إن الهدف المعلن للحلف بأنه ضد إيران هو كذب وخداع إنما هو ذريعة للهدف الحقيقي وهو جعل دويلات الخليج ومن حضر المؤتمر ذنبا لليهود ومحميات لهم وعلى هذه الدول فتح اقتصادها وإعلامها وتعليمها وسياحتها لليهود يسرحون ويمرحون. وباختصار هو حماية لأمن اليهود وجعل السيادة والقوة لها في المنطقة.

وظيفة العلماء بيان الحق وفضح الباطل وتحذير الناس منه

إن الله عزوجل قد أخذ الميثاق على العلماء ليبينوا للناس الحق وما يضاده من الباطل وذلك في أكثر من آية من كتاب الله عزوجل.  منها قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وقوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) أي هلا نهى العلماء الفساقَ عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما صنع العلماء بسكوتهم. وروى الطبري بسنده إلى الضحاك قوله: ما في القرآن أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية .

وإن الناظر اليوم في واقع الأمة وما يراد لها ويعرض عليها من دين جديد سواء في المفاهيم والمعتقد أو في الأخلاق والقيم ، ليشعر بالخطر من هذه الفتن التي يرقق بعضها بعضا وذلك على فئتين من الناس:

الأولى : عامة الناس وسوادهم وما يقعون فيه بسبب هذه الفتن والفساد الممنهج في الدين من انحرافات شنيعة في المعتقد والسلوك.

الثانية: فئة العلماء والدعاة بما يصيبهم من الإثم العظيم بسكوتهم وكتمهم للحق ، أو قولهم للباطل نسأل الله العافية والسلامة.

وإن ما نشاهده اليوم لاسيما في بلاد الحرمين من تسارع شديد في التفلت من الدين فهما وسلوكا وذلك بخطط ممنهجة حثيثة  لينذر بالخطر إن لم يؤد العلماء أمانتهم في بيان الحق وفضح الباطل وتحذير الناس منه .

مقدمتان لضبط الفهم والموازين

وإنه من باب إبراء الذمة والنصح للأمة نسجل هنا بعض الأمور المهمة التي تعين على فهم ما يحدث ويخطط له المفسدون ، لعلها أن تسهم في بيان الحق  للناس فيتبعوه وبيان الباطل فيجتنبوه ولعلها أيضا أن تسهم في رفع الوعي بالواقع وبيان سبيل المجرمين . وقبل ذلك نقدم لها بمقدمتين عظيمتين تضبط الفهم والموازين.

المقدمة الأولى : حكمة الله عز وجل في كل ما يقدره

أن نصدر في أفهامنا وموازيننا ومواقفنا من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . ومن ذلك العلم اليقيني بأن الله عزوجل هو الذي يدبر الأمور ويقدرها ويقضيها بعلمه وحكمته ورحمته ولطفه وخلقه لها في الزمن والمكان الذي يختاره الله عزوجل ويحدده . قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وقال سبحانه: (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ) وقال جل شأنه: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) وبهذا الفهم نوقن أن الله عز وجل له الحكمة في كل ما يقدره وأن مآلها خير لعباده المؤمنين وفي ذلك من الحكم والمصالح مالا يعلمه إلا الله (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) كما أن هذا الفهم يفيدنا في أن الله هو القاهر فوق عباده ونواصيهم بيده وأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا إلا بإذنه قال سبحانه: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) وقال سبحانه: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه) وهذا يجعلنا نفرد الله عزوجل بالتوكل والاستعانة وإحسان الظن به سبحانه وأن ننقي قلوبنا عما سواه خوفا أو رجاء .

المقدمة الثانية : التعرف على سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول

معرفتنا أن لله سننا لا تتبدل ولا تتحول وأن ما يحدث من أمور وحوادث إنما هي مقتضى أسمائه الحسنى وسننه الثابتة وأن شيئا لا يحدث هكذا عبثا تعالى الله عزوجل عن ذلك ، وهذا يقودنا لأن نتعرف على سننه تلك ونسير في مواجهتنا للأحداث في ضوئها ومن ذلك سنته في المدافعة بين الحق والباطل وسنته في الابتلاء والتمحيص ليتميز الخبيث من الطيب وسنته في الإملاء للكافرين وسنته في أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله وكل هذا في القرآن.

نقاط حاكمة تعين على فهم ما يحدث وتحذير الناس منه

وبعد هاتين المقدمتين نسجل هنا بعض الأمور المهمة التي تعين على فهم ما يجري وما ينبغي أن يبذل في تحذير الناس منه وتغييره حسب الاستطاعة .

الأمر الأول: أن ما يحدث تجاوز كونه منكرا فرديا إلى مخطط لحرب هذا الدين وطمس معالمه

ينبغي أن ننظر لما يحدث من فساد وانحلال في بلاد الحرمين بل وفي جميع بلاد المسلمين نظرة شمولية لا نظرة جزئية بمعنى أن لا ننظر إلى ما يحدث بأنه حدث جزئي أو منكر فردي أو تصرف فرد من أفراد المفسدين بل يجب أن تجمع هذه القطع المتناثرة من صور الفساد وتجمع في لوحة واحدة حينها سيظهر لنا أن الأمر تجاوز كونه منكرا فرديا أو تصرفا شخصيا إلى أنه مخطط إفسادي ممنهج قد درس أعداء الإسلام أهدافه ومراحله ووسائله وطرق إقناع الناس بقبوله وتبريره وأنه مخطط لحرب هذا الدين وطمس معالمه الراقية في السلوك والعقيدة وتبديله وعلمنته وتحويله إلى إسلام مترهل هو الذي يريده الغرب الكافر ويرضى به.

وعلى سبيل المثال لو جمعنا الصور المتعددة التي نراها للتغريب ولاسيما للأسرة والمرأة وجمعناها في لوحة واحدة لتبين لنا أنه مخطط مدروس لتبديل أحكام الله فيما يتعلق بالأسرة والمرأة وعلمنة المجتمع ، وقل مثل ذلك في الصور الكثيرة لتبديل الدين في التعليم والإعلام والاقتصاد وغيرها.

وفرق بين من رام التغيير والإصلاح بهذه النظرة الشاملة الواعية وبين من نظر إلى الأمر نظرة ساذجة وأن الأمر لا يعدو كونه منكرا جزئيا حصل في المجتمع كما تحصل في المجتمعات المسلمة في أي مكان وزمان.

الأمر الثاني : أن الله لا يقدر شرا محضا بل فيه من الخير والمصلحة ما يربوا على مفاسده

سبق أن ذكرنا في المقدمة الأولى أهمية معرفة الله عزوجل بأسمائه الحسنى وأن الأمر كله له من قبل ومن بعد وأن جميع الحوادث التي تحدث في ملكه سبحانه هي بما يقتضىيه علمه وحكمته ورحمته وعزته وقهره ، وبناء على هذا فإن المؤمن ينظر إلى هذه التغييرات وإن كان ظاهرها مفسدة ومؤلم إلا أن لله عزوجل الحكمة في الإذن بوقوعها الإذن القدري لا الإذن الشرعي وأن الله لا يقدر شرا محضا بل فيه من الخير والمصلحة ما يربوا على مفاسده . لذا فإن المؤمن الذي يحسن الظن بربه يرى في هذا المكر من الماكرين خيرا ويدخل في قوله تعالى: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) وقوله عز وجل: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

بعض المصالح والحكم الربانية في هذه الشرور

 زيادة وعي الناس ومعرفتهم للحق وأهله ومعرفتهم لسبيل المجرمين

تعرية الباطل وأهله ومعرفة الناس لهم ولكيدهم بعد أن كانوا يخادعون الناس باسم الإسلام وخدمة الحرمين ، فيظهر حتى لأعشى البصر فسادهم وإفسادهم وخيانتهم للأمة ودينها وأخلاقها، فألقى الله عزوجل بغضهم في قلوب الناس وقابل الله مكرهم بمكر أشد وأنكى (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ومن مكر الله عزوجل أن خذلهم وأملى لهم وأغفلهم عما يترتب على حماقاتهم وقراراتهم من إضرار وخذلان لهم قبل غيرهم وإسراع إلى نهايتهم المحتومة (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) .

