إن المسلم وهو في طريقه إلى الله تعالى قد يقع في أخطاء ومزالق تضر به وبالمسلمين، وأصحاب البصيرة الحقيقية هم الذين يقوَّمون هذه الأخطاء والمزالق تقويماً سليماً، ويقيسونها بمقياس الإسلام، ولا يذهبون مع الهوى كل مذهب؛ حتى تكون دروساً لهم في أعمالهم وحركاتهم ومستقبل أيامهم.

أخطاء تضر بالمسلمين

في معركة أحد هزم المسلمون لا من قلة في العدد، فقد انتصروا في معركة سابقة بعدد أقل، ولكن خالف بعض المسلمين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت النتيجة أن هزم المسلمون في تلك المعركة.

وفي معركة حنين بعض المسلمين أعجبتهم كثرتهم، فكادوا أن ينهزموا في المعركة، لولا أن ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم، ونادى العباس بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم أصحاب الشجرة الذين بايعوه في السنة السادسة من الهجرة على الموت، فناداهم مذكراً لهم بتلك البيعة التي بايعوها: أن يقاتلوا الأعداء حتى يقتلوا، فأجابوا ملبين، وأنزل الله نصره على تلك الفئة.

وفي معركة الجسر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصر أبو عبيد بن مسعود الثقفي قائد المعركة على أن ينتقل المسلمون إلى الضفة الأخرى تجاه العدو، مع أن جمعاً كبيراً من المسلمين كان رأيهم أن يبقى المسلمون حيث هم، حتى يعبر أعداؤهم إليهم، وكانت تلك هي الخطة، ولكن أبا عبيد أصر على أن ينتقل بالجيش إلى الجهة الأخرى، فكانت موقعة استشهد فيها من المسلمين جمع كبير.

فتلك أخطاء قد يرتكبها بعض المسلمين تؤدي إلى الهزيمة، وقد يلطف الله بعباده لسبب من أسباب النصر، كأن توجد طائفة تثبت في الميدان، وتكون النتيجة أن يصطفي الله سبحانه وتعالى فئة من عباده ويختارهم ليكونوا شهداء.

وينبغي للمسلمين كما علمنا القرآن أن يبحثوا عن أسباب الهزيمة وأن يتعرفوها، ثم تكون دروساً لهم في عملهم وحركتهم، ويستفيدون منها في مستقبل أيامهم، ولكن يبقى الذين لم يخطئوا والذين أخطئوا في دائرة الإسلام، لذا فقد كان شهداء أحد الذين خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من خيرة الشهداء على مر التاريخ، ولقد كان أبو عبيد قائداً فذاً، فقد أصر أن يبقى في المؤخرة والمسلمون ينسحبون إلى الضفة الأخرى حتى استشهد.

تقويم الأمور تقويماً سليماً يجنب الأمة المزالق

في مثل هذه الظروف تنشأ الأفكار في أذهان الناس، فتبدأ الظنون تذهب بالناس كل مذهب، والمسلم ينبغي عليه أن يكون صاحب بصيرة، فقوة المسلمين تكمن في وحدتهم، وقوة المسلمين تتمثل في هذه الوحدة، وأخطر قضية يواجهها المسلمون تجاه أعدائهم: أن يتسلل الشيطان إلى عقولهم أو أن يأتي دعاة الشر الذين هم شياطين الإنس فيفرقون صفوفهم في مثل هذه الظروف التي تكون فيها مصائب ونكبات يصاب بها المسلمون.

وأصحاب البصيرة هم الذين يقومون الأمور حق تقويمها، ويعرفون المقاييس التي يقاس بها الرجال الأعمال، وهم الذين يجنبون الأمة المزالق.

أما المسلمون الذين تذهب بهم الظنون، ولا يقيسون الأمور بمقياس الإسلام، بل يذهبون مع الهوى في كل مذهب؛ فإنهم يضرون أنفسهم ويضرون غيرهم.

لذا نجد أنه قد شارك فئة من هؤلاء في مقتل عثمان، فالذين أثاروا الفتنة في عهد عثمان قوم أشرار وماكرون، وقد شاركهم بعض أهل الخير، فرأوا العيب الصغير كبيراً والنقطة بحراً، وهؤلاء الذين لا يقيسون الأمور بمقياس الإسلام هلكوا.

وكذلك الذين شاركوا في هدم الخلافة العثمانية علموا بعد ذلك أنهم كانوا مضللين، فلقد كان الخير لهم ألا يشاركوا في هدم الخلافة وإن كانت ضعيفة، وإن كان فيها مرض، وإن كان فيها بلاء، بل كان عليهم أن يثبتوا أركانها لعل الله أن يبعث من ينقذها؛ لأنها كانت تجمع شمل المسلمين، وتلم كلمة المسلمين، وتقف في وجه أعداء الإسلام، لقد ظن هؤلاء أن الأخطاء الموجودة في الخلافة العثمانية تستوجب هدمها، فنقضوا البقية الباقية من السور الذي كان يحمي المسلمين، فاجتاحت الجيوش الصليبية بلاد الإسلام، فأصبحنا كما يقال: أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام.

وكثير من هؤلاء اعترفوا بأخطائهم ولكن بعد فوات الأوان، والمجتمع الإسلامي ليس على درجة واحدة، فبعض النفوس قوية متينة، وبعض النفوس ضعيفة، وبعض النفوس بين ذلك.

المعصية لا تخرج صاحبها من دائرة الإسلام

لقد كان في الصحابة من شرب الخمر، ولقد كان في الصحابة من ارتكب الزنا، ولم يخرجهم هذا عن دائرة الإسلام، وإلا فلماذا فرضت الحدود لو كانوا كفاراً عندما يفعلون الزنا وعندما يشربون الخمر؟! إذ لو كانوا كفاراً فلا يوجد أي فائدة من أن تقام الحدود على المسلمين، ولقد جيء برجل شرب الخمر أكثر من مرة، فلعنه أحد الصحابة بعد أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بضربه، فقال: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم، إنه يحب الله ورسوله).

ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم بـحاطب، وهو من الأوائل الذين شهدوا معركة بدر، بعد أن قرأ الكتاب الذي أرسله إلى المشركين، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما هذا يا حاطب؟!) أي: كيف تفشي أسرار المسلمين إلى أعداء الإسلام؟! وهذا ليس بالأمر السهل، إنه أمر خطير، فيقول: والله يا رسول الله ما كفرت بالله، وإني لأحب الله ورسوله، ولكن لي أولاد في قريش وليس لي أهل وعشيرة يدفعون عنهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صدقت، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم؟! فدمعت عينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: الله ورسوله أعلم).

فهذا موقف ضعف، ونحن لا نستطيع أن نحكم على مثل من يفعل فعل حاطب بنفس الطريقة، ولكن الذي نستدل به من الحديث: أن الكبار الذين استقر الإيمان في قلوبهم ولهم سابقة في الإسلام قد يقعون في أخطاء، فالمجتمع الإسلامي في صفوفه أشكال وألوان، والمسلم في مجتمع المسلمين يحب المسلمين، وسمة المسلم حبه للمسلمين، والمسلمون كالجسد الواحد، والمسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

حسن الظن بالمسلمين ووجوب التثبت في الأخبار

من جملة ما أحبه لنفسي ألا أنظر إلى الناس دائماً بمنظار أسود قاس، وكذلك لا ينبغي لي أن أنظر إلى الناس دائماً بمنظار قاتم، فالتهمة تحتاج إلى دليل وتحتاج إلى بينة، وبعض المسلمين يتهمون الآخرين بدون دليل وبدون بينة، وإنما بظنون وأوهام.

كان يقال للرجل: أرأيت الشمس؟ فيقول: نعم، فيقال: على مثلها فاشهد، أي: إياك أن تشهد شهادة تقوم على ظن أو تحكم حكماً يقوم على ظن.

وعرض المسلم مصون، ولا ينبغي للمسلم أن يقع في عرض أخيه بأقل أمر، وإنما ينبغي أن يصون عرضه، فلا يهمزه ولا يلمزه ولا يغتابه، ولا يطعن فيه بأمر قد يكون اجتهد فيه.

وكثير من المسلمين لا يكاد يرى في فلان من المسلمين عيباً حتى يتهمه بأشنع الصفات، وهو رجل صالح، وقارئ للقرآن، وعارف بالله سبحانه وتعالى، وليس معنى ذلك ألا نبصره بخطئه، وألا ننصحه فيما بيننا وبينه، فذلك من حقوق المسلم على المسلم، ولكن الكلام في عرضه في المجالس والمحافل، والتحدث عنه في كل مكان خطر ينبغي للمسلم أن يتأنى فيه.

وينبغي للمسلم أن يتقي ربه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الربا بضع وسبعون شعبة، أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) فأشد حرمة من الربا عرض الرجل المسلم، فإذا طعن المسلم في عرض أخيه، فذلك عند الله ذنب عظيم.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من ليس له دينار ولا درهم، قال: ولكن المفلس من يأتي بحسنات أمثال الجبال، فيأتي وقد ضرب هذا، وقد شتم هذا، وقد وقع في عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، ويأخذ هذا من حسناته ويأخذ هذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضعت عليه، ثم ألقي في النار)، فهذا رجل أفلس، ثم زيادة على الإفلاس تأتي السيئات فتوضع فوق ظهره.

ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بأنهم: (كالجسد الواحد)، وتصفهم الآية الأخيرة في سورة الفتح: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29]، فبين المسلمين مودة وتراحم وتناصح، ومع الكفار عداء، فلا يتحول هذا الحال إلى تقاطع وتدابر فيما بين المسلمين، فالمسلمون يحبون بمقدار ما فيهم من خير، والأعداء يكرهون لذواتهم، ومع ذلك نحب لهم الخير، ولكن هم في ذواتهم يكرهون؛ لأن الله يكره ويبغض الكفار، ونحن نحب ما يحب الله ونبغض ما يبغض الله، فلا نحب يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً ولا ملحداً، ولو كان صديقاً أو أخاً أو أماً أو أباً: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22].

ولا يمكن أن يجتمع في قلب امرئ حب الله وحب أعداء الله، فالله يبغض كل مشرك، ويبغض كل كافر لم يقم على التوحيد والإيمان والاستقامة والطاعة لله سبحانه وتعالى، وإن كنا نحب لهم أن يسلموا ونحب لهم أن يؤمنوا وأن يهتدوا، فنحن نحب لهم الخير؛ ولذلك ندعوهم إليه.

أما المؤمنون فنحبهم وحبنا لهم يتفاوت، فمنهم إنسان ضعيف في إيمانه، وإنسان قوي في إيمانه، فينبغي أن يكون الحب بمقدار هذا الخير الذي فيهم، وإن كان فيهم جانب شر فنكره هذا الجانب.

وتجد بعض المسلمين اليوم لا يكاد يرى عاصياً من المسلمين إلا وقع فيه، وقد يصنفه مع الكفار، أو لا يرى أحداً من العاملين للإسلام وقع في خطأ في عمله إلا ويجعله عدواً للمسلمين، عميلاً لأمريكا أو عميلاً لروسيا! فلا يجوز أن تكون الأمور بهذا الشكل، ولا أن تقوم الأمور بهذا الشكل، فقد كان هناك أخطاء وقع فيها الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، فكانوا يقعون في أخطاء ليست كبيرة، ولا يخرجهم هذا من الصف الإسلامي، ولا يخرجهم من مجتمع المسلمين.

قياس الأمور بمقياس الإسلام يحفظ وحدة المسلمين

إن قياس الأمور بمقياس الإسلام أمر مهم يحفظ وحدة المسلمين، وإلا سيحل بالمسلمين -بدل التحاب والتواد الذي ينبغي أن يسود صفوفهم- التقاطع والتدابر والفتن التي تقطع ما بين المسلمين، فيتدابر المسلمون ويتنافرون ويتعادون، وقد يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، ويسفك بعضهم دم بعض، كما حدث في التاريخ الإسلامي لأسباب تافهة ليست حقيقية.

وليس معنى هذا أن نسكت على الخطأ، فنحن نحب المسلم ونذكره بخطئه، نحبه ونكره ما فيه من خطأ، ونكره ما فيه من معصية، والمسلم لا يكون صافياً في كل أحواله إلا ما شاء الله، وما أقل الرجال الذين يبلغون الكمال، فنحن نود للمسلمين الخير، ونحب لهم الخير، ونبين لهم ما فيهم من خطأ وقصور ونقصان، وننصحهم، وعند ذلك نتآلف ونتحاب ونتواد، ويصبح بعضنا رحيماً ببعض، ويصبح بعضنا ولياً لبعض، وعند ذلك تكون للمسلمين مسيرة مباركة.

كم من مريد للخير لا يدركه

مر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بقوم في مسجد الكوفة يسبحون ويذكرون الله وبين أيديهم أكواماً من الحصى، وعلى رأس الحلقة رجل يقول: سبحوا مائة! فيسبحون مائة، هللوا مائة! فيهللون مائة، احمدوا مائة! فيحمدون مائة، فذهب إلى عبد الله بن مسعود وكان من فقهاء الصحابة، فقال: يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد شيئاً أنكرته، ولم أر -والحمد لله- إلا خيراً، قال: ماذا رأيت؟ قال: رأيت في المسجد أقواماً حلقاً، وعلى كل حلقة رجل يقول: سبحوا مائة! هللوا مائة! كبروا مائة! فيكبرون ويعدون بالحصى، فقال: هلا قلت لهم: عدوا خطاياكم، وأنا ضامن ألا يضيع الله من حسناتكم شيئاً، انطلق بنا إليهم، فلما وقف على رءوسهم قال: ماذا تفعلون؟! قال: نسبح الله ونذكر الله، قال: عدوا خطاياكم وأنا ضامن ألا يضيع الله من حسناتكم شيئاً، يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم في الحق! هذه ثياب رسول الله لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده لأنتم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله؟ أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.

أي قال لهم: إن العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يزال قريباً، ونحن صحابته، وثيابه موجودة، وآنيته موجودة، ولم يطل العهد بيننا وبينه، وهذا الذي تفعلونه لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله، فما كان يجلس أبو بكر وعمر والصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يقول لهم: عدوا فيعدون، بل كانوا يسبحون، كل واحد يعد لنفسه، سبح الله ثلاثاً وثلاثين، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقل تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وللإنسان أن يسبح وحده بدون أن يعد، فقال لهم ابن مسعود: أنتم بين أمرين: إما أنكم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله، وهذا احتمال، وهم ليسوا على ملة أهدى من ملة رسول الله، إذاً الواقع هو الاحتمال الثاني: أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: يا أبا عبد الرحمن! والله ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لا يدركه.

ولأجل هذه الكلمة الأخيرة سقت هذه القصة، فبعض الناس يريدون الخير ولكن لا يبلغون الخير ولا يسلكون سبله، فقد يقصد الخير وينويه ولكن لتحقيق الخير لا يفعل الخير، لأنه لا يأخذ الأمر من بابه الذي شرعه الله سبحانه وتعالى، وهذا سيؤدي إلى فساد عمله بدل أن يقبل؛ لأنه لم يترسم المنهج الإسلامي ترسماً جيداً.

أبواب الخير واسعة

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: هذه الشريعة كأنها شرائع لسعتها؛ ولذلك فتحت أبواب الخير، وهي أبواب واسعة في العبادات وفي الصلاة وفي الصدقة وفي الصيام وفي الإكثار من الحج وفي الإكثار من العمرة وفي الإكثار من الذكر وفي الإكثار من الجهاد في سبيل الله، وكل إنسان يأخذ الخير الذي يتناسب معه، فمنهم من يحب الجهاد، ومنهم صاحب المال الذي ينفق ولا تنقطع نفقته، ومنهم الذي تحبب له الصلاة، ومنهم الذي يحبب له قراءة القرآن، ومنهم الذي يحبب له الذكر، أبواب الخير كثيرة ولكن في بعض الأحيان تضيق السبل على الناس فيبتدعون في الدين، أو يركبون المركب الصعب.

العلم بابه واسع وطرقه معروفة، وبعض الناس يتمحلون في العلم، فلا يذهب ليفهم العلم من أبوابه التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن يأخذ بصعاب المسائل.

حُدَّث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رجل يسمى صبيغ وهو بدوي، وكان لا يسأل إلا عن المسائل الكبيرة والمشكلات، فقال: اللهم مكني من هذا الرجل، فبينما هو جالس بباب داره إذا بالرجل يسأل عمر، فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ قال: انتظر في الباب، فدخل وجاء بعراجين النخل وضربه على رأسه حتى أوجعه وأدماه، فقال يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد أن تذهب ما في رأسي فقد ذهب والله وإن كنت تريد أن تقتلني فأنت وذاك، فنفاه إلى الكوفة أو البصرة، وأمر الناس ألا يجالسوه وألا يتحدثوا معه، حتى اشتد الأمر عليه وأرسل والي عمر أن قد صلح حاله، فأذن للناس في أن يخاطبوه ويجالسوه، بعد أن أدبه لسلوكه مسلكاً صعباً يضر بالمسلمين ويشتت جهودهم.

كذلك الذي يتخذ سبيل الفتنة بين الناس، فهذا مسلك صعب يفرق المسلمين، وسبل الخير كثيرة، وتنقضي أعمار الناس وتنقضي الحياة وأبواب الخير لم تنفد، وتنتهي حياة الناس والشر واضح وبين، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الطواغيت والظلمة والفجرة، وأنواع الشرك، وأنواع الذنوب والمعاصي، وتنتهي حياة الإنسان وهو لم يستطع أن يغير فيها إلا القليل، ثم يأتي المسلمون يسلكون سبلاً تبتعد بهم عن المنهج السليم! لذا فينبغي للمسلمين أن يرفقوا بأنفسهم، وأن يتذكروا وقوفهم بين يدي ربهم سبحانه وتعالى، فكلنا ملاق الله سبحانه وتعالى، والسعيد هو من جاء وهو طاهر ونظيف لم يخض في دماء المسلمين، ولم يخض في أعراض المسلمين، ولم ينتهك حرمات المسلمين، ولم يطعن ولم يغتب ولم ينم، وجاء وقد جاهد وأصلح بقدر وسعه وأنفق بقدر وسعه، وطرق أبواب الخير وأغلق أبواب الشر، فذلك الذي يرجى أن يكون من المحسنين.

المصدر

المكتبة الشاملة: محاضرة للشيخ عمر الأشقر رحمه الله.

اقرأ أيضا

التعليقات غير متاحة