يُحيي أهل البوسنة ذكرى مذبحة “سربرنيتشا” ضمن حرب البوسنة والهرسك، بما لها من دلالات تواطأت لأحقاد الغرب شرقا وغربا، والمنافقين في قلب الأمة.

مقدمة

لغاية عام (1990) كانت البوسنة جزءا من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية التي أنشأها الشيوعيون اليوغسلاف في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتضم ست جمهوريا “سلوفينيا، وكرواتيا، وصربيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، ومقدونيا” بالإضافة إلى إقليمين يتمتعان بالحكم الذاتي داخل صربيا، هما: “كوسوفو وفويفودينا”.

غير أن هذا الكيان بدأ يتحلل بالتدريج على أساس قومي بعد وفاة الزعيم الشيوعي “جوزيب بروز تيتو”، ففي أول انتخابات تعددية تُجرى في البوسنة عام 1990 ظهرت في البرلمان المحلي ثلاث كتل حزبية كممثلة للجماعات العرقية الموجودة في البوسنة، وهي: حزب العمل الديمقراطي (المسلم)، والحزب الديمقراطي الصربي، والاتحاد الديمقراطي الكرواتي. (1سراييفو تحت الحصار.. قصة حرب البوسنة، موقع الجزيرة نت)

تحركات الدول السبع نحو الاستقلال

بدأت الدول السبع في تحركاتٍ متوالية نحو الانفصال وبدأت الحركات مع “سلوفينيا” فانفصلت عن الدولة الكبرى عام 1991م ، ثم توالت الدول فتبعتها “كرواتيا” ثم “مقدونيا” وعندما أظهر مسلمو بلاد “البوسنة” النية في الانفصال عارضهم صرب البوسنة ، بقيادة “رادوفان كارادجيتش” الموالين للعاصمة الصربية بلجراد وهددوهم بالإبادة إذا انفصلوا عن جمهورية يوغوسلافيا.

وبالفعل أعلنت “البوسنة والهرسك” الانفصال عن يوغوسلافيا في مارس (1992م) ، بعد أن وافق (99%) من مسلمي البوسنة في استفتاء شعبي على هذا القرار. ومن هنا بدأ العدوان. (2قصة حرب البوسنة والهرسك، موقع قصص)

تفوق صربي

وفي الخامس من أبريل/نيسان (1992) فرض الصرب حصارا عسكريا على العاصمة مستغلين تفوقهم العسكري وضعف تسليح البوسنيين المسلمين الذين شكّلوا أول فيلق عسكري لهم بتسليح بدائي في (1) سبتمبر/أيلول من العام ذاته.

وسهلت سيطرة الصرب على المرتفعات عمليات القنص والقصف التي حصدت أرواح الآلاف أثناء وقوفهم في طوابير المياه أو ذهابهم إلى المدارس، كما حصدت مجزرتان استهدفتا سوق “مركالا”: (66) قتيلا ثم (37) بفارق ستة أشهر. (3سراييفو تحت الحصار.. قصة حرب البوسنة، موقع الجزيرة نت)

حرب البوسنة والهرسك في أرقام

هذه بعض الأرقام التى نتجت عن حرب البوسنة والهرسك وإعتداء الصرب  “الأرثوذكس” والكروات “الكاثوليك” على مسلمي “البوسنة والهرسك”:

  • أكثر من (200.000) قتيل.
  • (إثنان مليون) لاجئ و نازح (أي نصف السكان).
  • (60000) حالة إغتصاب.
  • أكثر من (26) مذبحة ضد مسلمي البوسنة، المعروف منها فقط هي مذبحة سريبرينيتسا؛ التى راح ضحيها أكثر من (12.000) مسلم بوسنوي في يوم واحد.
  • حصار وقصف و تجويع “سراييفو” العاصمة البوسنية خلال سنوات الحرب الثلاث.
  • تطهير عرقي لمعظم قرى ومدن البوسنة، وإستبدال المدنيين الصرب مكان المسلمين.
  • تدمير أكثر من (650) مسجد في مدن وقرى البوسنة والهرسك، وحرْق أكثر من مليون ونصف كتاب ومخطوطة.

