تعقد الشهر القادم في مدينة شرم الشيخ المصرية قمة الأمم المتحدة للمناخ رقم 27: Cop27، وهو مؤتمر عالمي يعقد سنويا يحضره 197 دولة من أجل مناقشة تغير المناخ في أنحاء الأرض، وهذا المؤتمر جزء من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، وفي معاهدة دولية وقعتها معظم دول العالم بهدف الحد من تأثير النشاط البشري على المناخ. .

مؤتمرات لا تحقق إلا مصالح الدول الكبرى 

كعادة الأمم المتحدة تقيم الفعاليات التي تنتهي بلا شيء لصالح البشرية، أو بمعنى آخر تنتهي بما فيه مصالح الدول الكبرى وتتجاهل مصالح بقية الدول، كما اعتادت أن تجعل الدول الضعيفة مكبات لنفاياتها الضارة والخطيرة.

وقد توصل المؤتمرون في اجتماعاتهم السابقة إلى الاتفاق على وقف إزالة الغابات .. فما الذي تحقق؟!!

الواقع يقول: لم يتحقق شيء بل زاد استئصال الغابات لصالح دول كبرى للحصول على المزيد من منتجات اللحوم، يقول البروفيسور سيمون لويس – خبير المناخ والغابات في جامعة لندن -: من الجيد أن يكون هناك التزام سياسي بإنهاء إزالة الغابات من العديد من البلدان، وأن نوفر تمويلا كبيرا للمضي قدما في هذه الرحلة… وقد تم الاتفاق على ذلك من قبل في إعلان عام 2014م في نيويورك، ولكنه لم ينجح في إبطاء إزالة الغابات على الإطلاق… إن هذا الاتفاق الجديد لم يعالج الطلب المتزايد على منتجات مثل: اللحوم الناتجة عن المواشي التي ترعى في أراضي الغابات المطيرة؛ لأن هنالك مستويات عالية من استهلاك اللحوم في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا…

ووصف عالم البيئة الدكتور نایجل سايزر الاتفاقية بأنها: “اتفاق كبير”، لكن البعض سيجد أن هدف عام 2030م مخيب للآمال.

ولم تجد البشرية راحة يوما ما من اتفاق دول معرضة عن الإيمان بالله واليوم الآخر، ولا يهمها سوى مصلحتها الذاتية .

اهتمام الإسلام بالبيئة والحفاظ على الصحة

وقد اهتم الإسلام بالبيئة والحفاظ على الصحة وقوام عيش البشرية، وقد نهى الله عز وجل عن الإفساد في الأرض فقال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا).

وأعظم الإفساد في الأرض هو الإفساد بالشرك والمعاصي، ويدخل في العموم الإضرار بالناس وإفساد دنياهم ومعاشهم.

قال ابن عطية: قال الضحاك: معناه لا تغوروا الماء المعين ولا تقطعوا الشجر المثمر ضرارا، وقد ورد قطع الدينار والدرهم من الفساد في الأرض، وقد قيل: تجارة الحكام من الفساد في الأرض11- [تفسیر ابن عطية (2/410)].. وقطع الدنانير والدراهم: انتقاص وزنها والغش فيها.

وقال الشوكاني: نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه، قليلا كان أو كثيرا، ومنه قتل الناس، وتخریب منازلهم، وقطع أشجارهم وتغوير أنهارهم22- [فتح القدیر (2/243)]..

وقال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:205].

قال ابن عباس: (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ): الزرع (وَالنَّسْلَ) : نسل كل دابة33- [رواه ابن أبي حاتم بسند حسن عنه]..

حرص الإسلام على ما تدوم به الحياة من طير وحيوان وزرع

ونجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على إعمار الأرض المهجورة مما يوفر الغذاء والعمل النافع للإنسان؛ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق» قال عروة: قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته44- [رواه البخاري (2335)]..

وقوانين عامة الدول الآن تجعل عامة الأرض ملكا للدولة – خلافا للشرع – لا يتملكها أحد إلا بإجراءات جائرة مجحفة؛ فيكسل الناس عن عمرانها لعلمهم بمشقة تلك القوانين وجورها، وقد تنتزع منهم فيفقدوا ما خسروه في عمرانها..

