الجانب الآخر من جوانب هذا التوحيد وهو جانب عظيم ونحتاج للحديث عنه وهو ما يتعلق بإتيان الكهان والسحرة والمشعوذين، فقد عم هذا البلاء وطم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- حتى أصبحت البيوت تضج وتشتكي، والهواتف والرسائل تأتي تباعاً إلى أهل العلم والدعوة ممن يشكون مما حل بهم.

 علم الغيب هو لله وحده

بعد أن كان هذا الأمر من أقل ما يمكن، وإذا به ينتشر وإذا بشره يستطير -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فما هو موقفنا جميعاً من هؤلاء؟ وما حقيقة ما يقوله أولئك أو ما يدعونه؟ وهل يعلم الغيب أحد غير الله تبارك وتعالى؟. سبحان الله العظيم! يذهب الناس إليهم ويسألونهم عن ضالة فقدت أو عن أمر يريدونه أو عن عمل أو عقد يريدون أن يبرموه، وهل الزواج سيكون موفقاً أم غير موفق؟ هل هؤلاء يعلمون الغيب؟! ألم يقل الله تبارك وتعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) [الأنعام:59] وتقديم الظرف أو المعمول دائماً يشعر بالاختصاص، كما في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة:5] أي وحدك نعبد ولا نعبد غيرك، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) أي ليست عند أحد سواه، ولا يعلمها إلا هو، فلا يعلم الغيب أي (الغيب المطلق) إلا الله تبارك وتعالى، كما قال تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل:65] فكيف يليق هذا بمن يعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه لا يعلم الغيب، بل قال: (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) [الأنعام:50] وقال: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف:188] ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أكان يبعث سبعين من خيار الصحابة من القراء، إلى بئر معونة فيقتلون جميعاً ولا يرجع منهم أحد؟!!

هذا لا يمكن أن يفعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان يعلم الغيب أكان يوم أحد يخرج ويقع له ولأصحابه ما وقع؟! أم كان سيبقى في المدينة كما أشار عليه من أشار -أمور كثيرة واضحة- وفي حادثة الإفك لما افتري على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كان ينتظر أعظم الانتظار وهو موقف ما أشده على النفس وما أشقه على قلوب أهل الغيرة والإيمان -وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أغير هذه الأمة ولا أغير منه إلا الله تبارك وتعالى- لكنه انتظر حتى نزلت براءتها من عند الله تبارك وتعالى؛ فلو كان يعلم الغيب -أيضاً- لأخبرهم وانتهى الأمر… وهكذا أمور كثيرة جداً في سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

إذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب، ولا يعلمه أبو بكر ولا عمر ولا من دونهم؛ فكيف يعلمه هؤلاء الذين يدَّعون ذلك الآن من الدجالين المشعوذين الذين يذهب إليهم؟!!

 حكم إتيان السحرة والكهان

أما حكم من يذهب إليهم فليس هيناً كما يحسبه بعض الناس؛ فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوضح ذلك وبينه بقوله: “من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة” وفي الحديث الآخر: “من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” ولا تعارض بين الأمرين، فلو أن أحداً ذهب إلى عراف أو إلى كاهن أو إلى قارئة الفنجان أو خطاط رمل أو منجم أو فلكي -كما يسمونهم أحيانا الفلكيين!- أو إلى أي شيء من هذه الأمور، كمن يذهب إليه في مقابلة صحفية، أو يذهب إليه ليرى أحواله وليتفقد ما عنده، من غير أن يصدقه بما يقول، فإن هذا لا تقبل له الصلاة أربعين يوماً،

لأن هذا بدافع الفضول، يقول: أذهب لأرى ماذا يفعل هذا، ولماذا يتجمع هؤلاء عنده؟ بهذا فقط، أما لو ذهب إليه فصدقه بما يقول كأن يقول مثلاً: أنت ستتزوج فلانة وتنجب منها أولاداً؛ والوظيفة ستترقى فيها لمرتبة كذا، أو كذا، أو يقول: عندما ضاع منك الشيء الفلاني أخذه فلان، أو عندما وقع لك المرض الفلاني كان بسبب فلان، أو أي أمر من هذه الأمور، فإن صدقته بما يقول؛ فقد كفرت بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

إذاً فالأمر عظيم وعظيم جداً… ولماذا كفر؟ لأن مما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) [الأنعام:59] فمن زعم أن أحداً يعلم الغيب فقد كفر بهذه الآية وأمثالها.

آثار السحر والكهانة وأضرارهما

من اعتقد أو ظن أن هؤلاء السحرة والكهان يعلمون الغيب فقد وقع في الفتنة العظمى فيفتن الناس في دينهم، ولا سيما ضعفاء العقول من كبار السن مثلاً أو الصغار أو النساء، وكل ضعيف عقلٍ أياً كان. وهذه صورة أخرى لهذا الشرك، فهو شرك مركب: لأنه قد خوف بعض الناس من هذا الكاهن أو الساحر، بأنه قد أخبر عن فلان، وحدَّث بما وقع لفلان، وما سيقع لفلان إذاً: فيمكن أن يراني الآن؛ فتجد -والعياذ بالله- أن الخوف من غير الله واضح جداً.

والخوف المقصود به: هو ما دون الطبيعي، أما الخوف الطبيعي: فهو أن تخاف من وحش أو حادث أو بئر؛ لكن الخوف الذي هو عن غيب، فيقال: فلان كاهن فلا تتكلم، ولا تجعله يفعل بنا كذا فيؤذينا؛… فيجعله كأنه رب، وكأنه إله فوق رأسه -والعياذ بالله- بل وكأنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؛ وكأنه الذي له الكرام الكاتبين يكتبون ما يقول ولو كان في أبعد مكان، حتى والله إن بعضهم -من بعد مئات الأميال أو ألوف الأميال- يقول: لا تتكلم في كذا، لا نستطيع أن نقول على السادة الفلانيين كذا! فهذا لا يكون إلا عبودية لغير الله، فأي خوف مثل ذلك إلا الخوف من الله؟!

فهؤلاء -أيضاً- قد ضلوا وأضلوا، ولهذا جعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإمام الداعية المجدد الذي جدد الله تبارك وتعالى به التوحيد والملة -من أنواع الطواغيت الخمسة الكبار- أي رؤساء الطواغيت الكبار (من ادعى شيئاً من علم الغيب) فليس هو مجرد كافر فحسب؛ بل هو أفظع من ذلك، فهو طاغوت والطاغوت: مادة الكفر وسبب الكفر؛ فلأجله وبه وبتصديقه يقع الكفر في فئام عظيمة من الناس، وهذا هو الواقع في كل الأوقات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حكم تعلم السحر وتعليمه

وعن حكم تعلم السحر وتعليمه فقد قال الله تبارك وتعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102] فقال: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) إذاً: فتعليم السحر وتعلمه كفر، قال تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة:102] جعل الله تبارك وتعالى الحجة قائمة على من يتعلم هذا العلم الخبيث أنه من فتنة الملكين اللذين جعلهما الله تبارك وتعالى فتنة، فيقولان: إنما نحن فتنة فلا تكفر، أي: لو علمناك هذا العلم وذهبت لتفعل ذلك، فقد كفرت؛ فلا تكفر.

ولذلك من تعلم ذلك فقد تعلم السحر، والحجة قائمة عليه؛ لأن هذا التعلم كفر -والعياذ بالله-.

فهل هناك زاجر للمؤمن عن هذا العمل الخبيث أشد وأعظم من الكفر ومن تعلم ذلك؟ قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة:102] فأصحاب الذنوب -وكلنا مذنبون- يرجى لهم في الآخرة خيرٌ، فيخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، بتيسير الله تبارك وتعالى للشافعين أن يشفعوا فيه؛ فكل هؤلاء مهما ارتكبوا من الأعمال يرجى لهم الخير، أما الكافر أو المشرك فهو الذي لا يرجى له الخير وما له في الآخرة من خلاق؛ وليس له في الآخرة إلا النار، فمن هم هؤلاء؟ إنهم الكفار الذين ارتدوا عن الدين ووقعوا في الشرك المبين -والعياذ بالله- .

إذاً: فمن تعلَّم هذا العلم وعلمه وعمل به أو صدق أصحابه فهو داخل في هذا الوعيد الشديد، وقد خسر الدنيا والآخرة، وما له من حيلة إلا أن يستغفر الله تبارك وتعالى ويتوب إليه، ويرجع عما كان يعمل، ويتدارك قبل أن يدركه الأجل ويأتيه الموت، وهو على هذا الكفر العظيم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا وإياكم من ذلك.

السحرة وطرقهم في ترويج أكاذيبهم

إن هؤلاء السحرة والكهان لهم شبهات وطرق معروفة لدى كثير من الناس إلا عند بعض العامة وضعاف الإيمان الذين قد تمر عليهم هذه الأكاذيب.