كان الهدف الرئيسي هو القضاء على المسلمين والإسلام من “البوسنة والهرسك” بشكل كامل. وإلى يومنا هذا تُكتَشف المقابر الجماعية، وتُشيَّع الجنازات وتُقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء. (4ملخص عن حرب البوسنة والهرسك، موقع البوسنة)

ما قصة مذبحة سربرنيتشا؟

في مارس (1995) طوَّق صرب البوسنة المدينة تحت تعليمات زعيم صرب البوسنة “رادوفان كراديتش”، وثم حصار المدينة وتجويعها للضغط على المقاتلين البوسنيين للخروج من المدينة.

أعلنت الأمم المتحدة في نيسان/أبريل سنة (1993) أن “سربرنيتشا” منطقة آمنة تحت حمايتها، وكان يمثل الأمم المتحدة عناصرٌ للقوات الهولندية التي كان عددها حوالي (400) عنصر، وفي مقابل ذلك فرضت الأمم المتحدة على المقاتلين البوسنيين الذين كانوا يحمون المدينة من المد الصربي نزع السلاح وتسليمه.

اقتيد الرجال إلى موقع المجزرة والنساء اقتدن إلى مخيمات تمهيدا لاغتصابهن. استمرت تلك المجزرة أربعة أيام كانت الجرافات تهيئ خلالها المقابر الجماعية للذين يتم قتلهم بشكل جماعي، ومن سنحت له الفرص للهروب من تلك المجزرة، كانت الغابات هي الخيار الأوحد للنجاة بحياته رغم أنها كانت تشكل خطراً هي الأخرى حيث كانت مليئة بالألغام.
وارتكبت هذه الفظاعات التي يتذكرها العالم كل عام في ظل وجود قوات حفظ السلام الأممية التي عجزت (أو تواطأت) عن أن تحرك ساكنا في مذبحة راح ضحيتها (8) آلاف من مسلمي البوسنة، ولم يُستثنَى منها لا كبير ولا صغير. (5البوسنة والهرسك | 24 عاما على أكبر مجزرة عرفتها الأراضي الأوروبية تحت أعين الأمم المتحدة، وكالة يونيوز للأخبار)

المجازر الصليبية التي حدثت بالبوسنة

ويبدو أن المذبحة التاسعة سوف تلقي مصير المذابح الثمانية السابقة للمسلمين هناك؛ فقد بدأت المذابح للمسلمين الأوروبيين في هذه المنطقة بمذبحة الحرب النمساوية (1683-1699) بعد هزيمة العثمانيين في المجر وسلوفينيا، ثم حملة عام (1711) التي قتل فيها ألف مسلم في السنجق والجبل الأسود، ثم مذبحة (1804-1867) عندما أعلن صرب البوسنة دولة مسيحية هناك، ثم مذبحة عام (1876-1878) عندما استولي الصرب على كوسوفا والسنجق والجبل الأسود، ثم حملة ترحيلهم لتركيا عام (1878-1910)، ومذابح (1912-1913)، ثم المجزرة الكبرى في المدة (1914-1945) مع بداية يوغسلافيا الموحدة التي راح ضحيتها (5) آلاف مسلم، وانتهاء بقتل (103) آلاف من المسلمين في الحرب العالمية الثانية (1941 -1945)، وهو ما يعادل قرابة (8%) من مجموع المسلمين في ذلك الوقت!. (6(9) حملات إبادة صربية لمسلمي البوسنة.. والمحكمة تبرئهم!، موقع المسلم)

هدف المجازر كان ـ وسيظل ـ هو تصفية الوجود الإسلامي في أوروبا من جهة، وسعْي الصرب لإنشاء مشروع دولة صربيا الكبرى كأكبر دولة أرثوزكسية أوروبية بعد روسيا، حيث تعمَّد الصرب أن يرفعوا في هذه المجازر شعارات الكنيسة الأرثوذكسية، وأن يصِفوا الصراع في المنطقة بأنه “ديني” للحصول على المساندة من الدول الأرثوذوكسية مثل روسيا ورومانيا وقبرص واليونان، وهو ما حدث.. !