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بزراعة الأرض حتى لو كانت الساعة تقوم؛ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها»55- [رواه أحمد (12902) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة (9)] ..

والفسيلة: نبتة شجر صغيرة أو نخلة صغيرة.

وما ذاك إلا ليبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الزراعة، وأن المسلم يؤجر عليها كما يؤجر على الشعائر التعبدية .

وعن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»66- [رواه البخاري (2320) ومسلم (1553)]..

ونحوه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»77- [رواه مسلم (1552)]..

فتأمل حرص الإسلام على ما تدوم به الحياة من طير وحيوان وزرع، وحتى لو اكتنفت الزراعة أخطار السرقة وهجوم السباع !!

تحريض الإسلام على الزراعة

وعن جابر رضي الله عنه قال: كانت لرجال منا فضول أرضين، فقالوا نؤاجرها بالثلث والربع والنصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه…»88- [رواه البخاري (2632) ومسلم (1536)، ورواه مسلم (1544) – أيضا – من حديث أبي هريرة..] ..

وفي ذلك تيسير على الناس للقيام بالزراعة، وفيها الترغيب لمنح الأرض بلا مقابل لمن يزرعها تشجيعا من الشرع على عمارة الأرض وزراعتها..

وتوعد صلى الله عليه وسلم من قطع شجرة السدر التي هي من أكثر ما ينتفع به أهل البوادي؛ عن عبد الله بن حُبشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار»99- [رواه أبو داود (5239) وغيره، و حسنه الألباني]..

وقد سئل أبو داود – صاحب السنن – عن معنى هذا الحديث فقال: هذا الحديث مختصر، يعني: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار.

بل حض النبي صلى الله عليه وسلم على التنازل عن أي فضل أو ما زاد عن الاحتياج – خاصة في أوقات الشدائد- كما ثبت عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له». قال: فذكر من أصناف المال مما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل1010- [رواه مسلم (1728)]..

من صور الإفساد في الأرض ما يحدث بسبب استخراج الطاقة

ومن إفساد الإنسان اليوم للمناخ وللمال معا؛ ما يحدث بسبب استخراج الطاقة، فإن مليارات الدولارات تحترق في الهواء، وتبدد ثروات الأرض من الطاقة و الوقود من خلال مشاعل اللهب في الحقول النفطية، وهي ظاهرة تهدد العالم بتلوث بيئي خطير، فأثناء التنقيب عن النفط وإنتاجه يخرج من الأرض غاز طبيعي، فتلجأ الشركات للتخلص منه بإحراقه بألسنة لهب كبيرة؛ لأسباب تتعلق بالسلامة وتجنبا لوقوع انفجارات خطيرة.

وتقدر البناء الدولي وجود 10 آلاف شعلة لهب حول العالم، تستمر بحرق الغاز الفائض على مدار الساعة، لا سيما في روسيا والولايات المتحدة ودول الخليج، وبلغ الغاز المحترق عام 2021م نحو 144 مليار

لتر مكعب، وهو ما يكفي لتوفير الطاقة لمنطقة جنوب الصحراء الإفريقية – دول القارة السوداء -، وحرق الغاز يطلق سنويا 400 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وقدر الاتحاد الأوروبي لعلوم الأرض أن حرق الغاز الفائض مسؤول عن 40% من الكربون الأسود المتراكم في القطب الشمالي، وسبب رئيسي لذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي.

وينتج عن الحرق مخاطر كيميائية تهدد صحة الملايين، والأشخاص الذين يعيشون قرب مشاعل الغاز يصبحون عرضة للعديد من الأمراض بسبب انتشار مادتي البنزين والنفثالين مع دخان الغاز المحترق.

وهل من حلول بديلة؟

يمكن لشركات النفط جمع الغاز ونقله والاستفادة منه، لكن تترتب على ذلك تكاليف أعلى من قيمة الغاز، لا سيما في الحقول المنتشرة في الصحاري والمناطق النائية.

