الإصلاح السياسي لأوضاع المسلمين أمر واجب وعاجل. والإصلاح يجب أن يكون بضواط الإسلام وطرحه لعدم اختراق العدو. الطغاة أكبر خطر اليوم بينما يتساقط المصلحون قتلى وأسرى.

الخبر

“أعلن حقوقيون سعوديون وفاة المعتقل الدكتور عبد الله الحامد الذي يطلق عليه لقب “شيخ الحقوقيين” في السعودية، وذلك جراء الإهمال الطبي.

وكتب حساب “معتقلي الرأي” السعودي على تويتر “إنا لله وإنا إليه راجعون.. توفي صباح اليوم الجمعة الدكتور أبو بلال عبد الله الحامد في السجن، وذلك نتيجة الإهمال الصحي المتعمد الذي أوصله إلى جلطة دماغية أودت بحياته”.

وأضاف أن وفاة الحامد في السجن “ليس أمرًا عاديا، فهو اغتيال متعمد قامت به السلطات السعودية بعد أن تركته إدارة السجن في غيبوبة عدة ساعات قبل نقله إلى المستشفى”. (1موقع “الجزيرة”، 24/4/2020، على الرابط:
سعوديون يعلنون وفاة “شيخ الحقوقيين” عبد الله الحامد في السجن جراء الإهمال الطبي
موقع عربي 21، 24/4/2020، على الرابط:
وفاة المعتقل السعودي عبد الله الحامد.. “شيخ الإصلاحيين
)

التعليق

يتوالى سجن الأبرياء المصلحين والدعاة والعلماء، ويتوالى الموت في السجون، والإهانة والتعذيب؛ في بلاد الحرمين لكل من يريد تحقيق الإصلاح في الحياة السياسية والأوضاع العامة للمسلمين. ويتوالى سقوط شخصيات كريمة ونفوس محترمة صرعى في سجون الإهمال والحصار.

يتعامل الطغاة على أنهم يمتلكون الأرض والناس، وأن ملكهم بلا قيد، وأنه لا حقوق للأمة ولا ضوابط للشرع. ويستصحبون من تبقى لهم من المنتسبين للعلم ليعطوهم شرعية بدا للناظرين أنها تتآكل لسوء ما ينطق به هؤلاء الرسميون بل ولفحش أطروحاتهم المؤيدة للطغاة.

تمادٍ فاحش

لم تكن ثمة حجة لعلماء السوء في مساندة سلطة تقتل العلماء وتسجنهم وتغير قيم المجتمع ودينه وتبدل الشرائع وتوالي الكافرين إلا التراوح بين حجج مردودة على أصحابها بأن الحاكم يُهمَس له في النصح في صورة مُعْلمة إن شاء أخذ بها..! ـ وبهذا يتم تفريغ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مضمونه، مع المخالفة لما كان عليه الصحابة والسلف.

أو يتمادون بإطلاق يده في فعل المنكرات والفواحش علانية كافتراض أن يزني الحاكم كل يوم علانية أمام الملايين فليس له إلا السمع والطاعة..! وهي مناقضة لأمر الله ورسوله بالأخذ على أيديهم عند الانحراف «لتأطرنهم على الحق أطرا، ولتقصرنهم على الحق قصرا».

أو التفويض له بإشاعة الفواحش ونشر الإباحية والتعدي على ثوابت الأمة وموالاة الكافرين؛ بحجة أنه أعلم المصلحة وأبصر بالأمور..! وفي هذا إلغاء للدين والعقول وهروب من المسؤولية وتمرير للطوام المدمرة؛ وهل هلك الأولون إلا بتلك المداهنة والمتابعة للانحراف والكذب على الله ودينه..؟! فقال تعالى بعد إهلاك الظالمين: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ (هود: 116)

قطع الطغاة للشكوك..!

