مقابلة كيد أعداء الله ومكرهم بالصراخ هو فعل العاجز، وهو لا يفيد بشيء. ولكن التغيير على الأرض والعمل الجاد هو ما يرى من عمل لا ما يُسمع من ضجيج.

مقدمة

تواجه الأمة الإسلامية محناً كثيرة على كافة المستويات؛ ففي بقاع كثيرة سُلبت أرضها، وقُتل رجالها، ويُتِّم أطفالها، وانتُهكت أعراضها.

ومن جهة أخرى هناك تسلُّطٌ فكري من قبل الأعداء على هذه الأمة، وما نرى من فتن ومغريات ما هو إلا صورة من صور هذا الغزو الفكري الماكر.

وأمام هذا كله ليس هناك حل أنجع من الحل العملي والجواب الفعلي، فلن تنفع الكلمات ولا المقالات إلا إذا تبعها العمل بشتى صوره وأساليبه.

الحرب الموجهة على الإسلام والمسلمين

إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد أمرين:

أحدهما: أن الإسلام الذي أكرمنا الله تبارك وتعالى به وأنعم به علينا أعظم نعمة هو دين الله الحق الباقي الذي لا يقبل من أحد ديناً سواه بعد بعثة محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ترتفع رايته اليوم في مشارق الأرض ومغاربها على رغم أنف أعداء الدين كلهم.

ورسولُ الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أخبرنا وبشَّرنا بأن هذا الدين سيبقى إلى آخر الزمان، وسينتشر في الأرض حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار، فلا يبقى بيت وبر ـ شعر ـ ولا مدر ـ طين ـ إلا دخله هذا الدين العظيم بعزِّ عزيز أو بذل ذليل.

وهذه حقيقة كبرى نلمسها ونعلمها ونوقن بها، ونحمد الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، نحمده ـ وهو للحمد أهل ـ ونشكره تبارك وتعالى على أن مَنَّ علينا بنعمة الإسلام فأصبحنا مسلمين، لسنا يهوداً ولا نصارى ولا وثنيين، بل حنفاء مسلمين لله تبارك وتعالى، وتلك نعمة لا يمكن لأحد أن يعرف قدرها وعظمتها.

أما الأمر الثاني فهو أنه في مقابل ذلك ـ أعني في مقابل ما عرفناه من أن دين الله الإسلام هو الدين الحق ـ أننا نرى حرباً موجهة إلينا نحن ـ المسلمين ـ وموجهة إلى ديننا العظيم بشتى أنواع الوسائل، فقد استخدم فيها أعداء الله وأذنُابهم كل ما يملكون من قوى ووسائل إعلامية وغير إعلامية لحرب المسلمين وصدهم عن دين الله تبارك وتعالى، وهذا أمر لا أظن أحداً منا يشك فيه.

فهي حرب عقدية بمختلف وسائل الإعلام، وأخص منها تلك الوسائل التي تأتي من فوق من خلال “الذبذبات” و”الأطباق” لتدخل قعر بيوت المسلمين المؤمنين لتشككهم في دينهم وعقيدتهم.

وهي أيضاً حرب أخلاقية مركَّزة على شباب المسلمين وعلى المرأة المسلمة وعلى الأسرة المسلمة وعلى الطفل المسلم، حرب تريد أن تغيّر في نفوسنا معالم ما أكرمنا الله به من الإيمان والغيرة على دين الله والغيرة على محارم الله تبارك وتعالى، حرب تريد أن تنزع من نفوسنا وقلوبنا هذه الغيرة؛ فنرى المنكر وربما يقع فيه بعضنا ولا تتحرك فيه هذه الغيرة؛ لأن تلك الوسائل صارت تدق كل ليلة على وتر الفساد الأخلاقي والعري والرقص والغناء ومختلف وسائل الإفساد، ليخرج في النهاية شباب أو مجتمع نُزعت منه الغيرة، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الله يغار»، وهو أيضاً صلى الله عليه وسلم يغار، والمؤمن أيضاً يغار على محارم الله حين تنتهك. ففي الحديث  «إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله». (1صحيح البخاري (7/ 35)، ورواه مسلم والترمذي وأحمد)

وهي أيضاً فوق كونها حربا عقدية وأخلاقية؛ هي حرب فكرية متنوعة موجهة إلى مختلف أصناف المجتمع، يريدون منا أن نتخلى عن ديننا وننحرف عنه ولو شيئاً فشيئاً. وأعداء الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يكلّوا ولا أن يتركوا ما هم فيه من كيد لدين الله تبارك وتعالى؛ لأن الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية، بل ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ [الأنعام:112]، فالنبي الموحى إليه من عند الله جعل الله له عدواً؛ لأن الصراع بين الحق والباطل لا بد منه، ومن هنا فنحن لا ننتظر ولن ننتظر من أعدائنا في الشرق والغرب ومن أذنابهم من العلمانيين والحداثيين وغيرهم، لن ننتظر منهم إلا أن يسلكوا هذا المسلك الذي سلكوه، وهو أن يستغلوا ما أوتوا من قوى وقدرة لحرب الإسلام وصرف المسلمين عن دينهم، ونحن لا ننتظر غير ذلك.

