية الحركتين استغلالا استخباراتيا محترفا، وكما أدرك الأفغان طوال حكم طالبان، ومن ثم سقوطها، ويلات هؤلاء المتأسلمين، ووحشيتهم، وكراهيتهم للسلام، ها هم السوريون، ومعهم العرب والمسلمون في كل بقاع الأرض، يتابعون أولا بأول، وبالصوت والصورة، ومن خلال الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وحشية ودموية وقسوة وفظاعة هذه الحركات المتأسلمة؛ ولعل ردة الفعل الشعبية الواسعة المتذمرة إلى درجة القرف من هذه المشاهد البشعة، ستجعل الإنسان العربي يصل سريعا إلى ما وصل إليه الإنسان الأفغاني حتما)3(3) انظر مقال (تعري الجهاد المزعوم) جريدة الجزيرة عدد (15195) تاریخ 6/5/2014..

من صفات المنافقين

ومن مخازي منافقي زماننا فرحهم بما يصيب المسلمين من مصائب ونكبات. ولما احتلت الدول الكافرة الباغية بعض بلدان المسلمين فرح المنافقون وشمتوا ودبجوا المقالات دفاعا عن الغازي المحتل الغاشم الذي جاء لينشر السلام!!! زعموا.

هذه أبرز الصفات النفاقية التي شابه فيها منافقو زماننا -بل فاقوا فيها- سلفهم المنافقين الأولين، وهي على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وإلا فهنالك صفات أخرى كثيرة تشابه فيها المعاصرون مع الأولين، أذكر بعضها فيما يلي على وجه الاختصار والسرعة.

لا يذكرون الله إلا قليلا

أ- قلة ذكر الله عز وجل: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:142]، والمتتبع لمقالات المنافقين الجدد ومواقعهم وكتبهم لا يكاد يجد فيها ذكر الله عز وجل أو أحد أسمائه الحسنى، وتكاد تخلو من آية من كتاب الله أو حديثا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم . بينما نجد أسماء فلاسفة الغرب کھیجل وانشتاین ولوثر يتكرر كثيرا في كتبهم، ويطعمون ذلك ببعض فلاسفة العرب المنحرفين كابن رشد، وابن سينا، والراوندي.

الإفساد غايتهم

ب- ادعاؤعم الإصلاح في مشاريعهم الإفسادية، ولا سيما مما يدعون إليه من تغريب المجتمع، وجعله تابعا لكفار الغرب في قيمه وسلوكه، وهذا واضح جدا في كتاباتهم، بل صرح بعضهم بذلك، حيث جعل قدوته وقبلته الغرب، فدعى بكل صفاقة إلى التغريب، هائما في حبهم، متهالكا في دعوته وإفساده.

قال الله عز وجل: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67].

حرب الدعاة ومراكز الدعوة

ج- ومن ذلك غيظهم الشديد من المحاضن التربوية في حلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية والأنشطة اللاصفية، وهجومهم عليها واتهام القائمين عليها بالفساد والإفساد. فهذا أحدهم يكتب مقالات عدة في إحدى الصحف تحت عنوان (ثقافة الموت في بلادنا)4(4) صحيفة الوطن العدد (1343) تاریخ 8/4/1425. ومقال آخر بعنوان: (دعاة لا معلمون)5(5) صحيفة الوطن العدد (921) تاریخ 6/2/1424.، انتقد فيها الكاتب الأنشطة اللاصفية في المدارس الحكومية، واعتبرها أحد منابع الإرهاب.

وآخر يذهب إلى أن المراكز الصيفية مرتع للفكر الضال والمنحرف6(6) انظر المقال في جريدة الجزيرة العدد (13059) تاریخ 26/61429.. وهم بذلك يدعون الإصلاح، ويسمون تيارهم الليبرالي النفاقي (التيار الإصلاحي)، وصدق الله العظيم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 11- 12].

الشهوات والشبهات دينهم وديدنهم

د- مرض الشهوة والشبهة في قلوبهم: وهذا واضح في تهالكهم في دعوة المرأة إلى السفور والاختلاط والتمرد على الرجل (أبا أو أځا أو زوجا) بشبهات يلقونها، وهذه الصفة تكاد تكون مشتركة بين المنافقين الليبراليين الجدد، فلا يكاد يخلو مقال لهم عن المرأة، وكأن ليس لديهم من مشاريع إلا المشروع الأنثوي. ولا يخفى ما في هذا من إشاعة للفاحشة في المؤمنين.

ونظرا للهجوم الشديد على المرأة المسلمة والسعي لتغريبها ونشر الفاحشة بدعوتها إلى السفور والاختلاط والتمرد على الرجل (أبا أو أخا أو زوجا). انقل هنا بعض كتابات القوم التي تنم عما في قلوبهم من الحرج والكره لما أنزل الله عز وجل ، واعتراضهم على ذلك بشبهات وشهوات.

فهذا أحدهم يری نزول المرأة في الفنادق والشقق المفروشة لوحدها مظهرا من مظاهر الإصلاح7(7) انظر المقال في صحيفة عكاظ العدد (2414) تاریخ 17/1/1429..

وآخر يرى أن إنشاء جامعة مختلطة من الجنسين مشروع إصلاحي يستحق الإشادة8(8) صحيفة الوطن العدد (2891) تاریخ 14/6/1429..

وهذه امرأة من القوم تعد دخول المرأة إلى المسرح السعودي خطوة قوية باتجاه مشروع الإصلاح9(9) المصدر السابق نفسه..

وأخرى تقول: إن القول بأن عالم المرأة هو المنزل والزوج والأولاد معتقدات تقليدية، تعارض التنمية والتحديث10(10) وقع العولمة في مجتمعات الخليج ص 125..

وأخرى تقول: (نحن لا نريد متعلمات يجلسن في بيوتهم في انتظار ابن الحلال، الذي قد يأتي وقد لا يأتي)11(11) صحيفة البلاد عدد (1265)..

وأخرى تطالب بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومة، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة. وتعدها مرجعا لحماية المرأة والمطالبة بحقوقها12(12) صحيفة الرياض العدد (13720)..

ولا يخفى على من يقرأ بنود هذه الاتفاقية ما فيها من إلغاء الكثير من التشريعات الإسلامية.

الهوامش

(1) انظر مقال (الحل الذي لا غيره) عكاظ عدد (1863).

(2) انظر مقالة (عذرا يا شيخ صالح) جريدة الوطن عدد (285).

(3) انظر مقال (تعري الجهاد المزعوم) جريدة الجزيرة عدد (15195) تاریخ 6/5/2014.

(4) صحيفة الوطن العدد (1343) تاریخ 8/4/1425.

(5) صحيفة الوطن العدد (921) تاریخ 6/2/1424.

(6) انظر المقال في جريدة الجزيرة العدد (13059) تاریخ 26/61429.

(7) انظر المقال في صحيفة عكاظ العدد (2414) تاریخ 17/1/1429.

(8) صحيفة الوطن العدد (2891) تاریخ 14/6/1429.

(9) المصدر السابق نفسه.

(10) وقع العولمة في مجتمعات الخليج ص 125.

(11) صحيفة البلاد عدد (1265).

(12) صحيفة الرياض العدد (13720).

اقرأ أيضا

من صفات المنافقين المسارعة في ولاء الكافرين

المنافقون .. خطرهم وأبرز صفاتهم

المنافقون وامتداد خطرهم .. بعضُهم من بعض

فتنة المنافقين وأثرها على المجتمع .. (1-2)

 

التعليقات غير متاحة