وبعد أن كان ظاهر أمر هؤلاء الطغاة خادعا لبعض الناس بأنها مجرد انحرافات جزئية أو ممارسات فردية أو سياسات خاطئة.. فقام هؤلاء الحكام بما قطع التشابه والتشغيب! فأطلقوا التغيير القيمي علنا وإشاعة الفواحش والمنكرات، وتقليص مساحة هيمنة الشريعة وحاكميتها، والانسلاخ المتوالي منها؛ بداية من الحسبة الى الإعلام الفاحش، والتعليم الذي أصبح علمانيا معاديا للدين ومخاصما له، ثم القضاء وقوانينه التي يحكم بها وتقليص المساحة المخولة للقضاء الشرعي لصالح القانون المبدل، ثم توسيع مساحة التقنين بغير ما أنزل الله.. ثم الإتيان بالمتعدين على الدين في الإعلام والسماح لهم بالطعن الصريح في أصول هذا الدين ومصدره الغيبي.. ثم موالاة الصهاينة علنا والتواصل معهم ومناصرتهم ضد المسلمين وتسليمهم مقدسات المسلمين والتآمر عليها لصالحهم..

فقطعوا هذا التشغيب والتلبيس الذي كانوا يتواورن خلفه وكان هو حجة علماء السوء المناصرين لهم، بحجة أن الصبر هو مذهب أهل السنة على الحكام الجائرين؛ فلم يصبحوا جائرين بل مبدلين موالين للكافرين هم أدنى عدو وأقرب خطر على المسلمين ومعول في يد الكافرين.

ومن جانب آخر فقد كانت حجة بعض المنتسبين للعلم في رفض الإصلاح الواجب بأنه متأثر بالغرب! وباب لبدعة الديمقراطية وغيرها، واتهام من ينادي بالإصلاح وإعادة دور الأمة بهذه الاتهامات.. فإذا بهؤلاء الطغاة يُسقطون هذا الاتهام بقيامهم هم بكل المخاطر التي كانوا يخوفون بها الأمة، بجلب سَوءات الغرب في الإلحاد والإباحية والعلمنة الصريحة للمجتمع وإهدار الثروات لهم والتبعية العلنية والصريحة والمُذلة لهم، والتمكين للصهاينة، وإضعاف البلاد حتى قاربت على الافتقار.

إنهم لم يتركوا لمن يساندونهم ويعطونهم شرعية، حجةً أو شبهة يستترون بها فحققوا هم المخاوف بأنفسهم.

مخاوف الدور الإصلاحي

وهنا تلك المعضلة التي نحذر منها مرارا..

وهي أن أوضاع الاستبداد هي حالة خطرة في نفسها، وتؤدي حتما الى المهالك. وأن تقزيم دور الأمة واعتماد الشورى في صورية هزلية يختارها الحكام على أيديهم؛ يجعل الأمة مغيَّبة وغير فاعلة، ويركّز السلطة والقدرة على العمل في يد أفراد بأعينهم يسهل للعدو إسقاطهم في عمالته والتبعية له والتوصل بهم الى مآربه.

والعدو لا يكتفي بإسقاط هؤلاء الحكام في قبضته بل يجعل لهم مناوئين من المجتمع يصنعهم على يده كما يصنع الحكام وأبناءهم على يده. فيطمئن أن كليهما علماني معادٍ للدين لا يستهدف مشروعه ومنفصل عنه، ويهدد هذا بذاك. ومن ثم تصبح الصورة المزورة والخطيرة؛ أن توضع البدائل أمام المسلمين بين حكام علمانيين فسدة في حقائقهم مع رتوش من الشرعية الإسلامية المزورة أو نخبة ليبرالية ملحدة صريحة..؟ وفي الحقيقة فكلاهما واحد وله نفس الاتجاه وينفذون الجريمة نفسها ضد المجتمع، ويغيب الإصلاح الملتزم بالشريعة وثوابتها.

ملامح حاكمة

ومن هنا فمحاولات الإصلاحيين الملتزمين بالطرح الإسلامي والثوابت الشرعية تكون هي المخرج للأمة ومناط الانقاذ لها، وهي الأمر الخطير على كلٍ من فجرة الحكام وفجرة النخبة المتغربة.

والطرح الإسلامي المطلوب هو الدور الذي:

  • يعيد للشريعة حاكميتها المستقلة والوحيدة على مناحي الحياة، وأن يغطي الاجتهاد الشرعي جميع المناطات الحادثة.
  • يحقق ولاء الإسلام وهوية الأمة الإسلامية فوق الهويات الوطنية المصنوعة والمزعومة والمفرقة والتي تُسبب اندراس الإسلام ومحوه ـ عياذا بالله.
    وبالتالي يحقق نصرة قضايا المسلمين.
  • يحقق للأمة دور المشاركة الفعالة والملزمة، بالحسبة على الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كان عليه المسلمون في العصر الراشد، ويحقق الرقابة على أموال المسلمين، وعلى تصرفات الحكام وسياساتهم العامة التي تؤثّر في حياة المسلمين. كما أنها المشارَكة التي يكون أفرادها ممثلين بالفعل للأمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قوموا حتى يرفع إلينا أمرَكم عرفاؤكم».
  • هذه المشاركة التي تحقق الشورى الراشدة التي أمر الله بها فتقطع الطريق على الديمقراطية الغربية بما تحويه من مخالفات.
  • الحفاظ على ثوابت الأمة الدينية في التوحيد، وتعليم الأمة دينها وترسيخ العقيدة والقيم الشرعية، ونشر الرسالة بين الأمم والدعوة الى الله.
  • الطرح الذي يمتلك مشاريع التحديث والتصنيع وامتلاك القوة وتوطين التكنولوجيا ومنافسة العالم في مجال العلم والتصنيع والتكنولوجيا من أجل قوة واستقلال القرار، والقدرة على نصرة قضايا المسلمين.
  • تحديد شرعية أي إصلاح من خلال دين الله تعالى وعدم التلوث بالعلاقات الغربية المشبوهة التي يُخشى منها أن يكون إصلاحيوها أدوات ابتزاز لمزيد من خضوع الحكام وسقوطهم.

خاتمة

من خلال هذه الملامح ومن خلال رؤية هذه الأوضاع ندرك قيمة الإصلاحيين المنتمين لهذا الدين وأطروحاته والملتزمين بحقوقه وواجباته، والمصممين على استعادة الأمة لدورها، والرفع من قيمة العزة والكرامة للمسلم ولدوره، وللشعوب عامة في مواجهة تغول السلطة.

وقد تختلف الأنظار في تحديد مدى قرب أو بعد شخص ما أو تيار عن الملامح الثابتة؛ لكن يبقى الإصلاح ضروريا، والطرح الإسلامي ملزما. ومن ثَم فلا يعني هذا أنا نوافق الشيخ عبد الله الحامد رحمه الله تعالى في كل طروحاته.

ومن هنا تبدو خطورة أمثال الدكتور “عبد الله الحامد” رحمه الله، وأمثاله، والدعاة المدركين لأهمية دور الأمة ولقدْر الانحراف الحاصل ولخطورة الأوضاع ووجوب استدراكها تبدو خطورتهم على هؤلاء الطغاة.

لهذا كانوا قساة على رجل سبعيني تتوالى عليه الأحكام ويُبطش به ليمنعوا بالبطش به من يروم التغيير الواجب والإصلاح المتحتم قبل الهلكة.

إن أوضاع القهر والاستبداد هي أوضاع تمثل فرصة لدخول العدو ولتسرب مفاهيمه؛ بينما الشفافية والوضوح والحريات واحترام كرامة الناس وأخذ شورى صفوة الأمة وعلمائها والإصلاح الواعي الملتزم بالثوابت يقطع الطريق على السقوط، ويقطع الطريق على تلاعب السفهاء والأقزام بالأمة، ويقطع الطريق على تدسس العدو واختراقه للمسلمين. ويستفيد بعقول الأمة ويمنع تلك الآلام والمظالم وإزهاق الأرواح البريئة.

رحمة الله على الدكتور “عبد الله الحامد” وعلى كل مصلح، وعلى كل داعية، وعلى علماء المسلمين القابعين في سجون الطغاة يبغون صلاح الأمة وينقم المجرمون عليهم ذلك، والله على كل شيء شهيد.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة”، 24/4/2020، على الرابط:
    سعوديون يعلنون وفاة “شيخ الحقوقيين” عبد الله الحامد في السجن جراء الإهمال الطبي
    موقع عربي 21، 24/4/2020، على الرابط:
    وفاة المعتقل السعودي عبد الله الحامد.. “شيخ الإصلاحيين

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة