إنشاء أمة فاضلة يبدأ بنشء صالح ولا يأتي ذلك إلا من خلال تربية على منهاج النبوة.

اللعب بعقول وأخلاق الناشئة

تطالعنا الأخبار بالكثير والكثير من الأزمات في عدن -وعموم اليمن والعالم الإسلامي-، ولكن أخطر هذه الأزمات هي ما يَطال عقول وأخلاق الناشئة الذين هم أمل ومستقبل أمة الإسلام، وذلك من خلال مناهج التعليم المنحرفة وبرامج الثقافة في العالم العربي والإسلامي، وفي عدن خصوصًا، فبعد مؤامرة تفريغ عدن من الأئمة والمصلحين والموجهين والمربين وذلك بعمليات قتل ممنهجة استمرت عدة أعوام، وترتب عليها بالطبع هجرة كثيرين منهم، لتخلوا عدن من المرشدين أو يقل فيها الإرشاد والتوجيه..

هجمة تغريبية واضحة ضد أطفال عدن

وفي عدن تبرز الصورة واضحة للهجمة التغريبية ضد أهلها وخاصة الأطفال؛ فعلى سبيل المثال، فقد أعلن مكتب الثقافة بعدن قبل أيام عن تأسيس فرقة لتعلم الباليه..

وقالت مديرة الثقافة بعدن “رندا عكبور”: يعلن مكتب الثقافة بعدن عن تأسيس فرقة رقص الباليه للأطفال، وستكون الفرقة خاصة بمكتب الثقافة، وستشارك بالفعاليات والمناسبات التي سيقيمها المكتب.

وأردفت تدعو الناس لفرقتها قائلة: من يشعر أنَّ طفله عنده الاستعداد ليكون ضمن هذه الفرقة وسينتظم بأوقات التدريب فليتقدم للتسجيل في مكتب الثقافة بعدن في أوقات الدوام الرسمي..

ورقص الباليه لا يقتصر على مرحلة الطفولة؛ ففي الموسوعة الحرة:

دراسة الباليه تتطلب من الفرد عدة سنوات تصل إلى ثمان أو تسع سنوات؛ لإتقان عناصره الحركية المختلفة… وعند نهاية سنوات الدراسة يحصل الطالب على شهادة إتمام دراسة فن الباليه الكلاسيك. لذلك لابد أن يكون التعلم من الصغر، حتى يتشكل جسم الراقص ويكتسب المرونة المطلوبة لممارسة هذا الفن. السن المناسب للالتحاق بصفوف تعلم الباليه هو ما بين الثامنة والعاشرة، حيث أنَّ الأطفال الأصغر سنًّا لا تكون عظامهم قوية لتحمل الجهد والضغط العضلي والعصبي الذي يتعرضون له أثناء الدراسة. لكن بداية من سن الثامنة يكون الطفل قادرًا على التحكم في جسده، وعلى فهم طبيعة كل العناصر الحركية والتركيز على الإيقاع والحفاظ على توازنه وثباته أثناء الرقص. أمَّا في سن الحادية عشر فسيكون من الصعب على الطفل تنمية المرونة، فكلما تقدم الدارس في العمر وجد صعوبة في التعلم. انتهى.

فمن الواضح أنَّ العدة تعد ليكون المنضمون لفرقة الباليه نواة للراقصين والراقصات في عدن -وغيرها-؛ ولتصير موطنًا لأنواع الرقص المختلفة والفسق والفجور؛ فالأمر لن يتوقف عند الباليه، فأنواع الرقص والفساد كثيرة..

فالقائمون على ما يطلقون عليه مكتب الثقافة -إن لم يتراجعوا ويتوبوا- يصدق فيهم قوله تعالى:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء/ 27].

يقول الطبري رحمه الله تعالى:

…﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾، يقول: ويريد الذين يطلبون لذَّات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها ﴿أَنْ تَمِيلُوا﴾ عن أمر الله تبارك وتعالى، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرَّم عليكم وركوبكم معاصيه ﴿مَيْلًا عَظِيمًا﴾، جورًا وعدولًا عنه شديدًا. اهـ 1[جامع البيان (8/212)].

تنامي مبتكرات الفساد والإجرام بين أطفال عدن

ألا يلتفت مكتب الثقافة وغيره من أجهزة الدولة لحماية الأطفال من الإجرام الذي يتنامى بين الأطفال في عدن، وها هي مبتكرات الفساد والانحراف تتنامى وتتطور، وقد شاع بينهم خطة البالونات الخادعة وهي آخر مبتكرات أطفال عدن لخداع المارين بسياراتهم، وخلاصتها: أن مجموعة أطفال معهم كرة مقطوعة وبداخلها بالونة منفوخة يقومون باللعب -في الظاهر- بالكرة في الشارع، فإذا مرت سيارة غريبة يبدو على سائقها الغنى يقومون برمي الكرة المحشوة بالبالونة تحت العجلات حتى تنفجر البالونة من تأثير تصادمها بالعجلات المسرعة، فإذا انفجرت يقوم جميع هؤلاء الأطفال باللحاق بالسيارة مظهرين أشد الغضب على السائق بدعوى أنَّه فجر كرتهم بسيارته، فيصيحون بصراخ وأصوات مرتفعة على السائق مطالبين بثمن الكرة حتى يضطر السائق لمراضاتهم بالمال حتى ينجو من صراخهم، ثم يعيدون الكرة مرة بعد مرة مع سيارات أخرى، فيحصلون في نهاية المطاف على مبالغ كبيرة يقتسمونها فيما بينهم..

أثر التوجيهات والتربية النبوية على غلمان الصحابة

ولنتأمل ولنقارن بين هَمِّ هؤلاء الأطفال -الذين أهمل الأبوان والدولة توجيههم وتربيتهم- وبين هَمِّ غلمان الصحابة رضي الله عنهم، وكيف كان أثر التوجيهات والتربية النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ فعن عبد الرحمن بن عوف رضـي الله عنه قال:

بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي؛ فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا -تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا-؛ فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي. فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» قَالَا: لَا. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ؛ فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ». 2[رواه البخاري (3141) ومسلم (1752)].

فهذان الغلامان رضي الله عنهما هَـمُّهما نيل شرف القضاء على من سبَّ رسول الله صـلى الله عليه وسلم؛ فهل يفيق المسلمون لأطفالهم فيوجهونهم للقضايا المصيرية حتى يحملوا هَمَّ أمة الإسلام فيتربون على الرجولة الصحيحة منذ الصغر بدلًا عن الرقص واللصوصية؟!!

فارق التربية بين أطفال عدن وأطفال فلسطين

وأيضًا، فلنتأمل فارق التربية بين هؤلاء وأطفال فلسطين الذين تربوا على قضية مواجهة اليهود المغتصببين للقدس وعموم فلسطين؛ فأعملوا فكرهم في ابتكار شتى الطرق لتلك المواجهة، ومن ذلك الطائرات الورقية الحارقة التي يستخدمها أطفال فلسطين لحرق مزروعات وديار ومتاع اليهود في فلسطين المحتلة؛ فسببت لليهود همًّا وغمًّا وغيظًا لا ينقضي..

وفي عدن يتربى الأطفال على الفراغ والفوضى ورؤية المليشيات المسلحة المعتدية وجمع المال من أي وجه كان -ولو كان حرامًا-؛ فأعملوا فكرهم في ابتكار شتى الطرق للحصول على المال بالكذب والخداع..

والواقع أنَّ المسؤولية لا توضع في ظل الحكومات العلمانية -غالبًا- إلا في أيدي المنافقين وعباد الدنيا الذين هم الغثاء الذين أخبر عنهم النبي صـلى الله عليه وسلم بقوله: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». 3[أخرجه أبو داود من حديث ثوبان رضـي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].

وعندما تمتلئ القلوب بحبِّ الدنيا وكراهية الموت، يستهين بها عدوها، ويتلاعب بها، كما هو حال عامة المسلمين الآن..

نسأل الله تعالى أن يحفظ أطفالنا لنصرة دينه عزَّ وجلَّ، وأن يرد ضال المسلمين إلى الحق..

الهوامش:

  1. جامع البيان (8/212).
  2. رواه البخاري (3141) ومسلم (1752).
  3. أخرجه أبو داود من حديث ثوبان رضـي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

اقرأ أيضاً:

 

التعليقات غير متاحة