فمن هذه الشبهات: صدقهم في بعض الأخبار، وهي لا تذكر بالنسبة إلى كذبهم، وهذا ما جعل البعض يصدقهم؛ فبعض الناس يقول: أخبرني أن الضالة الفلانية في مكان كذا، وأنه حصل لي كذا…، وهذا حق وصدق. فنقول: هذه شبهة شيطانية باطلة؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرنا أن هذه الفتنة ستقع؛ فقال: “فربما ألقيت الكلمة قبل أن يدركه الشهاب” والشهاب يرسله الله تبارك وتعالى رجوماً للشياطين -حتى يعلم الناس أن ما أنزل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق وصدق- (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء:210-212].

ولهذا لما وجد الجن (السماء) (مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) [الجن:8] أيقنوا وآمنوا؛ وكان ذلك إيحاءً وإرهاصاً ببعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك فإن هذا الجني أو الشيطان قد يدركه الشهاب قبل أن يقول الكلمة، وربما لا يدركه إلا بعد أن يقولها، ويلقيها إلى الكاهن؛ يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فيكذب معها مائة كذبة” فهذه كلمة واحدة متيقن منها؛ لأن الشيطان استرق السمع من الملائكة؛ فإذا قضى الله تبارك وتعالى الأمر في السماء وحدث به جبريل، ثم حدث جبريل به من دونه تتحدث به الملائكة أن الله تبارك وتعالى قضى بكذا، فيلتقطه هذا الخبيث (الشيطان) ويهوي به؛ فيهوي الشهاب وراءه فربما ألقاها إلى وليه (الكاهن) قبل أن يدركه الشهاب.

فمثلاً: كانت هذه الكلمة (سيموت فلان أو سيقع كذا) فماذا يحدث؟

يأتي هذا الكاهن المتمرس المتدرب على الكذب فيكذب معها مائة كذبة، وهذه فتنة من الله تبارك وتعالى، – فإذا تاب وقال له الناس: أتذكر ذاك اليوم فيعلم أنه قد وقع في شر أعماله؛ وهناك كثير ممن مَنَّ الله عليهم بالهداية، ففي الفتاوى ذكر شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله أن بعض من هداه الله بَيَّنَ هذه الأكاذيب كلها.

وفي زماننا هذا يذكر أحدهم فيقول: (والله ما كنت كاهناً ولم يلْقِ لي أحد بكلمة؛ لكني رأيت أن بعض الأحيان يقول: أحدهم كلمة فتقع) وهكذا صارت مهنة يتكسب منها فيكذب ويكذب وتقع كلمة مما قاله؛ فيذكر الناس بها ويترك المائة كذبة. فهؤلاء الكهان هم أولياء الشياطين وهذه هي شبهتهم في ادعائهم أنهم يطلعون على أمور الغيب، نسأل الله أن يعافينا وأن يعيذنا منهم.

 شبهة السحرة والرد عليها

وأما شبهة السحرة فهم يقولون: (نحن إنما نكتب الآيات ونرقي بالآيات، وليس عندنا شيء إلا القرآن)! وكلهم يقولون ذلك.

أولاً: هذا كذب، لأن هناك فرق بين من يرقي بكتاب الله تبارك وتعالى وبين هؤلاء السحرة؛ فلو أن أحد الناس فتش وقرأ ما يكتبون له؛ لعرف أنهم لا يكتبون قرآناً وآيات فقط، بل إنهم يكتبون، ما لا يفهم معناه، وهذا يدل على أنه الشرك. وهذه الكتابات استغاثات بطواغيت الجن، وفيها خطوط ومربعات ومثلثات أو حروف أو أعداد معينة ثم يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1] فيكون مثل الكاهن ويوهم الناس أنه قرأ قرآناً وآيات؛ ولكن لماذا لا ينظر هؤلاء الناس إلى باقي ما كتب من الطلاسم الشركية.

أما القرآن فيمكن أن يقرأهُ الكافر، بل وحتى المستشرق يمكن أن يستشهد به، لكن ماذا بعده؟ وماذا معه مما لا يفهم معناه؟! فهذا هو الخطأ وهذه هي المصيبة.

فـ(كتب السحر) و(علم السحر) توارثته السحرة من أيام تلك الفتنة (أيام الملكين بـبابل) إلى الآن، فقد جعلوا فيه الرموز والطلاسم باللغات القديمة -السريانية أو الآرامية أو غير ذلك- والمهم أنها رموز تدل على هذا الشرك.

 كيفية الوقاية من السحر

إذاً فما هو الحل وما هو العلاج لهذا الداء؟

أولاً: أن نعرف أن الله تبارك وتعالى غفور رحيم، وأنه أرحم بنا من الأم برضيعها، وأن الله تبارك وتعالى علمنا عداوة الشيطان وأولياءه، فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) [فاطر:6] فحذر منه أبانا آدم وحذرنا منه؛ لأن الله تبارك وتعالى يعلم ما له من تأثير حين قال (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف:27] وهو يعلم أنه يزين ويمكر ويوسوس، وله كيد، فهو ذو شأن في هذه الأمور… فهل يترك الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين بلا وقاية؟!

كلا والله، فالله هو الرحيم بعباده المؤمنين، وهو الذي يحفظ أولياءه؛ فهل يتركهم بغير سلاح يقاومون به عدوه الأكبر وحزبه الذين هم أعداء الله؟! لا يمكن أبداً؛ فلننظر إلى رحمة الله تبارك وتعالى وهي أنه (كلما كانت حاجة البشر إلى أمر من الأمور أعظم، كلما جعله الله تبارك وتعالى أيسر وأرخص وأسهل) فمثلاً نحن نحتاج الهواء وكل منا يحتاج أن يتنفس، ولذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى الهواء مجاناً، فالحمد لله أنه في كل مكان… ولو كان الهواء يشترى ويباع؛ لما تنفس منه إلا الأغنياء، لكنها حكمة من الله تبارك وتعالى، وكذلك (الماء) فهو ضروري للحياة، وقد جعله الله تبارك وتعالى ميسراً ومجاناً، وإن كان أقل من الهواء لكن المهم أنه موجود وسهل ورخيص.

فنحن أحوج ما نكون إلى شيءٍ نتحصن به من هذا العدو الخبيث الماكر الذي كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه: “إنه يجري من ابن آدم مجرى الدم” فبالتأكيد أنه لا يليق برحمة الله وبحكمة الله أن يكون المحصن لنا من هذا العدو الخبيث فيه صعوبة، مثلاً: كأن يجتمع الآلاف أو الأمة أو القبيلة أو القرية عند واحد -فقط- يقرءون عليه شيئاً من القرآن؛ ولو كان كذلك لكانت رحمة الله تبارك وتعالى ضيقة، وتعالى الله عن ذلك، لكنه إنما شرع لنا جميعاً ما نتحصن به، وليس كما حدث أيام الكوليرا والحمى الشوكية حينما انتشر التحصين في كل شارع وفي كل مكان وفي الحرم وعند أبواب المساجد وفي المدارس؛ وباء عظيم؛ لكنه ليس أكبر من وباء الشياطين؛ الذي جعل الله تعالى علاجه عاماً ميسوراً وسهلاً ودواءً موجوداً في كل بيت؛ فما هو هذا الدواء؟ (إنه قرآن أو ذكر) فهذا أو ذاك، الكبير والصغير حتى لو لم يقرأ فيمكن أن تعلمه بعض الآيات، والأذكار السهلة الميسورة، التي تقيه وتكون حصناً وحرزاً له من الشيطان، ومنها آية الكرسي، وأذكار أخرى، والأدلة في ذلك كثيرة ومعروفة.

فمثلاً قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) من الذي لا يستطيع أن يقول ذلك، وقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1] وقراءة المعوذتين، وغيرها؛ وقول: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء… إلخ ) وكذلك (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فهي كثيرة ميسرة -والحمد لله- أيضاً فأيها حفظت وأيها قلت؛ فأنت إلى خير -والحمد لله- ولكثرة طرق هذا العدو ولشدة بأسه علينا فلابد أن يكون هذا السلاح في القلب، لأنه لو أن الجندي -مثلاً- كان في معركة ونام أو غفل عن سلاحه، وداهمه العدو فأسره فسيكون استخراجه من الأسر فيه صعوبة؛ وكذلك الشيطان إذا دخل عن طريق السحر.

 ما هو السحر

السحر: هو النفث في العقد قال تعالى: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق:4] والنفاثات في العقد هن: السواحر؛ لأن الغالب أن الذي يتعاطاه إما نساءٌ من الإنس أو من الجن، وأما قوله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق:5] فهي العين، فإذا غفل الإنسان عن سلاحه؛ وقع وأصيب بالسحر أو أصيب بالعين وصعب علاجه، وأما الذي لا يغفل عن سلاحه ولا يتركه أبداً، وإنما يتحصن به ويتوكل على الله تبارك وتعالى فلا خوف عليه أينما كان؛ فالله حافظٌ له، لأنه قد عمل بما علَّمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الشأن، واحتاط به… فإن وقع له بعد ذلك أمر فليعلم أنه ابتلاء من الله تبارك وتعالى.

فكما يبتلى فلان بسرطان -عافانا الله وإياكم- أو بحادث؛ فيموت أو يمرض -أيضاً- يقع الابتلاء بهذه العين، أو بهذا السحر، أو بأي شيء فمن ابتلي بذلك فلا يقنط ولا يجزع، بل يصبر ويتعالج ويحتسب، ولا يجعل هذه الأمور الخفية تذهب به؛ فيضيع إيمانه وتوحيده ويذهب إلى الكهان والمشعوذين والدجالين، -نسأل الله العفو والعافية-.

طرق الشيطان في الإغواء

إن مادة الشرك محسومة ومقطوعة -بفضل الله تبارك وتعالى- بذكر الله تبارك وتعالى، وباليقين في الله تبارك وتعالى، وبمعرفة أن هذا الشيطان الخبيث لا سلطان له على المؤمنين أبداً، كما قال سبحانه: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99] فلا سلطان له عليهم ولا يطيقهم، بل يخافهم هو وأولياؤه. فـعمر رضي الله عنه كان إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً آخر… لا يمكن أن يلتقي به أبداً!؛ لقوة إيمانه. وهكذا.. فكل من ذكر الله تبارك وتعالى وأكثر من ذكر الله فله نصيب من هذا، ولذلك إذا ذُكر الله خنس الشيطان، وإذا نسي العبد عاد ووسوس -والعياذ بالله- ولكن كيده ضعيف؛ ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح لما شكا إليه الصحابة من الوسوسة وما يجدون مما لا يستطيعون الحديث عنه، قال: “الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة” فالشيطان لا يأتي أحداً من الناس ويذهب به ليفعل كذا، إنما هي خواطر تأتي؛ فإذا استعاذ بالله وأعرض عنها ذهبت، ولهذا لا نسترسل معه في أية وسوسة.

فمثلاً: يقول لك: اعمل معصية كذا وذنب كذا، وهذا هين وهذا كذا، وهذا ليس شركاً، وهذه ليست بدعة، وهذه ستستغفر الله تبارك وتعالى منها وتتوب إليه. فكل هذا يجب أن نتوب منه، وأن نحذر وأن نعلم أنه -أي الشيطان- عدونا كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] فإنه يوم القيامة يتبرأ منا، ويقول: ما دعوتكم ولا أغويتكم كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في سورة إبراهيم وغيرها.

نصائح وتوجيهات

أولاً: علينا أن نحفظ أبناءنا ونساءنا وأمهاتنا وآباءنا من هذا الداء العظيم الذي انتشر في زماننا هذا؛ لأن كثيراً من الناس ربما ذهب بعض أهله إلى هؤلاء الكهان أو السحرة وهو لا يعلم، فيقعون في الشرك وهم يصلون ويصومون ويحجون ويزكون، وبيوتهم تخلوا من المنكرات وفيهم خير كثير، ولكن لن ينفعهم شيء من ذلك إذا وقعوا في هذا الشرك، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة:72] أي أن الشرك: يحبط الأعمال ويحرم من دخول الجنة ويستحق صاحبه الخلود في النار؛ وهذا أمر عظيم يجب أن نذكِّر به وألا نمل من التذكير به.

ثانياً: يجب علينا أن نحارب هؤلاء بالإبلاغ عنهم، ومكاتبة الجهات المسئولة حتى نقضي عليهم، سواء كانت الهيئات أو وزارة الصحة، أو أي جهة تستطيع أن تضبطهم وترفعهم إلى من يقيم عليهم حد الله تبارك وتعالى، كما يجب أن يمنع هؤلاء وأن يزجروا لأنهم مادة الكفر وسببه في هذه الأرض والعياذ بالله.

ومما لا شك فيه أن هذا الكفر يكون عظيماً وشنيعاً فكيف إذا كان في بلد مقدس (مكة ، أو المدينة ) فإنه أشد ما يكون في هذا البلد الطاهر المقدس، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلاد المسلمين ويطهرها منهم.

المصدر

المكتبة الشاملة: محاضرة للدكتور سفر الحوالي بعنوان “الشرك قديما وحديثا”.

اقرأ أيضا

آثار التوحيد في حياة الأمة

فتن يجب الفرار منها .. فتنة الغربة

الفرار إلى الله.. لماذا؟

 

التعليقات غير متاحة