الجواب العملي على أعداء الإسلام

لكن يبقى السؤال الكبير: كيف نقف أمام هذه الحرب المتنوعة مع علمنا بالحقيقة الأولى، وهي أن دين الإسلام حقٌّ وباقٍ ومنصورٌ ومن تمسك به فهو الغالب..؟ كيف نواجه هذه الحرب المتنوعة..؟

الأمر الثاني: ينبغي أن يكون جوابناً عملياً لا نظرياً.

وقد عنونت للموضوع بعنوان: “الجواب ما تراه لا ما تسمعه”؛ لأن هذا هو الذي عرفناه من تاريخ الإسلام، وهذه العبارة قالها أحد خلفاء بني العباس، وهو هارون الرشيد.

وقد شوَّه المستشرقون والمبشرون وأذنابهم كـ “جورجي زيدان” وغيره تاريخ هذا الخليفة العباسي “هارون الرشيد” الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً.

هذا الخليفة أرسل إليه أحد ملوك الروم ـ واسمه “نقفور” ـ خطاباً يتوعده فيه، ويقول له: إنك فعلت وفعلت، وكان قبلي من هو ضعيف، أما وقد ملكتُ فسأفعل وأفعل وأفعل.

يهدد المسلمين ويهدد الخليفة العباسي هارون الرشيد ويتوعده.

فماذا فعل هارون الرشيد؟ هل قابل هذا الهجوم بما نسمعه اليوم من صراخ وهجوم إعلامي كما نسمعه في قضية فلسطين..؟ اليهود يخططون ويفعلون، ونحن إذا تكلمنا تكلمنا بصراخ ليس وراءه شيء..؟!

بل أخذ هارون الرشيد الخطاب، ومن باب الاستهتار بصاحبه كتب على ظهره ـ لأنه لو كان مكرَّماً لحفظ الخطاب عنده وكتب له خطاباً جديداً ـ كتب على ظهره عبارة مختصرة يقول له فيها:

“من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما تراه لا ما تسمعه”.

وكان الجواب تطبيقاً عملياً لهذه الرسالة؛ بأن سير في يومه ذاك جيشاً لجباً؛ انطلق من موطن الخلافة العباسية إلى بلاد الروم، فأدّب نقفور ومن وراءه. وجعله يدفع الجزية ضعف ما كانت تدفعه الملِكة قبله.

إذاً جواب هارون الرشيد هو الجواب العملي.

ما يشترط في مواجهة أعدائنا من القوة

إن مواجهة هذه الحرب المتنوعة تحتاج منا إلى أمور، نركز على أمرين:

أما الأول منهما فهو أن نعلم أنه ليس من شرط انتصارنا على أعدائنا وعلى حربهم الفكرية والعقدية وغيرها ليس من شرط ذلك أن نكون مثلهم في القوة، فلا ينبغي لقائل من المسلمين أو الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن يقول: إننا لن ننتصر على أعداء الله في الشرق والغرب حتى نكون مخترِعين للأطباق والصواريخ والكمبيوتر وغيرها، لنكون مثل العدو، حتى نحاربهم بمثل ما هم يفعلون.

نحن لا ننتظر هذا، ولم نكلف بهذا، وهذا من رحمة الله بنا.

أتدري ما الذي كلفنا به..؟! لم نكلَّف بأن نكون مثل عدونا في القوة، يقول تبارك وتعالى للمؤمنين: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال:60].

فالمطلوب من المسلمين أن يُعدوا ما استطاعوا، ولو كانت مقدرتهم العَددية والعُدّيَّة محدودة، فالواجب عليهم مع الإيمان والإخلاص أن يُعدوا ويأخذوا بالأسباب المادية بما استطاعوا فقط، ونحن نعلم أنه في تاريخ المسلمين منذ عهد المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما رأينا مواجهة بين المسلمين وأعدائهم كان المسلمون فيها مثل عدوهم أو أكثر، بل كل معاركهم ـ تقريباً ـ كان المشركون فيها أكثر من المسلمين أضعافاً مضاعفة، وكانت نتائج ذلك كله ـ تقريباً ـ أن الله ينصر عباده المؤمنين.