وقد أطلق البنك الدولي خطة “إنهاء الحرق الروتيني” تماما؛ لوقف الحرق غير الضروري بحلول عام 2030م، في خطوة قد تكلف شركات الطاقة أكتر من 100 مليار دولار.. فهل سيفعلون هذه المرة ما فيه مصلحة للبشر؟

إن الإسلام وحده هو الكفيل بحل مشكلات العالم.. حتى أنه ذهب إلى أبعد من ذلك؛ فقد حمی الكلاب، ونهى عن قتلها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهیم..»1111- [رواه الترمذي (1489) وحسنه، وصححه الألباني]..

بل وحرص الإسلام على الحفاظ على كل ذي روح – مما لا يضر بالبشر -؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينَما رجلٌ يمشي بِطريقٍ اشتَدَّ بهِ العَطشُ ، فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها ، فشرِبَ ثمَّ خرجَ ، فإذا كلبٌ يلهَثُ ، يأكُلُ الثرَى من العَطشِ ، فقال الرَّجُلُ : لقد بلغَ هذا الكلبُ من العَطشِ مِثلَ الَّذي كان بلغَني ، فنزلَ البِئرَ فملأَ خُفَّهُ ثمَّ أمسكَه بفيِه فسَقَى الكلبَ فشكرَ اللهُ لهُ ، فغَفرَ لهُ . قالوا : يا رسولَ اللهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ قال: في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ»1212- [رواه البخاري (2466) ومسلم (2244)]..

المحافظة على البيئة من أوامر الشرع

ومن حرص الشرع على المحافظة على البيئة أمر النبي صلى الله عليه وسم بإماطة الأذی کالأوساخ والقاذورات والعوائق التي تعوق انسياب الطريق، بل جعل ذلك شعبة من شعب الإيمان: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»1313- [متفق عليه، واللفظ لمسلم]..

فكيف إذا كان هذا الأذي يلوث الهواء والماء؟!

كما أمر بتطهير الأفنية -وهي الساحات التي أمام البيت- عن عامر بن علي، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طهروا أفنيتكم، فإن اليهود لا تطهر أفنيتها»1414- [رواه الطبراني في الأوسط (4057) وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3935)]..

ومما أمر به الشرع -أيضا-: المحافظة على المياه؛ فمنع الإسراف فيها لغير حاجة، وهذا من أعظم متطلبات المحافظة على البيئة، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: «ما هذا السرف یا سعد؟» قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار»1515- [رواه أحمد (7065) وغيره ، وحسنه الألباني في الصحيحة (3292)]..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل»1616- [رواه أبو داود (26) وحسنه الألباني]...

والموارد: طرق الماء، وأحدها: موردة1717- [معالم السنن (1/21)]..

وبالجملة: إذا أرادت البشرية انتظام بيئتها ومجتمعاتها دون خلل أو فساد فلتلمس تعاليم الإسلام التي شرعها الله عز وجل رحمة بها ورفعة لها فهو أنفع لها في دنياها، فإن آمنت بما جاءت به الرسل فسيحصل لها سعادة الدارين الدنيا والآخرة..

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

الهوامش

1- [تفسیر ابن عطية (2/410)].

2- [فتح القدیر (2/243)].

3- [رواه ابن أبي حاتم بسند حسن عنه].

4- [رواه البخاري (2335)].

5- [رواه أحمد (12902) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة (9)] .

6- [رواه البخاري (2320) ومسلم (1553)].

7- [رواه مسلم (1552)].

8- [رواه البخاري (2632) ومسلم (1536)، ورواه مسلم (1544) – أيضا – من حديث أبي هريرة..] .

9- [رواه أبو داود (5239) وغيره، و حسنه الألباني].

10- [رواه مسلم (1728)].

11- [رواه الترمذي (1489) وحسنه، وصححه الألباني].

12- [رواه البخاري (2466) ومسلم (2244)].

13- [متفق عليه، واللفظ لمسلم].

14- [رواه الطبراني في الأوسط (4057) وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3935)].

15- [رواه أحمد (7065) وغيره ، وحسنه الألباني في الصحيحة (3292)].

16- [رواه أبو داود (26) وحسنه الألباني].

17- [معالم السنن (1/21)].

اقرأ أيضا

حاجة العالم اليوم إلى الإسلام

الإسلام وأمن البشرية.. (1) رسالة وطريق

الإسلام وأمن البشرية .. (2) جدية وتضحيات

 

التعليقات غير متاحة