فكان من جراء هذه التغييرات زيادة وعي الناس وزيادة معرفتهم للحق وأهله ومعرفتهم لسبيل المجرمين وسبل مكرهم وفي هذا خير .

تمييز الله عز وجل الخبيث من الطيب

ومن هذه المصالح أيضا تمييز الله عزوجل الخبيث من الطيب فيبين للناس حقيقة من يدعي الإيمان والإصلاح ممن هو صادق الإيمان .

استخراج عبوديات يحبها الله عز وجل

ومن هذه الحكم والمصالح الربانية ظهور عبوديات يحبها الله عزوجل لا تقوى وتتجلى إلا في حالات الصراع بين الحق والباطل كعبودية الولاء والبراء وعبودية الصبر والاستعانة بالله والتوكل عليه وعبودية المراغمة لأعداء الله عزوجل.

الامر الثالث: أن لهؤلاء الكفرة والمنافقين الذين يفسدون في الأرض أجل قدره الله لمحقهم وقصمهم

يقول الله عزوجل: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) ويقول سبحانه: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ) ويقول سبحانه: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ).

ألا ما أصدق انطباق هذه الآيات على الكفرة والمنافقين الذين يفسدون اليوم في الأرض ويمكرون فيها وما علموا أن الله عزوجل يمكر بهم الآن وهم لا يشعرون ، فتراهم يغترون بإمهال الله لهم فيزدادوا مكرا وفسادا حتى يصلوا إلى الأجل الذي قدره الله لمحقهم وقصمهم ، ولسنا الذين نحدد هذا الأجل فعلمنا وحكمتنا وقوتنا لا شيء في جانب علم الله وحكمته وقوته ، والله عزوجل يعلم بعلمه الأزلي أن لهم أعمالا باقية من الإفساد والمكر لم يعملوها بعد (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) فإذا اكتملت هذه الأعمال من المكر والإفساد جاءهم أمر الله وهم في غمرة ساهون يحسبون أنهم قادرون على كل شيء.

المؤمن المجاهد يبذل جهده في نصرة الدين ولا يشغل نفسه بموعد هلاك الظالمين وزوالهم

ونحن اليوم نرى تسارع المفسدين وأكابر المجرمين في إفساد البلاد والعباد كيف يزداد فسادهم يوما بعد يوم ولم يصبهم شيء فيؤدي بهم ذلك إلى الغرور والازدياد من الإثم وذلك إملاء لهم من الله.

والمتأمل لغطرسة الظالمين وإفسادهم الكبير للضرورات الخمس وبلوغهم الذروة في الظلم والطغيان ليشعر في ضوء معرفة الله عزوجل وأسمائه وسننه التي لا تتبدل أن نهايتهم قريبة ولكنهم لا يشعرون (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).

ومع ذلك فإن المؤمن المجاهد يبذل جهده في نصرة الدين ولا يشغل نفسه بترقب ذلك اليوم أو السؤال عنه ، إنما حسبه أن يقوم بنصرة دين الله ابتغاء مرضاته وجنته على الطريق المستقيم (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

الأمر الرابع: أن مقصودهم من وراء هذه التحالفات سيطرة اليهود

في كل يوم نفاجأ بحدث أو تغيير مواقف من الحكام الظلمة يخرمون به الدين ويقطعون منه قطعة ومنها المؤتمر الشيطاني للحرب على الدين بقيادة طاغوت العصر بايدن وأتباعه من حكام الخليج والأردن ومصر والذي سيطرح فيه قرارات وتغييرات وتحالفات تنتهي إلى أن تظهر دولة اليهود أنها المسيطرة على جميع هذه الدول وتطبع العلاقات معها وتنتهي العداوة وتحل المحبة وفتح البلاد لهم ليفسدوا الحرث والنسل وتصبح دول الخليج ومصر والأردن محميات لهم بحجة التحالف أمام الخطر الإيراني.

وقفات وإيضاحات لهذا الحدث الكبير والخطير 

أولا: هذا الحدث حلقة في مسلسل الحرب على ديننا

إن هذا الحدث يأخذ مكانه في اللوحة الكبيرة كقطعة من قطعها التي تنتظم مع بعضها ليظهر المشهد الكامل لواقع هذه الأنظمة وارتكابها لعدة نواقض من نواقض الإسلام وإن هذه الخيانات وتولي أعداء الله من دون المؤمنين ليست هي أولى سوءات المجرمين ولكنها تزيد من سوءاتهم فقبلها رفض شرع الله وتولي أعداء الله ومظاهرتهم على المسلمين وشرعنة خروج المجتمع والأسرة والمرأة على أحكام ربها وشرعه . كل هذه السوءات من نواقض الدين يضم إليها تولي اليهود والنصارى باسم الإبراهيمية ، ليكون ذلك زيادة في الكفر كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا).

ثانيا: الهدف المعلن للحلف بأنه ضد إيران هو كذب وخداع

يعلل المتآمرون على الدين وأهله اجتماعهم وتحالفهم بالوقوف أمام الخطر الإيراني وتمدده في المنطقة . والخطر الإيراني لا يستهان به ولكننا نعلم أن هذا التبرير خداع للمسلمين واستخفاف بهم فإنه لم يعد يخفى تلك العلاقات السرية بين أمريكا واليهود والتفاهمات الغير معلنة ولم يعرف أن إيران الشيعية وقفت أمام النصارى في تاريخ الصراع معهم حتى تقف اليوم لتحاربهم ، بل الدراسات التاريخية والمعاصرة تدل على أن هناك تعاون بين الشيعة الروافض وبين النصارى واليهود لحرب أهل السنة ، وإلا فمن سلم العراق على طبق من ذهب لإيران والشيعة إلا الأمريكان الصليبيون ومن سمح لهم بالتغلغل في سوريا وغض الطرف عنهم إلا أمريكا .

إذن فالهدف المعلن للحلف بأنه ضد إيران هو كذب وخداع إنما هو ذريعة للهدف الحقيقي وهو جعل دويلات الخليج ومن حضر المؤتمر ذنبا لليهود ومحميات لهم وعلى هذه الدول فتح اقتصادها وإعلامها وتعليمها وسياحتها لليهود يسرحون ويمرحون. وباختصار هو حماية لأمن اليهود وجعل السيادة والقوة لها في المنطقة.

ثالثا: الحذر من استخدام العلماء لتبرير هذه الخيانات وتضليل الناس من ورائهم

ومن المكر الكبار الذي سينشأ من خداع المسلمين بأن هذا المؤتمر يهدف إلى إنشاء حلف عسكري لمواجهة إيران ما يخشى من أن يسعى الحكام لإقناع كبار العلماء بإصدار بيان وفتوى يؤيد هذا التحالف والتطبيع مع اليهود بحجة جواز الاستعانة بالكافر على عدو خارجي يريد غزو البلاد وعلى جواز الصلح معه كما صالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشا في صلح الحديبية ، وهذا إن حصل طامة كبرى يتحمل من يفتي في هذه النازلة إثمها الأعظم لتبريرهم لهذه الخيانات وتضليل الناس من ورائهم .

ولو تم هذا كذلك فقد يتلوه إلزام للخطباء بتلاوة هذه الفتوى على المنابر لتغيير الرأي العام من كونه معاد لليهود رافضا لاحتلالهم لمقدسات المسلمين إلى كونه محبا مسالما لليهود راضيا بما يفعلونه بإخواننا المسلمين في فلسطين مرحبا بهم في بلاد الحرمين .

ولسنا بصدد الرد على شبهة جواز الصلح مع اليهود بحجة صلح النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش فقد كفانا ذلك بحوث ومقالات كثيرة موجودة على الشبكة العنكبوتية في بيان حكم هذه الخيانات وتسليم ديار المسلمين لليهود فليرجع إليها.

ولكن العجب من بعض أهل العلم الذين يقيسون خيانة الأمة بمحبة أعدائها وإقرارهم لليهود بالاحتلال بفعله عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية .

رابعا: أيها العلماء اتقوا الله واحذروا أن تكونوا أداة في يد العدو يحاربون بكم الإسلام وأهله

بناء على الفقرة السابقة نذكر العلماء والخطباء لو طلب منهم ذلك بأن يتقوا الله عزوجل ولا يضللوا الأمة بفتاوى أو خطب يوظفها أعداء الإسلام وأذنابهم المنافقون في هدم الإسلام وأصوله وثوابته ، لا تستعجلوا وادرسوا هذه النازلة في ضوء الكتاب والسنة وعقيدة الولاء والبراء وواقع الأعداء واستبانة سبيل المجرمين وكيدهم وخططهم . اتقوا الله واحذروا أن تكونوا أداة في يد العدو يحاربون بكم الإسلام وأهله (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) واعلموا أنكم بهذه الفتاوى تتحملون ضلال كل فرد من الأمة . اربعوا على أنفسكم ولا تحملوها أوزاركم وأوزار من تضلونهم بغير علم . اللهم هل بلغنا اللهم فاشهد.

خامسا: لا تفتوا قبل معرفة الواقع وتفنيد المصالح المزعومة

إن من يفتي بجواز التحالف والتطبيع مع اليهود مستدلا بصلحه عليه الصلاة والسلام مع قريش في صلح الحديبية ، إنه لم يعمل القاعدة المجمع عليها بين أهل العلم [الحكم على الشيء فرع عن تصوره] بل أهملها وأفتى في هذه النازلة الخطيرة دون أن يعرف واقعها وإنما حسب ما صورها له الماكرون من أعداء هذا الدين من المنافقين الذين لا هم لهم إلا دنياهم وعروشهم فجاءوا بزخرف من المصالح التي زعموا أنها ستتحقق في هذا التطبيع وأن فيه درءا لمفاسد كبيرة تترتب عليه. فينخدع بهم المفتي ويوجهونه إلى فتوى يريدونها . ورحم الله ابن القيم حين قال: (يحرم عليه إذا جاءته مسألة فيها تحيل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو مكر أو خداع أن يعين المستفتي فيها ويرشده إلى مطلوبه أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده بل ينبغي له أن يكون بصيرا بمكر الناس وأحوالهم ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا فقيها بأحوال الناس وأمورهم يؤازره فقهه بالشرع وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ .. وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق ، وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل ، ومن له أدنى فطنه وخبرة لا يخفى عليه ذلك بل هذا أغلب أحوال الناس)1(1) [اعلام الموقعين 4/229]..

سادسا: العلم بسبيل المجرمين لا يقل أهمية عن العلم بالأحكام الشرعية

بناء على ما سبق يجب على المفتي في هذه النازلة أن يكون محيطا بسبيل المجرمين ومكرهم وفق أمر الله عز وجل: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) ولا يكفي أن نعرف المجرمين بأعيانهم وأحوالهم فإن الله عزوجل لم يقل ولتستبين المجرمين بل قال: (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي لتستبين طريقهم ومكرهم وكيدهم وخططهم وخداعهم . فعلى أهل العلم أن يكونوا على دراية بسبيل المجرمين ولا سيما في هذه النوازل التي تمس عموم الأمة والكافر طرفا فيها ، ففي هذه الأحوال لا يكفي أن يكون عالما بالأحكام الشرعية وأصولها وفروعها بل لابد أن ينضم لذلك العلم بأحوال وواقع القضية التي يريد أن يفتي فيها وحقيقة أطرافها وإلا ضل وأضل.

 سابعا: بعض الأهداف الخبيثة لهدا التحالف

ولكي نرى بعض من يفتي في هذه النازلة بالجواز وأنه يفتي بلا علم نسوق حقيقة هذه الواقعة الباقعة من المفاسد والمخاطر العظيمة على الدين وأهله وأن قياسها على صلح النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش أو مع اليهود قياس فاسد وقول على الله بغير علم. لذا سوف نسوق بعض هذه الأهداف الخبيثة التي جاء بعضها على لسان الكفرة أنفسهم في حديثهم عن التطبيع وأهداف المؤتمر المنعقد في جدة في 16/ذو الحجة/ 1443.

شكر وتشجيع لحكام المملكة على وقف تصدير وتمويل “التطرف الإسلامي”

يعلق فروموت ساتلوف مدير معهد واشنطن للدراسات على زيارة بايدن للسعودية وعقد مؤتمرة الخياني الشيطاني في جدة فيقول: (على بايدن إنهاء خلافاته مع السعودية حتى تستمر في الابتعاد عن التطرف الإسلامي ووقف تصديره وتمويله وتهنئتها بانتقالها من القرن السابع إلى القرن الواحد والعشرين وتشجيعها للمسلمين الولاء لبلدانهم بدل الولاء للأمة الإسلامية . من الضرورة أن تدرك أمريكا أن ابن سلمان أوقف تصدير الأيدلوجية المتطرفة وبدأ بتغييرات جذرية اجتماعية وثقافية واقتصادية وأوقف دعم شبكة عالمية من المدارس والمساجد والمدارس الدينية المتطرفة ودعى المسلمين في جميع أنحاء العالم على إعطاء الأولوية للولاء للبلدان التي يعيشون فيها ، لا لنسخة الإسلام العابرة للأوطان . هذه التغييرات تصب في مصلحة أمريكا وهي في مراحلها الأولى. ودعا (ساتلوف) بايدن إلى الذهاب للرياض ومصافحة ابن سلمان على ما قام به دون السجود له مقابل ضخه لبراميل من النفط والتربيت على كتفه لتهنئته على الخطوات الحيوية ولكن غير المكتملة التي اتخذها لجر السعودية من القرن(7) إلى ( 21) وحثه على مواصلة العمل).

التعاون مع اليهود في الجوانب الأمنية والاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية

أما عن التحالف الشيطاني الخياني الذي يريد رأسه المدبر (بايدن) إقامته في بلاد المسلمين في مؤتمر جدة والذي لم يذكر في البيان المشترك ولا في التصريحات المعلنة فهو تحالف ضد الإسلام وأهله ويتكون من عشر دول هي دول مجلس التعاون الست ومصر والأردن ودولة اليهود وأمريكا وهو تحالف وتعاون بين هذه الدول والكيان اليهودي في الجوانب الأمنية والاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية وبناء عليه يتحالف الأعضاء بحفظ أمن كل عضو من التحالف وعدم التعدي على أمنه واقتصاده كما تلتزم الدول الأعضاء بتبادل المصالح والمعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري والاقتصادي في جميع المجالات . محاولة لإنهاء مقاومة اليهود ودفن القضية الفلسطينية .

ومن باب الخداع والمكر يصور المخططون لهذا الحلف بأن دول الخليج سيحصل لها استقرار اقتصادي مربوط بالنظام العالمي وتستفيد من ردع التهديد الإيراني الذي تضخمه أمريكا واليهود وتستفيد من الإمدادات العسكرية الغير محدودة من أمريكا واليهود.

المشاريع السياحية الغرض منها استقرار دولة اليهود وضمان أمنها

كما أن المشاريع السياحية التي تنفذ حاليا في مصر والسعودية والأردن وأبرزها (نيوم) ستصبح منطقة دولية تحت قوانين دولية ومحاكم دولية وشرطة خاصة وستزدهر السياحة والتجارة فيها وستدر على الدول المشاركة الأموال العظيمة وذلك من السياحة والاستثمارات الأجنبية (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).

والمستفيد الأكبر من هذا التحالف هي دولة اليهود حيث ستبرز بأنها القوة العسكرية الأولى وستحصل على حمايتها واستقرارها بفعل تحالف هذه الدول معها وتعهدها لها بالحماية . وستقوم دولة اليهود بالتوسع وجعل المجاهدين في حالة عزلة ومعاداة لكل هذه الدول الأعضاء ويأمن اليهود على دولتهم من جميع الحدود.

وستكون القدس تحت تحكم اليهود ماعدا الأماكن القديمة وستكون تحت تدابير وإدارة لجنة دولية مكونة من تسعة أعضاء 3 مسلمين (سني، شيعي ، درزي) و3 نصارى و3 أعضاء يهود ويشترط أن الجميع يحملون الجنسية اليهودية.

انضمام هذا الحلف إلى الناتو الغربي لردع الصين وروسيا

وترمي أمريكا من هذا التحالف إلى أن يتطور بعد تأسيسيه وقناعة الأعضاء به إلى أن ينضم إلى الناتو الغربي لردع خطر الصين وروسيا وهذا هو الهدف الاستراتيجي الثاني لأمريكا بعد أن تحقق الهدف الاستراتيجي الأول وهو استقرار دولة اليهود وضمان أمنها وإبرازها الشرطي العسكري في المنطقة وبقية الدول أذناب ومحميات لها ولو قامت حرب بين إيران واليهود فستكون مادته البشرية من أبناء المسلمين في الخليج وإمداداتها من أموال النفط الخليجي، هذا ملخص الأهداف لهذا التحالف الشيطاني.

وصايا هامة لعلماء الأمة

فهل يعي العلماء الذين يفكرون بإعطاء الفتوى لجواز ذلك حقيقة هذه المؤامرة . ألا ما أعظم مسؤليتكم أيها العلماء أمام الله وكم من الإثم ستجنونه على أنفسكم ومن تضلون به من هذه الأمة بسبب غفلتكم عما يخطط للدين وأهله وستكتب شهادتهم ويسألون.

كلمة أخيرة نوجهها إلى إخواننا الدعاة والمجاهدين من أهل السنة نذكرهم فيها بوصية الله لهم: (اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) وقوله سبحانه: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وقوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) فأجمعوا أمركم وأتوا صفا فقد بان لنا اليوم تآمر أعدائنا علينا وعلى ديننا حيث رمانا العدو عن قوس واحدة والجميع من التيارات الإسلامية مستهدف الآن ومحارب فإن لم نجتمع في مثل هذه الظروف الخطيرة فمتى سنجتمع؟

إننا نعيش ظروفا استثنائية من الاستضعاف وتسلط الباطل من كفار ومنافقين الأمر الذي يستوجب أن ننسى خلافاتنا في مواجهة الخطر الأعظم علينا وعلى الأمة وأن نلين في أيدي إخواننا وأن نحول خصومتنا وخلافاتنا إلى العدو الأكبر الذي يريد طمس هويتنا وسحق ديننا وتبديله مع بقاء التناصح بيننا فإن لم نفعل ذلك فستكون فتنة وفساد كبير.

اللهم بك نصول وبك نجول ، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك ، اللهم امكر لنا ولا تمكر علينا وانصرنا ولا تنصر علينا اللهم رد كيد الكافرين والمنافقين في نحورهم وخالف بين كلمتهم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الهوامش

(1) [اعلام الموقعين 4/229].

اقرأ أيضا

زيارة بايدن للمنطقة العربية

“ولتستبين سبيل المجرمين” .. دروس وعبر

آل سعود، من “مطاوعة” الى التطبيع مع اليهود .. مختارات من “المسلمون والحضارة الغربية” (5)

التطبيع مع اليهود والحلقة المفقودة

 

التعليقات غير متاحة