إن حسن التوحيد وقبح الشرك من أثبت الثوابت وأركز المرتكزات في الفطر والعقول، ومن ثم استحال جواز الشرك فيهما ما دامت السماء سماءً والأرض أرضًا، فحسن التوحيد وقبح الشرك حقيقة ثابتة راسخة، ولو لم ترسل الرسل وتنزل الكتب، فالعقل قاطع بوجوب عبادة الفاطر الخالق، المربي المنعم.

تنوعت دلالات السنة النبوية على قبح الشرك، ويظهر ذلك جليًا في الأمور التالية:

الأول: بيان النبي صلى الله عليه وسلم قبح الشرك في أقواله، ويتضمن نهيه عن أنواع من الشرك.

الثاني: بيان النبي صلى الله عليه وسلم قبح الشرك في أعماله، ويتضمن كل ما فعله صلى الله عليه وسلم في حياته من مواقفه في بعض الغزوات ومع بعض الكفار والمشركين وصناديدهم.

الثالث: ذكره صلى الله عليه وسلم ما يقع في أمته من أنواع الشرك وتحذيره منه.

نماذج من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على قبح الشرك

وسأذكر هنا نماذج من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم القولية، والفعلية، والتقريرية، وأخبار عن جهاده وسيرته الدالة على قبح الشرك.

1 – عن عبد الله قال: لما نزلت: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينا لم يظلم؟ فأنزل الله عز وجل: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

وجه الاستدلال: أن الشرك أظلم الظلم ومعلوم أن الظالم قبيح فالشرك يكون أقبح.

2 – عن أنس يرفعه: (إن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً: لو أن لك ما في الأض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم ألا تشرك بي فأبيت إلا الشرك).

وجه الاستدلال: أن المشرك ما نفعه كل ما فعله في حياته؛ لأنه أبى، فليس له إلا النار، وليس شيء أقبح من دخول النار.

3 – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).

وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عده من الموبقات، وأي قبح فوق الوقوع في الموبقات؟.

4 – عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالف بالله يمينًا صبرًا فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعله الله نكتة في قلبه إلى يوم القيامة).

5 – في رواية عن عبد الله قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: ((الشرك أن تجعل لله ندًا، وأن تزاني بحليلة جارك، وأن تقتل ولدك مخافة الفقر أن يأكل معك))، ثم قرأ عبد الله: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ).

6 – وعن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يُطعم معك؟ قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)).

وجه الدلالة: عد النبي صلى الله عليه وسلم الشرك أعظم الذنوب وأكبرها، وإذا كانت الذنوب كلها معلوم قبحها لدى العقلاء فكيف بأعظمها وأكبرها؟ .

7 – عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، فقام إليه عبد الله بن حزن، وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذون لنا أو غير مأذون، قال: بل أخرج مما قلت: خطبنا رسول الله ذات يوم فقال: ((أيها الناس، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم)).

وجه الدلالة: لو ما كان قبيحًا لما أمرنا باتقائه، ولما حذرنا منه.

8 – عن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال: ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، ويرفع كل راع ابن راع، قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: ((ألا أرى عليك لباس من لا يعقل ثم قال: إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية؛ آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع، والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء بها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر. قال: قلت، أو قيل: يا رسول الله، هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ ، قال: لا؟ قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ قال: لا، قال: الكبر: هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: لا، قال: أفهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون ليه؟ قال: لا. قيل: يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: سفه الحق وغمض الناس)).

9 – عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عبد الله لا يشرك به شيئًا، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، واجتنب الكبائر، فله الجنة ـ أو دخل الجنة ـ فسأله ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، وقتل نفس مسلمة والفرار يوم الزحف)).

10 – عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)).

وعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم … )) فذكر معناه.

11 – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)).

12 – وفي كتاب عمر رضي الله عنه: وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير وقال: إلا هكذا؛ ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه.

وجه الدلالة: منعه عن زي المشركين؛ لأن الشرك أكبر الظلم وأكبر الكبائر، فإذا كان بمجرد لبس الكفار أصبح الزي غير مرغوب شرعًا، فما بالك باعتقاده الشرك؟

13 – ما جاء في حديث طويل رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( … أولاهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، فإن مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كلك؟ وإن الله خلقكم ورزقكم، فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا … )).

وجه الاستدلال: ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً قبيحًا للشرك في هذا الحديث، وهو ظاهر في بيان قبح الشرك وبطلانه.

14 – عن عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار))، وقلت أنا: من مات وهو لا يدعو لله ندًا دخل الجنة)).

15 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى إنهم يجعلون له ندًا ويجعلون له ولدًا وهو مع ذلك يرزقهم، ويعافيهم، ويعطيهم)).

16 – عن أبي هريرة في حديث طويل ذكر فيه قصة فتح مكة ـ إلى أن قال ـ: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدون، قال: وفي يد رسولا لله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطنعه في عينيه ويقول: ((جاء الحق وزهق الباطل))، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.

17 – ولعل أدل دليل على قبح الشرك تشبيهه صلى الله عليه وسلم الشرك بالمقطوعة الأطراف في بعض الأحاديث؛ فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)). يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).

وفي رواية لمسلم: ((ويشركانه))، وفي رواية: ((إلا على هذه الملة، حتى يبين عنه لسانه)). ففي هذا الحديث شبه النبي صلى الله عليه وسلم المشرك بمن قطع أطرافه، ومعلوم أن هذا قبح في الفطرة والعقل، فمن الذي يريد أن يكون مجدع الأطراف؟.

18 – قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: (( … إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، ثم … )) الحديث. وهو من الأحاديث القدسية. وفيه نسبة الشرك إلى الشياطين، ونسبة ذلك إلى الضلال، ولا أظن أحدًا عنده عقل يريد أن يكون فريسة إغواء الشيطان وإضلاله، وهو يعرف أن الشيطان على الباطل.

المصدر

كتاب: “الشرك في القديم والحديث” أبو بكر محمد زكريا، ص1393-1401.

اقرأ أيضا

تنوع دلالات القرآن على قبح الشرك (1)

تنوع دلالات القرآن على قبح الشرك (2)

مصطلحات وتعريفات “الشرك”

الشرك يخالف الفطرة والعقل

التعليقات غير متاحة