إذاً ونحن نشاهد هذه الوسائل ينبغي أن لا نيأس، ينبغي أن لا يصيبنا رعب من هذه الوسائل لنعلن أن العدو مسيطر، ولم يبق لنا إلا أن نستسلم له.

نقول: لا وألف لا..! نحن مسلمون أكرمنا الله بالإسلام؛ فإذا توكلنا عليه واعتصمنا به وأخذنا بالأسباب ولو كانت قليلة؛ فإن الله تبارك وتعالى ناصرنا ورادّ عنا كيد الكائدين، والله تبارك وتعالى يقول ـ ومن أصدق منه قيلاً وحديثاً: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر:51]، ويقول سبحانه وتعالى موجبا ًعلى نفسه شيئاً لا يجب عليه لكنه أوجبه على نفسه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:47].

فنحن إذا تمسكنا بديننا وأخذنا بما استطعنا من وسائل في الدعوة إلى الله، في رد كيد الكائدين، وفي تبصير الناس بدينهم، وفي مقاومة هذا الغزو الفكري والأخلاقي، وفي مقاومة العدو بمختلف الوسائل، متى ما أخذنا نحن ـ المسلمين- بهذه الوسائل مع اعتمادنا وإخلاصنا وتوكلنا على ربنا سبحانه وتعالى فلنعلم أن سنة الله أن ينصر عباده المؤمنين ولو كانوا أقل عدداً وعدة.

حاجتنا إلى الجواب العملي

نحن بحاجة ماسة إلى هذا الجواب العملي، فهذا الجواب العملي هو الذي يضفي على القلب وعلى الجسم نور الإيمان ونور العمل الصالح والتقوى والاستقامة ونور البصيرة وانشراح الصدر.

فإن كل من سلك مسلكاً من مسالك الباطل فلا بد أن تغيم عليه وتخيم على قلبه قسوة القلب وظلمته ووحشته، وهذا لا شك فيه أبداً؛ لأن المعاصي لها ظلمة على القلب، حتى لو رأيت صاحبها يضحك وكأنه مسرور، فلا والله، إنه يضحك ويريد أن يضحك لشدة ما يجده في داخل قلبه من ظلمة ووحشة.

وفي مقابل ذلك تجد الشاب المؤمن وهو يجاهد نفسه ويجاهد شهواته ويجتهد في طاعة ربه قوي الإيمان منشرح الصدر؛ لأن الله تبارك وتعالى قد وعد من التجأ إليه وتوكل عليه وعمل بطاعته أنه لا يشقى في الدنيا ولا في الآخرة.

واستحضِر وعداً ربانياً لإنسان لا يشقى في الدنيا والآخرة.

من هو..؟ إنه الشاب الملتزم، إنه الرجل الملتزم.

وإذا تركت ليلة دعاك إليها صديق السوء لتسمر وذهبت إلى الطيبين، أو نمت على خير وصليت صلاة الفجر فاعلم  ـ أيها الشاب المسلم ـ أنك ـ واللهِ ـ قد نلت فوزاً عظيماً، وأن رحلة أولئك إلى موطن الفساد لن يزيدهم إلا فساداً ووحشة وضلالاً وانحرافاً وتعقيداً في حياتهم.

وهذه سنة الله تبارك وتعالى، أن من أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكاً، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه:124] ـ يعني في الدنيا ـ ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه:124 – 126].

السعادة هي أن نكون مؤمنين وأن نكون شجعاناً في الثبات على الحق.

خاتمة

ولتكن هذه الكلمة عنواناً لحياة الشاب المسلم، بأن يقول: يا أعداء الله..! يا من تحاربوننا بكل الوسائل..! الجواب هو “ما ترونه لا ما تسمعونه”.. ستجدون مني التزاماً وطاعة؛ لأن هذا هو الذي يريحني، وهو الذي يسعدني، وهو الذي يرضيني، وهو الذي يرضي ربي في الدنيا والآخرة، ونعْمت التجارة الرابحة بين العبد وبين ربه.

………………………………….

هوامش:

  1. صحيح البخاري (7/ 35)، ورواه مسلم والترمذي وأحمد.

المصدر:

  • الشيخ عبد الرحمن المحمود. محاضرة مفرغة بتصرف يسير.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة