يزعم المنافقون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنة، ويعتذر البعض عن القيام بأمر الله خوف الفتنة، بينما الفتنة حاصلة في المعاصي وترك الإنكار.

مقدمة

في (المقال الأول) أوضح الكاتب أمر الله ورسوله للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخاطر ترك ذلك على الأمة، وأوضح أهمية التوازن بين الاهتمام بالنفس وعدم التدخل في شأن الآخرين وبين الأمر والنهي الذي أمر الله تعالى به، وأوضح نماذج من إنكار السلف للمنكرات وقيامهم بأمر الله تعالى.

مفاسد شيوع المعاصي وترك الإنكار

عندما يترك الناس الأمر بما أمر الله به، والنهي والإنكار لما نهى الله عنه؛ فإن الوقوع في المنكرات هو تحقيق لمفاسد نهى الله عنه من أجلها، وتضييع الواجبات يتضمن تضييع مصالح قد شرع الله الواجبات من أجلها، وعلى هذا فلا بد أن تتحقق مفاسد إذا ترك الناس الأمر والنهي الواجبين.

ومن مظاهر الفتن الناجمة عن فشو المعاصي والفساد وإهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

خلل حاصل في الضرورات الخمس يصيب الجميع

الفتنة والفساد الذي تتعرض له الضرورات الخمسة التي جاء الشرع الحنيف للمحافظة عليها وحمايتها من الفساد، فالناس تعاني من الظلم والعنت والفساد في أديانهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم ونسلهم، حتى أصبح الإنسان لا يأمن على شيء في هذه المجتمعات التي لا تحكم بشرع الله ويقلّ أو ينعدم فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والفتنة حين تشتعل وتقوم بسبب ترك المفسدين بلا أمر ولا نهي فإن إطفاءها يصعب، بل تمتد لتصيب البعيدين عنها الكارهين لها  بسكوتهم عن الظالمين المشعلين للفتنة.

التعرض للباس الجوع والخوف

التعرض لعقوبة الله عز وجل وعذابه في الدنا الآخرة، في الدنيا بما يصيب الإنسان من الكوارث والنوازل والحروب ومنع القطر من السماء والمجاعات والمخاوف ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل:112)، وأما في الآخرة فعذاب الله أكبر لو كانوا يعلمون.

ومن هنا ندرك ونقدر ذلك العمل الشريف الذي يقوم به مصلحو هذه الأمة في الدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على أمتهم من عذاب الله في الدنيا والآخرة، كما قال الله عن مؤمن آل فرعون:

﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (غافر:30-33).

انقلاب الأوضاع واتهام المصلحين

وفتنة أخرى أطلّت برأسها لا ندري من أين جاءتنا؛ هي ما يُرفع في وجه الدعاة الآمرين والناهين في أكثر بلدان المسلمين من تهم باطلة وإشاعات كاذبة تصفهم بالخوارج تارة، وإثارة الفتن وزعزعة الأمن تارة، وبالابتداع تارة.

وكون هذه التهم تصدر من دعاة العلمنة والفساد فهذا أمر متوقع وغير مستغرب، لكن أن يصدر من بعض المتحمسين للعلم والدعوة فإن هذا من العجائب، والعجائب جمّة!

فبالله .. أين الفتنة والخروج فيمن يحذّر الأمة من الشرك وآثاره؟

وأين الفتنة فيمن يحذّر الأمة من هبوطها في وحل الرذيلة بما تبثه وسائل الإعلام من قتل للأخلاق وتحريض على الفساد، وإغراء للمرأة على السفور والعُري وهجرٍ لبيتها وعشها؟

أين الفتنة فيمن يحذّر الناس من الربا والبيوع المحرمة؟

أين الفتنة فيمن يحذر النااس من محبة الكافر وموالاة أعداء الله عز وجل؟

إن الفتنة في ترك الناس على هذه المفاسد وغيرها لا يُؤمرون ولا يُنهون.

وإن وصف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالخروج على جماعة المسلمين مع براءتهم من ذلك هو في الحقيقة فتنة.

وهذا شيخ الإسلام يبين أن لزوم جماعة المسلمين وولاة أمورهم لا يعني ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يقول رحمه الله تعالى:

“ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال أئمة الجور، وأمر بالصبر على جورهم، ونهى عن القتال في الفتنة؛ فأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم يرون قتالهم والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظلماً، ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظناً أن ذلك من باب ترك الفتنة، وهؤلاء يقابلون أولئك”. (1)

ويقول في موطن آخر مبيّناً أن لزوم جماعة المسلمين ودرْء الفتنة لا يعني ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك قول كلمة الحق:

“ومع ذلك فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب إظهار السنة والشريعة، والنهي عن البدعة والضلالة بحسب الإمكان، كما دل على وجوب ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

وكثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة في ذلك، فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة، فإما أن يؤمر بهما جميعاً، أو يُنهى عنهما جميعاً، وليس كذلك، بل يؤمر وينهى ويصبر عن الفتنة؛ كما قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (لقمان: 17).

وقال عبادة رضي الله عنه: «بايعْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيث ما كنا، ولا نخاف في الله لومة لائم».

فأمرهم بالطاعة ونهاهم عن منازعة الأمر أهله، وأمرهم بالقيام بالحق.

ولأجل ما يُظن من تعارض هذين تَعْرِض الحيرة في ذلك لطوائف من الناس. والحائر الذي لا يدري ـ لعدم ظهور الحق، وتميز المفعول من المتروك ـ ما يفعل إما لخفاء الحق عليه، أو لخفاء ما يناسب هواه عليه”. (2)

خاتمة

يجب إدراك خطورة الأمر؛ إذ ترك المنكرات بلا إنكار يطال الجميع في بيوتهم وحياتهم، ويهجم عليهم في منازلهم وأولادهم، ويعاني الجميع ـ ومنهم الصالحون ـ من التعدي على أموالهم وأبدانهم، وأديانهم وأعراضهم، ولا يستطيعون إيقاف الانهيار.

فالأمان في القيام بما أمر الله؛ فهو صلاح للأمة وحماية للأجيال.

وأما اعتذار من يعتذر عن القيام بالأمر والنهي خوف الفتنة، أو استثناء الحكام من هذه الفريضة فهذا إيذان بطوامّ تحدث، ومصائب تتلاحق؛ إذ لو أمِن الحكام من فاعلية الأمة ومن قيامها عليهم بالأمر والنهي؛ فلا بد من التمادي وقطع خطوات أسرع في منكراتهم، التي من طبيعتها أنها منكرات عامة؛ إذ كما أن حسناتهم عظيمة؛ فكذلك سيئاتهم مُهلكة وعامة. والله تعالى العاصم.

……………………………

الهوامش:

  1. الاستقامة 1 \41-42
  2. الآداب الشرعية 1 \177.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة