رُوي مِن طُرقٍ كثيرة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما رآهم وقعوا في الغنائم يومَ أُحُدٍ (ما كنت أحسب أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا وعَرضَها حتى كان اليوم)، فلم يظهر له ذلك ولم يكن يحسبُه ممكنًا ، فقد كان هؤلاء مُعافَيْن من مثل ذلك الافتتان ، فلمّا امتُحِنوا = ظهر وتميّزُّوا .
القلب على حرف: لماذا لا نثبت عند البلاء؟
وكثيرٌ منّا هكذا (حتى لو كان كثير العبادة،كثير المعرفة، كثيرَ الكلام = فهو يعبدُ الله على حرف) : ليس ثابتًا .
ولكنّه مُعافى، ولو ابتُلي= لفُتِن وما صبر، ولَظهرت خباياه .
ولا يثبت في مثل ذلك إلّا مَن يُثبتُ الله، ومن يحرص على سلامة قلبه، ويحصّن نفسه بالتقوى والعلم النافع وتزكية النفس و يداوم على محاسبتها .
ولا قوّة إلا بالله.
سل العافية ولا تتمنى البلاء
فسل اللهَ العافيّة ، ولا تتمنّ البلاء ..
ولا تقل: لو كنتُ مكان فلان لفعلتُ وفعلتُ.
وأبصِر مواضع تقصيرك وضعفك الإيماني، وأسرع في علاجها .
البداية الحقيقية: إصلاح النفس أولًا
واجعل صلاح نفسك قضيّتَك التي تعيش لها أولًا وهدفك الأول ، ثم إصلاح الأقرب .
الفتنُ التي تُعرَض على العبد مُتنوعةٌ وهي أكثر وأوسع من أن يطمئن على نفسه ويأمن عليها بمجموعة معلومات يعرفها أو عبادات بدنيّة يُواظب عليها ..
نعم ..بلا شك هذه أسبابٌ للنجاة
الفتن أوسع مما تتخيل: ليست المال والنساء فقط
لكن الفتن متنوعة :
فتنة المال، الشُّهرة ، شهوة النساء ، فتنة الأقران الناجحين من حولك أو من ينافسونك في مجال عملك ، وفتنة الفقر، والغنى والمرض والعافية، والقُرب من المترفين الفاسدين … .وغيرها كثير جدا ..
ولا يدري العبد – أبدا – بأي نوعٍ منها يُفتن
ثمّ قد يصبر على نوعٍ من البلاء دون بعض
يصبر على الصيام في اليوم الحار، وطول القيام بالليل
ويُعرض عليه صنوف المال الحرام فيصبرُ ، بل لا يخطر بباله قط ..
نماذج معاصرة للسقوط في الفتن (شواهد واقعية)
فتنة الشهوة
لكنه نفسه لا يصبر إن وقعت عينه على مُتبرّجة ..فلا يزال يُفكّر فيها حتى تُعكّر عليه عبادته ودراسته ..وتجرُّه لخطواتٍ في المعاصي = ليجد نفسه قد فعل منكرات وفواحش ما كان يخطر بباله أبدا أنه يمكن أن يقع فيها!
فتنة المال
وآخرُ مُجاهدٌ يجود بنفسه، لكنّه قد فُتن لمّا رأى ٥٠ ألف دولار في يديه قد جُمعت للمجاهدين ،فلعِب الشيطانُ برأسه، قال له: المالُ معك ..والحياةُ جميلة، خُذ المال و اذهب إلى أوروبا فعِش هناك وتنعّم ..فصدّق إبليس عليه ظنَّه ففَعَلَ (حدث هذا بالفعل، والرجل الآن مفتون في اوروبا)
فتنة الحسد والمنافسة
وهذا ثالث : فُتن بزميلٍ له في عمله متميّزٍ عليه = فلا زال الشيطان به ينزغ حتى جعله يحسده و يكيد له ويكذب ويخون ويظلم = فأدخله شُحُّ نفسه في منكرات عظيمة
فتنة الموضة والمجتمع
وهذه فتاةٌ مُحجّبة فُتنت بنظرها للمتبرّجات حولها اللاتي يُبدين مفاتنهنّ = فقالت: فلماذا أعيشُ أنا هذا الشقاء ..فخلعت حجابها…
فتنة العُجب والغرور
وهنا مفتونٌ بكثرة علمه، أو كثرة عبادته، أو جهاده، أو إنفاقه.. فخورٌ بنفسه مُحتقرٌ غيره
الواقع يشهد: السقوط في الوَحل
الواقع من حولك شاهدٌ : كم هم الذين سقطوا في الوَحل، ولم يكن يخطر على بالك قطّ إلا أنّهم أولياء صالحون بعيدون عن كل فتنة ..فرأيتَهم بعينك قد فعلوا ويفعلون المُوبقات ..بل يجهرون بها !
لماذا لا يأمن الإنسان على نفسه؟
أبواب الفتن كثيرة ومتنوعة بحيث لا يدري العبدُ:
– من أي الأبواب يُختبر ويُبتلى .
– ومتى يأتي البلاء، وكيف ؟
فلا يأمن على نفسه أبدا مهما كثرت عبادته، مهما كثرت معلوماته ، مهما كان قريبا من الصالحين، بل يبقى راجيا خائفا يسأل العافية ..ولا يتمنّى البلاء .
فلا تأمن البلاء على نفسك أو على أحد قطّ لما تراه منه من علم أو عبادة أو صبرٍ على بعض أنواع البلاء .
كيف نحمي أنفسنا وأهلنا؟
ووطِّن نفسك على تحمُّل ما تراه من سقوطِ من سقطوا
واجعل ثباتَك على الاستقامة وثباتَ أهلك= قضيتَك
وخُذ بأعظم أسباب الثبات
وعليك بكثرة الدعاء
وكثرة الأعمال الصالحة
وأخصُّ ما تواظب على إصلاحه وتفقُّده = قلبُك
تحذير أخير: هل أنت على طريق الساقطين؟
وكثيرٌ ممن يتحسّرون ويتعجبّون اليومَ ممن يرونهم قد انتكسوا وفُتنوا = هُم أنفُسهم يسيرون في نفس طريقهم، وليس في عُدّتهم علمٌ ولا عملٌ يمنعهم من نفس المصير !!!
هي مسألة وقت …
((فعامةُ الناس إذا:
أسلموا بعد كفر أو وُلدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله = فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل..
ولكنّ دخولَّ حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئا فشيئا -إن أعطاهم الله ذلك – وإلا فكثير من الناس:
لا يَصلون لا إلى اليقين
ولا إلى الجهاد
ولو شُككوا لشكوا
ولو أُمروا بالجهاد لما جاهدوا
وليسوا كفارا ولا منافقين
بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا= دخلوا الجنة
وإن ابتُلوا بمن يُورد عليهم شبهات توجب رَيبهم، فإن لم يُنعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مُرتابين، وانتقلوا إلى نوع من النفاق..)
كتاب الإيمان الكبير لابن تيمية
المصدر
صفحة الشيخ حسين عبد الرازق، على منصة ميتا.