وقد كان تركيز الصرب في المناطق التي احتلوها على أئمة المساجد ورجال الدعوة؛ حيث يُشنَقوا ويُعلَقوا على مآذن المساجد..!! كما حاول الصرب الأرثوذكس تنصير العديد من المسلمين، ونجح الرهبان في خطف (50 ألف طفل بوسني) من المستشفيات ومراكز اللاجئين، وتم شحنهم في حافلات إلى بلغراد، ثم إلى جهة تنصيرية ألمانية. (7قصة حرب البوسنة، موقع قصة الاسلام)

اتفاقية “دايتون”

تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلت مساعدة الدول الإسلامية للبوسنة شيئا صعبا؛ ومن ثَم تُركت “البوسنة” الآن تحت راية منظمة حلف الأطلسي الذي خطط لطريقة إدارة البلاد كما جاء في اتفاقية “دايتون”، التي تحوم حولها الشبهات؛ فوقعت الاتفاقية سنة (1995م) أي بعد أربع سنوات من الحرب؛ حينما بدأ المسلمون تحقيق بعض الانتصارات وكانوا علي وشك تحرير المجمعات الاقتصادية الاستراتيجية، ولكنهم توقفوا في (12 أكتوبر 1995م) ـ بعدما حرروا “ساكيموست” ـ خوفاً من التعرض لقصف جوى من الناتو.

وهنا وعندما تأكد الجميع أن في وسع المجاهدين تحرير أرضهم بدأ الترتيب للاتفاقيات والمباحثات التي تعلن أن هدفها حقن الدماء والحفاظ علي وحدة البوسنة والهرسك، لكنها في الحقيقة تريد تقديم المسلمين لقمة سائغة للصليبيين؛ فنصّت الاتفاقية على أن يُعطَى صرب البوسنة (49 %) من الأراضي التي تتكون من 42 بلدة ومدينة أغلبها في أماكن ومراكز صناعية؛ أما المسلمون والكروات فقد أصبحوا فيدرالية مسلمة كرواتية لها (51 %) من أراضي البوسنة؛ وبالتالي ذهب (49%) من الأراضي إلى يد (31 %) من السكان وذهب (17%) منها إلى الكروات، ولم يتبق للمسلمين سوى (34%) فقط من الأرض رغم كونهم يشكلون (52%) من السكان وهو ما لا يقبله عقل أو منطق. (8العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة البوسنة موقع قصة الاسلام)

خاتمة

إن الحقد الصليبي على الاسلام وأهله قديم على مدار التاريخ الإسلامي منذ اليرموك الى الحملات الصليبية ومجازر الأندلس ومحاكم التفتيش، وحديث معاصر في الحملات الاستعمارية الحديثة ومجازرها البشعة الى الحملات الأخيرة تحت مسمى محاربة الإرهاب ففي اثني عشر عاما قتلوا حوالي عشرة ملايين مسلم منذ الحرب على أفغانستان ثم العراق الى دعم الأنظمة العلمانية المستبدة، ناهيك عن دعم الأنظمة الطائفية في العراق وسوريا، وفي بورما وإفريقيا الوسطى.

وان حقيقة الحرب دينية. وهذا ماقاله الله عز وجل في كتابه ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: 217) وقوله سبحانه ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ (التوبة: 8)

………………………………….

الهوامش:

  1. سراييفو تحت الحصار.. قصة حرب البوسنة، موقع الجزيرة نت.
  2. قصة حرب البوسنة والهرسك، موقع قصص.
  3. سراييفو تحت الحصار.. قصة حرب البوسنة، موقع الجزيرة نت.
  4. ملخص عن حرب البوسنة والهرسك، موقع البوسنة.
  5. البوسنة والهرسك | 24 عاما على أكبر مجزرة عرفتها الأراضي الأوروبية تحت أعين الأمم المتحدة،وكالة يونيوز للأخبار.
  6. (9) حملات إبادة صربية لمسلمي البوسنة.. والمحكمة تبرئهم!، موقع المسلم.
  7. قصة حرب البوسنة، موقع قصة الاسلام.
  8. العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة البوسنة موقع قصة الاسلام.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة